المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ترجمة المؤلف الشيخ السهارنفوري بقلم أحد كبار العلماء - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ١

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌عملي في هذا الكتاب

- ‌تقديم

- ‌تَقْدِيمُ الْكِتَابِ

- ‌خصائص هذا الشرح

- ‌كلمة عن "سنن أبي داود" وشرحه "بذل المجهود" في غاية الوجازة

- ‌كلمة عن الإِمام أبي داود

- ‌التعريف بكتاب "السنن" له

- ‌ فقد تلخّص من كلمات الإِمام أبي داود وغيره أمور:

- ‌كلمة في المولِّف الإِمام وخصائص شرحه

- ‌كلمة في شرح سنن أبي داود

- ‌وبالجملة نلخِّص القول في شيء من خصائصه:

- ‌ترجمة مؤلِّف بذل المجهود من "نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر

- ‌ترجمة المؤلف الشيخ السهارنفوري بقلم أحد كبار العلماء

- ‌عصر أبي داود

- ‌الإِمَام أبو دَاوُدقبسات من سيرته، ولمحات من فضله

- ‌اسمه ونسبه ونسبته:

- ‌ولادته:

- ‌ارتحاله إلى الآفاق:

- ‌شيوخه:

- ‌ومن أعيانهم:

- ‌تلاميذه:

- ‌زهده وورعه:

- ‌اعتزازه بكرامة العلم والعلماء:

- ‌اعتراف الأئمة بفضله وكماله:

- ‌تحرِّيه في الإِسناد:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌وفاته:

- ‌ابنه أبو بكر:

- ‌مؤلَّفاته:

- ‌ سُنَن أبي دَاوُد" تأليفه - مكانته - خصائصه

- ‌موضوع الكتاب ومعظم مقصود الإِمام في تأليفه:

- ‌كتاب "سنن أبي داود" جامع للأحاديث التي استدلّ بها فقهاء الأمصار وبنوا عليها الأحكام:

- ‌ثناء الأئمة على "السنن

- ‌مكانة "سنن أبي داود" بين الكتب الستّة تدريسًا:

- ‌شروط الإِمام أبي داود في "السنن

- ‌مكانة "سنن أبي داود" بين الكتب الستّة صحّة:

- ‌الكلام على ما سكت عليه أبو داود:

- ‌مدة تأليف "السنن

- ‌عدد روايات "السنن

- ‌يكفي الإِنسان لدينه أربعة أحاديث:

- ‌خصائص الكتاب:

- ‌تجزئة الكتاب:

- ‌الأحاديث المنتقدة في "سنن أبي داود

- ‌درجات أحاديث "السنن

- ‌نسخ الكتاب:

- ‌ سنن أبي داود" ورواته:

- ‌شروح الكتاب والكتب المؤلفة حوله

- ‌رسالةُ الإِمامِ أَبي داودَ إِلى أَهلِ مكَّةَ في وصْفِ الكِتابِ وبَيان خصائِصِهِ والتِزاماتِهِ

- ‌مُقَدِّمَةُ "بَذْلِ الْمَجْهُودِ

- ‌(1) كِتابُ الطَّهَارَةِ

- ‌(1) بَابُ التَّخَلّي عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ

- ‌(2) بَابُ الرَّجُلِ يَتبوَّأُ لِبَوْلِهِ

- ‌(3) بَابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ

- ‌(4) بَابُ كَرَاهِيَّةِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلةِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ

- ‌(5) بَابُ الرُّخْصَة في ذَلِك

- ‌(6) بَابٌ: كيْفَ التَكَشُّفُ عِنْدَ الْحَاجَةِ

- ‌(7) بَابُ كَرَاهِيَةِ الْكَلَامِ عِنْدَ الْخَلَاء

- ‌(8) بَاب: في الرَّجُلِ يَرُدُّ السَّلَامَ وَهُوَ يَبُولُ

- ‌(9) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَذْكُرُ الله تَعَالَى عَلَى غيرِ طُهْرٍ

- ‌(10) بَابُ الْخَاتَمِ يَكُونُ فِيهِ ذِكرُ الله تَعَالَى يُدْخَلُ بِهِ الْخَلَاءُ

- ‌(11) بَابُ الاسْتِبْرَاءِ مِنَ الْبَوْلِ

- ‌(12) بَابُ الْبَوْلِ قَائِمًا

- ‌(13) بَاب: في الرَّجُلِ يَبُولُ بِاللَّيْلِ في الإِنَاءِ ثُمَّ يَضَعُهُ عِنْدَهُ

- ‌(14) بَابُ الْمَواضِعِ الَّتِي نُهِي عَنِ الْبَوْلِ فِيهَا

- ‌(15) بَابٌ: في الْبَوْلِ في الْمُسْتَحَمّ

- ‌(16) بَابُ النَّهْيِ عنِ الْبَوْلِ في الْجُحْرِ

- ‌(17) بَابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ

- ‌(18) بَابُ كَرَاهِيَّةِ مَسِّ الذَّكَر بِاليَمِينِ في الاستِبْرَاءِ

- ‌(19) بَابٌ: في الاِسْتِتَارِ في الْخَلاءِ

- ‌(20) بَابُ مَا يُنْهَى عَنْهُ أَنْ يُستَنْجَى بِهِ

- ‌(21) بَابُ الاسْتِنْجَاءِ بِالأَحْجَارِ

- ‌(22) بَابٌ: في الاسْتِبْرَاءِ

- ‌(23) بَابٌ: في الاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ

- ‌(24) بَابُ الرَّجُلِ يَدْلُكُ يدَهَ بِالأَرْضِ إِذَا اسْتَنْجَى

- ‌(25) بَابُ السِّواكِ

- ‌(26) بَابٌ: كَيْفَ يَسْتَاكُ

- ‌(27) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَسْتَاكُ بِسِوَاكِ غَيْرِهِ

- ‌(28) بَابُ غَسْلِ السِّواكِ

- ‌(29) بَابٌ: السّوَاكُ مِنَ الْفِطْرَة

- ‌(30) بَابُ السِّوَاكِ لِمَنْ قَامَ بِاللَّيْلِ

- ‌(31) بَابُ فَرْضِ الْوُضُوءِ

- ‌(32) بَابُ الرَّجُلِ يُجَدّدُ الْوُضُوءَ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ

- ‌(33) بَابُ مَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ

- ‌(34) بَابُ مَا جَاءَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ

- ‌(35) بَابُ الْمَاءِ لَا يُجْنِبُ

- ‌(36) باب الْبَوْلِ فِى الْمَاءِ الرَّاكِدِ

- ‌(37) بَابُ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْكَلْبِ

- ‌(38) بَابُ سُؤْرِ الْهِرَّةِ

- ‌(39) بَابُ الْوُضُوءِ بفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ

- ‌(40) بَابُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ

- ‌(41) بَابُ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ

- ‌(42) بَابُ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ

- ‌(43) بَابٌ: أَيُصَلِّي الرَّجُلُ وهُوَ حَاقِنٌ

- ‌(44) بَابُ مَا يُجْزِئُ مِنَ الْمَاءِ في الْوُضُوءِ

- ‌(45) بَابٌ: في الإِسْرَافِ في الْوُضُوءِ

- ‌(46) بابٌ فِى إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ

- ‌(47) بَابُ الْوُضُوءِ في آنِيَةِ الصُّفْرِ

- ‌(48) بَابٌ: في التَّسْمِيَةِ عَلَى الْوُضُوءِ

- ‌(49) بابٌ فِى الرَّجُلِ يُدْخِلُ يَدَهُ فِى الإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا

- ‌(50) بَابٌ: يُحَرِّكُ يَدَهُ في الإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا

- ‌(52) بَابُ الْوُضُوءِ ثَلاثًا ثَلاثًا

- ‌(53) بَابٌ: في الْوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ

- ‌(54) بابُ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً

- ‌(55) بَابٌ فِى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ

- ‌(56) بابٌ: فِى الاِسْتِنْثَارِ

- ‌(57) بَابُ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ

- ‌(58) بَابُ الْمَسْحِ عَلَى العِمَامَةِ

- ‌(59) بَابُ غَسْلِ الرِّجْلِ

- ‌(60) بابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌(61) بَابُ التَّوْقِيتِ في الْمَسْحِ

- ‌(62) بابُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ

- ‌(63) بَابٌ

- ‌(64) بابٌ: كَيْفَ الْمَسْحُ

الفصل: ‌ترجمة المؤلف الشيخ السهارنفوري بقلم أحد كبار العلماء

‌ترجمة المؤلف الشيخ السهارنفوري بقلم أحد كبار العلماء

(1)

قال الله تبارك وتعالى: {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} (2)، وقال سبحانه وتعالى:{نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (3)، وقال سبحانه وتعالى:{نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (4)، وقال سبحانه وتعالى:{يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} (5).

وقال عليه الصلاة والسلام: "ما من نبي بعثه الله في أُمّته قبلي إلَّا كان له في أُمّته حواريون وأصحاب يأخذون بسُنَته ويقتدون بأمره

" الحديث (6)، وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تزال طائفة من أُمَّتي منصورين لا يضرّهم مَن خذلهم حتى تقوم الساعة" (7)، وقال عليه الصلاة والسلام:

(1) المراد به شيخ الإِسلام الإِمام المحدث السيد حسين أحمد المدني، المتوفى لإحدى عشرة خلون من جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وثلاثمائة وألف (انظر ترجمته في:"نزهة الخواطر"(8/ 126 - 132)، ولم يصرح الكاتب العلّام باسمه تواضعًا منه وختمه بالعبارة الآتية:"كتبه بعض المنتسبين إلى أعتاب حضرة الشيخ - غفر الله له ولوالديه ومشايخه أجمعين -".

(2)

سورة الشورى: الآية 13.

(3)

سورة يوسف: الآية 76.

(4)

سورة يوسف: الآية 56.

(5)

سورة البقرة: الآية 105.

(6)

أخرجه مسلم برقم (80).

(7)

أخرجه الترمذي برقم (2287).

ص: 70

"إنَّ الله لا يزال يغرس في هذا الدين غرسًا"(1).

وقال ابن سيرين: (إنَّ هذا العلم دين فانظروا عمَّن تأخذون دينكم (2).

وبنًاء على ما تلونا من الآيات، وسردنا من الروايات، وعلى ما يماثله من الآيات والأحاديث والأقوال لم يزل الأسلاف يذكرون تراجم المشايخ والأعلام، ويبثّون ما منحهم الله تعالى من المزايا والمكارم بين الأنام، وأتوا بتصانيف مفردة وغير مفردة في أحوال الرجال، ولم يتساهلوا في تبيين الحق وضبط طبقات أهل الفضل والكمال، فمن مُقِلٍّ ومُكْثِرٍ، ومطنب وموجز، كي تطمئنّ النفوس بإفاضاتهم، وتستقرّ القلوب لدى إفاداتهم، ولا تبقى مَظنَّةٌ لريب المرتابين، وتنقطع أعناق شُبُهَات المنكرين والجاحدين، ويكون ذريعة للسان الصدق في الآخرين، وأسوة حسنة للهداة والمتأسين، ومُهَيِّجًا لِهِمَم الضُّعفاءِ مُذَكِّرًا للغافلين، وهداية للمعرضين عن المقال جانحين إلى الَقائلين، فلا يستمطر كل وَبْلٍ (3) وطَلٍّ، ولا يقصد باب كلّ مَن جلَّ وقلَّ، ولا يعتمد على كلّ مَن عرف أو جهل: استحسنّا أن نوشح هذا الكتاب بنبذة من ترجمة المؤلِّف دام مجده، فنقول:

هو الثقة، المثبت، الحجة، الحافظ، الصدوق، محيي السُّنَّة السنيَّة، قامع البدع الشنيعة، شعاره طريقة رسول الله، دثارَه (4) التقوى ومخافة الله، لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يزعجه عن الطريق القويم مهابة غَوِيّ ظالم، حاز قصبات السبق في ميادين الفضل والكمالات، فأعيى الأقران، ونشر ألوية الجهاد في سبيل الله بالحجج والبيِّنات، فَأبْكَمَ كُلَّ مُتَشَدِّقِ لِسانٍ، نبعتْ من إفاداته عيونُ العلم والنُّهَى، وتفجَّرتْ من إفاضاته أنهارُ

(1) أخرجه ابن ماجه برقم (8).

(2)

أخرجه مسلم في "المقدّمة"، باب بيان أن الإسناد من الدِّين.

(3)

الوَبْل: المطر الشديد.

(4)

في الأصل: "ثارَه" والصواب ما أثبتناه.

ص: 71

الإِحسان والتُقَى، أشرقت أراضي التحديث بأنوار رواياته، وتلألأت أفلاك التفقُّه بأضواء دراياته، أبو حنيفة زمانه، وشبلي عصره ودورانه، مولانا أبو إبراهيم خليل أحمد الأيوبي الأنصاري نسبًا ومحتدًا، والحنفي الرشيدي مشربًا ومذهبًا، والجشتي القادري النقشبندي السهروردي طريقة ومسلكًا، لا زالت بحار فيضه زاخرة على ممرّ الليالي والأيام، وشموس إفاداته لامعة على رؤوس الخلائق والأنام.

يتّصل نسبه الطّاهر إلى سيّدنا أبي أيُّوب الأنصاري الخزرجي -رضي الله تعالى عنه -، ووُلد - دام مجده - في أواخر صفر سنة تسع وستين بعد الألف والمائتين من هجرة مَن هو مدار الفضائل الروحيّة ومحطّ الفيوض الرحمانية عليه الصلاة والسلام في أخواله بـ "نانوته" - كورة من نواحي سهارنفور - الهند. ثم ترعرع في ظلال أبويه الكريمين - رحمهما الله تعالى- في موطنهما كورة "انبيتهه".

وسُمِّي بظهير الدّين أحمد أيضًا لدلالته على ما يقارب زمان مولده، وللتفاؤل بأنه سيصير ظهيرًا للدِّين الحنيف حسبما صاح به الهاتف المنيف.

كانت لوائح الذكاء والفطانة تشرق على سرر جبينه في أيام صباه، ومنادي الأقدار كان يُسمع كلّ ذي عقل بأنه سيكون خليل الخليل فتحمد عقباه، فأبرزت لطائف الأقدار مكنوناتها ، ولفظت قوى الأرواح بمخزوناتها، حين أخذ عالم الأسباب بما تقرر في عوالم الأمثال، وصارت ألسنة الشهادة تروي له مسلسلات الأفضال، فاشتغل بالعلوم في صباه وأقرانه بين الماء والطين.

وتأدَّب بآداب الصلاح لدى والده الشاه مجيد علي المرحوم، فمجد في المتعلمين، صار يقرأ ويستفيض سحبه الهطالة في موطنه، حتى لفظته الأقدار إلى رياسة "كَواليار" فلازمه إلى مقرّه، وهنالك اشتغل

ص: 72

بمبادئ العلوم العربية على عمّه مولانا الشيخ أنصار علي المرحوم، ثم بعد برهة رجع إلى وطنه، فحضر لدى علماء البلد من أرباب المعرفة والعلوم، ولم يزل يستغرف بحارهم الزاخرة، ويستمطر سحبهم الهطالة إلى أن أُسِّسَت دار العلوم الإِسلامية الفيحاء، بـ "ديوبند" الشهيرة الزهراء في سنة ألف ومائتين وثلاث وثمانين من هجرة مَن له المجد والعلياء، فارتحل إليها مقتبسًا عن أنوار شموسها، ومستضيئًا بأضواء كواكبها وبُدورها.

ثم بعد أشهر لمّا تأسست هذه الكلية التي هي منابع للعلوم ومظاهرها، ومطالع لشموس المعارف ومشارقها، المدرسة العلية "مظاهر العلوم" بـ "سهارنفور"، قصدها مُشَمّرًا عن ساق الجد في تحقيق المسائل وحفظها وإتقان العلوم ووعيها.

ولم يزل يجدُّ في الاستشراق عن كواكبها الدريّة وسياراتها المضيئة حتى أن فرغ مِن سائر الكتب الدرسية، والفنون الآلية العربية، والعلوم العقلية والنقلية، المتوسّطات منها والانتهائية، حينما كان مدار أكثر الإِفاضة ساعتئذٍ على فخر الأكابر والأماثل، قدوة الأماجد والأفاضل، أستاذ الأساتذة، قدوة الأئمة والجهابذة، رئيس العلماء ورأسهم، وإمام أهل التحقيق وأساسهم، مركز دائرة الذكاء والبهاء، وشمس نجوم الأخلاق النبوية والسخاء، صدر المدرِّسين والمحدِّثين، سند المفسّرين والمتكلِّمين، العارف بالله مولانا الشيخ محمد مظهر النانوتوي الحنفي الجشتي القادري النقشبندي السهروردي (1) - قدَّس الله سرّه العزيز- فأخذ عنه الأُمّهات وغيرها من كتب الحديث والتفسير والأصول والفروع، سماع فقه ودراية، ولم يقتنع بسرد الألفاظ ومجرد الرواية، وهو - رحمه الله تعالى- مِن أرشد تلامذة إمام عصره وأوانه، وفريد دهره وزمانه مولانا مملوك علي النانوتوي

(1) المتوفَّى سنة 1302 هـ، تقدمت الإشارة إلى ترجمته (ص 65).

ص: 73

الصديقي الحنفي (1) - قدَّس الله سرّه العزيز- جدّ المؤلِّف أبي أُمّه، عن شمس العلماء وإمام الأتقياء مولانا رشيد الدِّين خان الدهلوي الحنفي (2) قدَّس الله سرّه العزيز- عن أبي حنيفة زمانه وبخاري عصره وأوانه، رئيس الحكماء المحقِّقين وسند الأولياء العارفين مولانا الشاه عبد العزيز الدهلوي العمري الحنفي (3) - قدَّس الله سرّه - وقد روى حضرة مولانا محمد مظهر المومأ إليه "صحيح البخاري" عن الشهير في الآفاق مولانا الشاه محمد إسحاق العمري الدهلوي (4) ثم المكي الحنفي- قدَّس الله سرّه العزيز -.

وكذلك يروي حضرة الأستاذ المؤلِّف سائر كتب الحديث قراءةً وإجازةً عن حبر الأُمّة كاشف الغمّة مولانا الشيخ عبد القيُّوم البدهانوي ثم البهوبالي، ختن حضرة العلَّامة الشّاه محمد إسحاق المومأ إليه - نَوَّر الله مرقده -.

ويروي أيضًا سائر كتب الحديث وفنونها عن أستاذ الأساتذه رئيس الكرام والجهابذة الإِمام الحجّة مولانا عبد الغني العمري المجددي الدهلوي ثم المدني- قدَّس الله سرّه العزيز - ح، وعن الشهير الإِمام الحجة السيِّد أحمد زيني دحلان مفتي الشافعيّة في زمانه بمكة المكرَّمة - رحمه الله تعالى - ح، وعن صدر علماء دار الهجرة السيّد أحمد البرزنجي مفتي الشافعيّة بالمدينة المنوَّرة - رحمه الله تعالى -.

ولم يزل مولانا الخليل- دام مجده - يغترف من بحار حبر الأمة مولانا محمد مظهر- قُدِّس سرّه العزيز - ويكتسب الأخلاق والمعاني من

(1) انظر ترجمته وتراجم مشايخه في: "أوجز المسالك"(1/ 136 - 150).

(2)

انظر ترجمته في: "نزهة الخواطر"(7/ 180).

(3)

انظر ترجمته في: "أبجد العلوم"(3/ 44)، و"نزهة الخواطر"(7/ 268).

(4)

انظر ترجمته في: "نزهة الخواطر"(7/ 51).

ص: 74

صحبته الفيحاء، وينوّر قلبه من معارفه الزهراء إلى أن ارتوى بما لديه من عذب العلوم وكتبها، وشهد له الأساتذة الأعلام بمناصب التكميل وأعالي رُتَبها، وذلك في سنة ثمان وثمانين بعد الألف والمائتين من الهجرة، وكانت سنّه الشريفة إذ ذاك تسع عشرة سنة.

ثم لم تقتنع نفسه المنهومة في العلم، الحريصة في العرفان، بذلك القدر من الحكمة والإِيقان، فأقلقه (1) إلى مركز دوائر الأدبيّات العربيّة، ومنبع أنهار المعالم اللغوية، أستاذ الأساتذة، إمام الحفّاظ الجهابذة، أصمعيّ زمانه، وسيبويه دورانه، مولانا الشيخ فيض الحسن السهارنفوري (2) الحنفي - قُدس سرّه العزيز- وقد كان إذ ذاك مرجع الفنون العربية ومدارها في "كليّة لاهور"، فأقام لديه شهورًا يرتشف مِن عذب بنات شفاهه، ويشنّف آذانه من مزاهر آدابه وبيانه، إلى أن رقته ألطاف المبدأ الفيّاض إلى معارج القيام بخدمة العباد، وإيصالهم إلى خفايا مكمنة في فطرهم من الهداية والرشاد، فولي خدمة التدريس بـ "منكَلور"، فشمر عن ساق الجد في طرق الإِفادة، وأسهر الليالي مجتهدًا في مطالعة الفنون والإِفاضة.

وهنالك أخذته الجذبة الإِلهيّة، والسابقة الأزليّة، واللطائف القدسية، والمنح الربّانيّة فأقلقته إلى حضور ربّ الأرباب والدخول في حلقة الروحانيين الذين أزيل عنهم الرين والحجاب، فوقف مدّة يتطلّع إلى شموس زمانه والأقمار، ويستطلع بغيته في كلّ جنّة ذات ثمار وأزهار، إلى أن تَغَرَّد بلبل التفريد، ورَنَّحَ عندليب التوحيد، وغَنَّى بلحن ناشط سديد، أن دع الهيام والحيرة، واقصد الباب الرشيد، فإنَ هنالك الفوز والوصول لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فلبّاه بقلبه، واعتقده إشارة ربه، فلم يصبر حتى أن ألقى نفسه بفناء إمام العارفين سند الواصلين،

(1) قوله: أقلقه، أي: حرّكه.

(2)

انظر ترجمته في: "نزهة الخواطر"(8/ 392).

ص: 75

قطب السالكين، شمس الهداة الكاملين، الفاني الباقي، والمرشد الصافي، السالك المجذوب، والصديق المحبوب، قطب العالم مولانا وسيّدنا أبي مسعود رشيد أحمد الأيُّوبي الأنصاري الكَنكَوهي الحنفي الجشتي القادري النقشبندي السهروردي - قدَّس الله سرّه العزيز-.

فلم يزل واقفًا على أعتابه، يستغيث سحبه الهطالة، ويستضيء شموسه اللَمَّاعة، إلى أن أوصلته العواطف الرَّبَّانية والسوابق الصمدانيَّة أعلى درجات الوصول والنهاية، وبلغ غاية درجات السلوك والهداية، فحقق له أن يفوّض إليه تسليك عباد الله والتربية، وإحياء الأرواح والنفوس بأمطار الرياضات والتزكية، فأجاز له حضرة قطب الأقطاب مولانا الكَنكَوهي المومأ إليه - قدَّس الله سرّه العزيز- إجازة الإِرشاد والإِيصال، بأن كتب بأحواله القدسية ومدارجه العالية إلى ذروة المجد والكمال، إمام العارفين، وحجّة الله في العالمين، القطب الربّاني، والإِمام الصمداني، مولانا الحاج إمداد الله المكي الجشتي النقشبندي القادري السهروردي العمري (1) - قدَّس الله سرّه العزيز-، فَبَخلَهُ وأكرمَهُ بالخرقة والإِجازة، وأقامه مقام نفسه، وأَلْبَسَه (2) ما كان على رأسه من الطاقية والعمامة، فيا حبّذا من نعمة خصّه الله تعالى بين الأخلاء والأصفياء، وأمدَّه بإمدادات حسده عليها أرباب الأحوال والاهتداء، وذلك سنة ست وتسعين لدى حضوره الحرمين الشريفين، والحجازين المكرمين.

وقد كان قبل ذلك تشرَّف بالحج والزيارة الشريفة سنة ثلاث وتسعين بعد الألف والمائتين، حين إقامته ببلدة بهوبال.

وفي هذه المرة اجتمع بسيِّد أرباب الكشف والشهود، وملاذ قاصدي أحاديث الرسول عليه السلام والوفود، إمام الرويّة والرواية، قطب الهداية

(1) انظر ترجمته في: "نزهة الخواطر"(8/ 79).

(2)

في الأصل: "لبسه" والصواب ما أثبتناه.

ص: 76

والدراية، مفخر المحدِّثين، وسند المفسِّرين، مَن انتهت إليه رئاسة الحديث بدار الهجرة، واشتهر فضله شرقًا وغربًا بين أرباب الكمال والمهرة، مولانا العارف باللهِ الشيخ عبد الغني (1) الحنفي المجددي النقشبندي الدهلوي ثم المدني المومَأ إليه سابقًا - قدَّس الله سرّه العزيز -، فمنحه حضرة الشيخ الإِجازة العامّة بجميع ما كانت تصح له روايته عن شيخيه المعروفين والإِمامين الهمامين، مولانا العارف بالله الشهير في الآفاق مولانا الشيخ محمد إسحاق العمري (2) الدهلوي ثم المكي- قدَّس الله سرّه العزيز-، ومولانا العارف بالله الشيخ محمد عابد الأنصاري (3) الحنفي السندي ثم المدني- قدَّس الله سرّه العزيز-، وأسانيدهما مشهورة.

ثم بعد رجوعه من هذه السفرة الأولى حداه القضاء والقدر لتكميل أهل "بهاول بور" وتربيتهم، فَأَدَّى هذه الخدمة الشريفة لدى بعض الخواص من سُكّانها، ثم ولي خدمة التدريس والإِفادة بمدرستها المشهورة لدى أرباب العلم والإِفاضة، فأقام هنالك اثنتي عشرة سنة يسقي ظِماءهم بفراته، ويداوي جرحاهم بمرهم وعظه وشفاء كلماته، فدرَّس هنالك وصنَّف، وقلوبًا أحياها، وآذانًا (4) شنف، فضرب الناس بعطن، وانقطع عنهم الظمأ وحرارة الفتن.

ثم ولي بعد إقامته برهة بـ "بريلي" تدريس أعالي الفنون وكتب الحديث بالمدرسة العالية الديوبندية المشهورة في القديم والحديث، فلم يزل ينوّر قلوب الطالبين بشموس علومه ومعارفه، ويحيي أرواح عفاة الفنون بمعجزات البيان ومعالمه، إلى أن حان أن ينتبه طالع "مظاهر العلوم"، ومنذ مدّة كان غاربًا في النوم والغفلة، فاستولت عليها حوادث الدهر،

(1) انظر ترجمته في: "مقدمة أوجز المسالك"(1/ 144).

(2)

انظر: المصدر السابق (1/ 31).

(3)

انظر ترجمته في: "اليانع الجني"(ص 99)، و"البدر الطالع"(2/ 227).

(4)

في الأصل: "أحزانًا" والصواب ما أثبتناه.

ص: 77

فلم تبق له إلَّا اسمه ورسمه، فسعى أركانها إلى حضرة القطب الكَنكوهي المومأ إليه - قُدِّس سرّه العزيز- طالبين أمره الشريف بقَبول صدارة التدريس بها فلبّاه، ورقاها إلى أوج الكمالات فكلّ مسابق أعياه، وذلك في سنة أربع عشرة بعد الثلاثمائة والألف من الهجرة، فاقتصرت عليه الكتب العالية من الحديث والتفسير والفقه والأصول وغيرها، فدرسها بغاية الإِتقان والتحرير، حتى أنْ ضرب الناس بأكباد إبلهم إلى فنائه ورحابه، وصار المشرق والمغرب يلفظ أفلاذ أكباده إلى أعتابه وجنابه، فنقح المسائل ورتب ونشر الأحاديث في الآفاق وألَّف، وفتح آذانًا صمًّا، وأحيا قلوبًا غلفًا.

وحيث إنَّ "سنن أبي داود" كان مِن أُمَّهات الأحاديث وأصولها، وجامعًا للمعتبر من الروايات وفروعها، كافيًا لمن أراد التبصُّر في السنن النبوية، معتمدًا لمن قصد الاجتهاد في المعارف الدِّينية، وتوجَّه إليه الأئمّة الحاذقون بالشروح والحواشي، وخدموه بإزالة غموضاته وكشف الغواشي، فمنهم مَن توجَّه إلى فقه الأحاديث والمتون، ومنهم مَن قَصَد الأسانيد والاستيعاب لكلّ ما يجب من العلوم والفنون، فمن مطول ومختصر، ومن مطنب ومقتصر.

ولما رأى حضرة الأستاذ - مدَّ الله ظلّه العالي- أنَّ هذه الشروح والحواشي قد لعبت بها بنات الأفلاك وحوادث الدهر، ولم يبق لها في صفحات الوجود إلَّا أساميها الموجبة للحسرات والويلات لأبناء العصر، قصد أن يشرحها شرحًا وجيزًا يحلّ مشكلاته، ويفصل معضلاته، ولا يترك شيئًا من عُجَره وبُجَره، ولا يبقي مستورًا من خبايا كنوزه وبدره.

ولكن عاقته عوائق الدهر عن الإِسعاف، وصادمته صوارف الزمان بكل جور واعتساف، فلم يزل يقاومها بكلّ همّة واستقلال، ويصرف لمعارضتها ثواقب العزم بغاية القوَّة والكمال، إلى أن أيَّدته النفحات القدسية والألطاف العلويّة، فشرع في المأمول، واجتهد في المسؤول،

ص: 78

وكان قد سوّد مضامينها في السنين السالفة، وزَين صفحات الأوراق بجواهر ألفاظها اللامعة، بيد أنه لم يكن يتفرَّغ للتكميل بهجوم مشاغل التدريس والتعليم، وكثرة أفكار تتعلَّق بترتيب المدرسة والتنظيم.

فلما رجع حضرته من الحجّة السادسة سنة ألف وثلاثمائة وأربعين فرّغ نفسه للتأليف، وتوجَّه بشراشره للترشيق والتصنيف، وشَمَّر نفسه عن ساق الجد في التسويد والترتيب، مُعْرِضًا عن الإِطناب المُمِلّ والإِيجاز الغريب، فجاء بحمد الله عز وجل ما يروق به عيون الأرواح، وتنجلي به الغموم والهموم، وتطمئن الخواطر بالسكون وغاية الارتياح.

وقد حصل الفراغ من تسويد الجزء الأوَّل سنة أربعين بعد الألف والثلاثمائة، ومن الثاني منه سنة اثنتين وأربعين بعد الألف والثلاثمائة، ثم شرع في الجزء الثالث منه، وعلى الله الإِيفاء بالمقاصد والتكميل، ومن فضله ومنه يُرجى لجزاء الحسن والثواب الجزيل.

وللمؤلِّف- دام مجده وعُلاه- تصانيف عديدة في مهمّات المسائل وفروعها، وتآليف جميلة في إحقاق العقائد الحقّة وتوطينها، وله ملكة في فنون الجدل والمناظرة، وإقامة البراهين والحجج الباهرة، فإنه داهية كبرى على الشيعة الشنيعة الفاجرة، وطامة عظمى على المبتدعة الضالّة العاجزة.

فمنها: "المهنّد على المفنّد"، ذكر فيها معتقداته ومعتقدات مشايخه الكرام أتباع الأسلاف العظام، وأهل السُّنَّة الفخام، ردًّا على ما افترى عليهم الخبثاء اللئام، بما تقشعِرّ منه الجلود، وتفتّت عنه العظام.

ومنها: "تنشيط الآذان"، ذكر فيها ما أخطأ فيه بعض مَن ادَّعى العلم، وانتحله أنَّ محلّ الأذان خارج المسجد يوم الجمعة لدى الخطبة.

ومنها: "مطرقة الكرامة على مرآة الإِمامة"، كتاب بسيط في ردّ الروافض، ذكر فيه أصولهم القبيحة، ومعتقداتهم الشنيعة، وأتى على

ص: 79

خزعبلاتهم وترّهاتهم فأوهاها، وأرسل الصواعق على حججهم، فدكَّ جبالهم الشامخة وسوّاها، طبع منه الجزء الأول فقط، ثم عزَّ وجوده ولم يطبع بعد.

ومنها: "هدايات الرشيد"، كتاب بسيط جدًّا في ردّ الروافض، وإظهار أصولهم الفاسدة، وعقائدهم الباطلة، وتوهين قواهم، وإخفاض علاهم، عدم النظير في بابه، كامل التقريب في حججه وأبوابه، قَلَّتْ نسخه الآن، فتاه المشتاقون، واشتدّت حاجته الحين، فأصرّ المفتاقون، وعلى الله التيسير، وهو الميسِّر لكلّ عسير.

ومنها: "إتمام النعم على تبويب الحكم"، كتاب جليل في تهذيب الأخلاق والتصوُّف، كتبه حضرة الشيخ - مدَّ الله ظلّه العالي - بأمر قطب العالم مولانا العارف بالله المهاجر المكي- قدَّس الله سرّه العزيز - مترجمًا للجواهر المنظمة من حِكَم ابن عطاء الله السكندري رحمه الله بطريق يسهل على الطالبين الاغتراف من بحاره، وعلى السالكين الاستضاءة من أنواره.

وله - دام مجده - مؤلَّفات أُخَر شهيرة طبع منها البعض، ولم يطبع البعض.

ولم يزل حضرته- دام مجده- مجدًا في نشر العلوم، وإحياء الدِّين، وتقويم ما تَعَوَّجَ من أمور الإِسلام والمسلمين، علَمًا مضيئًا للطلبة والسالكين، ناصحًا مخلصًا للأُمّة المحمَّديّة أجمعين، إمامًا للهداة والعالمين، خادمًا للعالم الإِنساني والمهتدين، عاضًّا بالنواجذ على سنن سيِّد المرسلين، عليه أفضل صلوات المصلِّين، وأكرم تسليمات المسلِّمين، متَّبعًا لما كان عليه الأسلاف الكرام، مجتنبًا عن جميع ما اخترعته اللئام، مفنيًا أوقاته في إرضاء المفضل المنعام، وعبادات زاكية حين تثقل المضاجع بالنيام، ورياضات شاقّة على النفس والشّيطان، واحتسابات تزيل الغفلة

ص: 80

وتوقظ الوسنان، ومراقبات تديم الشهود والإِحسان، وأذكار تنوِّر الجسد والجنان، وتسليك لعفاة الطريقة، وإرشاد لظمأى خمور العشق والحقيقة، ولمثله ما قيل:

يبيت مشمرًا سهرالليالي

وصام نهاره لله خيفه

وصان لسانه عن كل إفك

وما زالت جوارحه عفيفه

يَعِفُّ عن المحارم والملاهي

ومرضاةُ الإِله له وظيفه

وقد أخذ عنه العلوم الظاهرة، وروى عنه الأحاديث الظَاهرة أئمّةٌ ذوو رواية وروية، وطلبة أصحاب درايات دُرِّيَّة، لا يحيى عددهم إلا الله العظيم، ولا يحيط بمراكزهم إلَّا الخالق العلم، لم تزل أنهار فيوضه جارية بالمشرقَيْن، وشموس فضائله لامعة على رؤوس أهل المغربين.

وتاب على يده الشريفة خلق كثيرون، فاستضاء بأنواره الباطنة منهم الصالحون، إلى أن استوى منهم جماعات على عروش التسليك والتلقين، فامتاز بينهم بالخرقة والخلافة إمامًا قائدًا لأهل السكينة واليقين.

منهم: حضرة الشيخ الأجلّ والفاضل الأبجل، مَن أَحيى بطبيعته الوقادة العلوم والسنن، ونوَّر بفطانته الثقابة النفوس والزمن مولانا محمد يحيى الكاندهلوي - قدَّس الله سرّه العزيز-.

ومنهم: التقيّ الصالح والورع البارع، مولانا عبد الله الكَنكَوهي - المرحوم (1) -.

ومنهم: الأديب البارع والزكيّ الفارع صاحب التصانيف العالية والتآليف الزاكية مولانا الحاج عاشق إلهي الميرتهي- دام مجده -.

ومنهم: مولانا الحاج فخر الدِّين نزيل غازي آباد (2).

(1) انظر ترجمته في: "حياة خليل" للشيخ محمد الثاني (ص 586) بالأردية.

(2)

انظر ترجمته في: المصدر السابق (ص 596).

ص: 81

ومنهم: مولانا الحافظ الحاج محمد إلياس الكاندهلوي (1) نزيل نظام الدِّين، دهلي.

ومنهم: مولانا الحافظ فيض الحسن الكَنكَوهي (2) نزيل لكهنؤ.

ومنهم: الحاج محمد حسين الحبشي نزيل مكة المكرمة، في السلسلة النقشبنديّة خاصّة.

وليكن هذا آخر ما أردناه عن إفصاح ترجمة حضرة الشيخ- دام مجده - بغير إطناب ولا تطويل، فإنَّ إكمال ذكر ما منحه الله عز وجل لا يحويه إلا الطامور العريض الطويل، بلّغه الله تعالى على أقصى مراداته في الدارين، وأسبل علينا مِن بركاته وفيوضاته ما يسترنا عن فضائح الكونَين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسَلين، وآله وصحبه وأتباعهم إلى يوم الدّين، آمين.

كتبه

بعض المنتسبين إلى أعتاب حضرة الشيخ غفر الله له ولوالديه ومشايخه أجمعين

(1) انظر ترجمته في: المصدر السابق (ص 598) وكتاب: "الشيخ محمد إلياس وحركته الدِّينيَّة" للعلَّامة أبي الحسن الندوي.

(2)

انظر ترجمته في: المصدر السابق (ص 594).

ص: 82

أبو داود

الإِمام الحافظ الفقيه (202 - 275 هـ)

وكتابه "السنن"

بقلم:

أ. د/ تقي الدّين النّدْوي

ص: 83