الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(56) بابٌ: فِى الاِسْتِنْثَارِ
.
140 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِى أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لْيَنْثُرْ» (1). [خ 162، م 237، ن 86، حم 2/ 242]
141 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ:
===
(56)
(بَابٌ: في الاسْتِنْثَارِ)(2)
140 -
(حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك) بن أنس، (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان، (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز، (عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء (3) ثم لينثر).
141 -
(حدثنا إبراهيم بن موسى قال: حدثنا وكيع) بن الجراح (قال:
= بغرفة ثلاثًا واستنشق ثلاثًا، وتأبى عنه رواية الدارقطني بهذا السند: فمضمض ثلاثًا واستنشق ثلاثًا يأخذ لكل ماء جديدًا. وأصرح منه ما في "آثار السنن"(1/ 31) من فعل علي وعثمان وغيرهم. (ش).
(1)
وفي نسخة: "لينتثر".
(2)
قيل: بوجوبه، والنثرة طرف الأنف، فالاستنثار إخراج ما في النثرة أو تحريكها "ابن رسلان". (ش).
(3)
قال ابن رسلان: أكثر روايات البخاري بإسقاط لفظ "ماء"، واختلف رواة "الموطأ" وهو ثابث عند مسلم. ثم ذكر اختلاف الرواة في قوله:"لينثر" بالبسط، ثم قال: والحديث وما بمعناه من الأوامر دليل لمن قال بوجوبه كأحمد وإسحاق وأبي ثور، واستدل الجمهور على أن الأمر للندب بما حسنه الترمذي:"توضأ كما أمرك الله"، وليس فيه ذكرهما. انتهى. قلت: وكذا ليس فيه ذكر النية والتسمية أيضًا. (ش).
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنْ قَارِظٍ،
===
حدثنا ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب، واسمه هشام القرشي العامري، أبو الحارث المدني، ثقة، فقيه، قال أحمد بن سعيد بن أبي مريم عن ابن معين: ابن أبي ذئب ثقة، وكل من روى عنه ابن أبي ذئب ثقة، إلَّا أبا جابر البياضي، وكل من روى عنه مالك ثقة، إلَّا عبد الكريم أبا أمية، وقال يعقوب بن شيبة: ابن أبي ذئب ثقة، صدوق، غير أن روايته عن الزهري خاصة تكلم فيها بعضهم بالاضطراب، وقال النسائي: ثقة، وقال الواقدي: كان من أورع الناس وأفضلهم وكانوا يرمونه بالقدر، وما كان قدريًّا، لقد كان يتقي قولهم ويعيبه، ولكنه كان رجلًا كريمًا يجلس إليه كل واحد.
وقال الخليلي: ثقة، أثنى عليه مالك، فقيه من أئمة أهل المدينة، حديثه مخرج في "الصحيح"، إذا روى عن الثقات، فشيوخه شيوخ مالك، لكنه قد يروي عن الضعفاء، وقد بين ابن أخي الزهري كيفية أخذ ابن أبي ذئب عن عمه، قال. إنه سأل عن شيء فأجابه فرد عليه، فتقاولا فحلف الزهري أن لا يحدثه، ثم ندم ابن أبي ذئب، فسأل الزهري أن يكتب له أحاديث من حديثه فكتب له، قال ابن سعد: قال محمد بن عمر: كان ابن أبي ذئب يفتي بالمدينة وكان عالمًا، ثقة، فقيهًا، ورعًا، عابدًا، فاضلًا، وكان يرمى بالقدر، وقال ابن حبان في "الثقات": كان من فقهاء أهل المدينة وعبادهم، وكان من أقْوَل أهل زمانه للحق، وكان مع هذا يرى القدر، وكان مالك يهجره من أجله، مات سنة 158 هـ.
(عن قارظ)(1) بن شيبة بن قارظ الليثي المدني، حليف بني زهرة، قال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن سعد: يكنى أبا سلمة، قيل: مات سنة 130 هـ.
(1) بالقاف والظاء المعجمة "ابن رسلان". (ش).
عَنْ أَبِى غَطَفَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَنْثِرُوا مَرَّتَيْنِ بَالِغَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» . [جه 408، حم 1/ 228، ك 1/ 148]
142 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ فِى آخَرِينَ قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ،
===
(عن أبي غطفان)(1) بن طريف، ويقال: ابن مالك المري بالراء، المدني، قيل: اسمه سعد، قال النسائي في "الكنى": أبو غطفان ثقة، وقال الدوري عن ابن معين: أبو غطفان ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وكان قد لزم عثمان وكتب له وكتب أيضًا لمروان، وقال الدوري عن أبي بكر بن داود: أبو غطفان مجهول.
(عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثًا)(2)، أي نظفوا الأنف (3) بإخراج الماء عنها بعد الإدخال مرتين أو ثلاثًا بالمبالغة، وقوله:"أو ثلاثًا"، إما للتنويع (4) فيكون من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو شك من الراوي فيكون من قول بعض الرواة.
142 -
(حدثنا قتيبة بن سعيد) وهو داخل (في آخرين) من الشيوخ الذين حدثونا بهذا الحديث (قالوا) أي قتيبة والشيوخ الذين حدثونا كل واحد منهم: (حدثنا يحيى بن سليم) القرشي الطائفي، يقال أبو محمد، ويقال أبو زكريا الخزاز. قال ابن سعد: طائفي، سكن مكة، وقال البخاري عن أحمد بن محمد بن القاسم: مكي، كان يختلف إلى الطائف، فنسب إليه، قال الدوري عن ابن معين: ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة، كثير
(1) كان له دار بالمدينة عند دار عمر بن عبد العزيز. "ابن رسلان". (ش).
(2)
قيل: لم يقيد الثلاث بالمبالغة لأن الثالث قام مقام المبالغة. كذا في "الغاية". (ش).
(3)
كذا في الأصل والظاهر "الأنوف".
(4)
وفي "الدرجات"(ص 27): شك، أو للتقسيم أي ثلاثًا مطلقات، أو للتخيير. قال النووي: والآخر هو الظاهر، انتهى. (ش).
عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ
===
الحديث، وقال العجلي: ثقة، وقال أبو حاتم: شيخ صالح محله الصدق، ولم يكن بالحافظ، يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال النسائي: ليس به بأس، وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمر، وقال الدولابي: ليس بالقوي، وقال النسائي في "الكنى": ليس بالقوي، وقال العقيلي: قال أحمد بن حنبل: أتيته فكتبت عنه شيئًا، فرأيته يخلط في الأحاديث فتركته، وفيه شيء، وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالحافظ عندهم، وقال الدارقطني: سيئ الحفظ، مات سنة 193 هـ أو بعدها.
(عن إسماعيل بن كثير) الحجازي، أبو هاشم المكي، قال أحمد والنسائي: ثقة، وقال ابن سعد: ثقة، كثير الحديث، وقال يعقوب بن شيبة، ويعقوب بن سفيان، والعجلي: مكي ثقة، وصحح حديثه في الوضوء ابن خزيمة وابن الجارود والترمذي وابن حبان والحاكم وغيرهم.
(عن عاصم بن لقيط بن صبرة) بفتح المهملة وكسر الموحدة، العقيلي، حجازي، قال البخاري: هو ابن أبي رزين العقيلي، وقيل هو غيره، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، له عندهم حديث (1) واحد في المبالغة في الاستنشاق وغير ذلك.
(عن أبيه لقيط بن صبرة)، هو لقيط بفتح لام وكسر قاف وطاء مهملة، ابن صبرة بن عامر بن صبرة بن عبد الله بن المنتفق بن عامر بن عقيل، أبو رزين العقيلي، وقيل: هو لقيط بن عامر بن صبرة، قال ابن عبد البر: وقد قيل: إن لقيط بن عامر غير لقيط بن صبرة، وليس بشيء، وقال
(1) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"، والباقون سوى مسلم، فالترمذي في الصيام، وابن ماجه في الطهارة، والنسائي فيه وفي الوليمة. كذا قال "ابن رسلان". (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
عبد الغني بن سعيد: أبو رزين العقيلي هو لقيط بن عامر بن المنتفق، وهو لقيط بن صبرة، وقيل: إنه غيره، وليس بصحيح، وقد جعلهما ابن معين واحدًا، وقال: ما يعرف لقيط غير أبي رزين، وكذا حكى الأثرم عن أحمد بن حنبل وإليه نحا البخاري، وتبعه ابن حبان وابن السكن، وأما علي بن المديني وخليفة بن خياط وابن أبي خيثمة وابن سعد ومسلم والترمذي وابن قانع والبغوي وجماعة فجعلوهما اثنين، هذا خلاصة ما في "تهذيب التهذيب"(1).
وقال الحافظ في "الإصابة"(2): والراجح في نظري أنهما اثنان، لأن لقيط بن عامر معروف بكنيته، ولقيط بن صبرة لم يذكر كنيته إلَّا ما شذ به ابن شاهين فقال: أبو رزين العقيلي أيضًا، والرواة عن أبي رزين جماعة، ولقيط بن صبرة لا يعرف له راو إلَّا ابنه، وإنما قوي كونهما واحدًا عند من جزم به، لأنه وقع في صفة كل واحد منهما أنه وافد بني المنتفق، وليس بواضح إلى آخر ما قال.
قلت: صنيع الإِمام أحمد في "مسنده" يدل دلالة واضحة على أنهما اثنان عنده، فإنه أفرد عنوان حديث أبي رزين العقيلي لقيط بن عامر بن المنتفق - رضي الله تعالى عنه - وذكر تحت ذلك العنوان أحاديث متعددة مختلفة، ثم أفرد عنوان حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه ولم يذكر تحته إلَّا حديث الوضوء مختصرًا ومطوَّلًا، ولم يروه عنه إلَّا ابنه عاصم، وعنه إسماعيل بن كثير، ولم يذكر فيمن روى عن أبي رزين لقيط بن عامر العقيلي، عاصمًا، ولا حديث الوضوء، فهذا يدل على أنهما عند الإِمام غير متحدين، فما حكى الأثرم عن الإِمام لا نعرف له وجهًا.
(1)(8/ 456).
(2)
(6/ 8).
قَالَ: كُنْتُ وَافِدَ (1) بَنِى الْمُنْتَفِقِ - أَوْ: فِى وَفْدِ بَنِى الْمُنْتَفِقِ - إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ نُصَادِفْهُ فِى مَنْزِلِهِ، وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ فَأَمَرَتْ
===
(قال: كنت وافد بني المنتفق (2) أو في وقد بني المنتفق إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم)، الوفد: قوم يجتمعون ويَرِدُون البلاد، الواحد: وافد (3)،
والذين يقصدون الأمراء بالزيارة والاسترفاد والانتجاع، وهم الوفد والوفود، فأما الوفد فاسم للجمع وقيل جمع، وأما الوفود فجمع وافد، قال الجوهري: وقد فلان على الأمير، ولفظ "أو" في قوله:"أو في وفد بني المنتفق"، للشك، والأول يدل على انفراده أو على كونه زعيم الوفد، وفيه دليل على أنه لا تجب الهجرة على كل من أسلم، لأن بني المنتفق وغيرهم لم يهاجروا بل أرسلوا وفودهم، وهو كذلك إذا كان في موضع يقدر على إظهار الدين فيه. "مجمع"(4).
(قال: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نصادفه)، أي: لم نجده، يقال: صادفت فلانًا، أي لاقيته ووجدته (في منزله، وصادفنا عائشة أم المؤمنين) - رضي الله تعالى عنها - (قال: فأمرت)(5) عائشة رضي الله عنها
(1) وفي نسخة: "وفد".
(2)
بضم الميم وسكون النون وفتح المثناة الفوقية وكسر القاف بعدها فاء. "ابن رسلان". (ش).
[كذا في الأصل، وهو تحريف، والصواب: وكسر فاء وبعدها قاف. انظر: "المغني" (ص 241)].
(3)
كركب وراكب، كذا في "ابن رسلان". (ش).
(4)
"مجمع بحار الأنوار"(5/ 86).
(5)
فيه أن الضيف إذا قدم ولم يجد صاحب المنزل، فيستحب للزوجة ومن يقوم مقامها ممن يتولى أمر المنزل أن يهيئ له طعامًا. "ابن رسلان". (ش).
لَنَا بِخَزِيرَةٍ فَصُنِعَتْ لَنَا. قَالَ: وَأُتِينَا بِقِنَاعٍ، وَلَمْ يَقُلْ قُتَيْبَةُ: الْقِنَاعَ. وَالْقِنَاعُ: الطَّبَقُ فِيهِ تَمْرٌ. ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَصَبْتُمْ شَيْئًا أَوْ أُمِرَ لَكُمْ بِشَىْءٍ؟ »
===
(لنا بخزيرة)(1) هو لحم يؤخذ فيقطع صغارًا في القِدر، ثم يطبخ بالماء الكثير والملح، فإذا نضج ذُرَّ عليه الدقيق فعُصد به، ثم أدم بأي إدام شيء، ولا تكون الخزيرة إلَّا وفيها لحم، فإذا لم يكن فيها لحم فهي عصيدة، وقيل إذا كان من دقيق فهو حريرة، وإذا كان من نخالة فهي خزيرة، ولعلها أمرت جاريتها بطبخها وصنعها.
(فصنعت) بصيغة المجهول أي الخزيرة (لنا قال: وأتينا) بصيغة المجهول أي قدم إلينا (بقناع) القناع: الطبق الذي يؤكل فيه الطعام ويجعل فيه الفاكهة (ولم يقل) وفي نسخة: "لم يفهم"، وفي نسخة:"لم يقم"(2)(قتيبة: القناع) فعلى النسخة الأولى معناها: لم يتلفظ قتيبة بلفظ القناع (3) بل قال: وأتينا بتمر أو أطعمتنا تمرًا، وأما الآخرون فقالوا: أُتينا بقناع فيه تمر، وأما على النسختين الأخريين فمعناه أن قتيبة لم يتلفظ بلفظ القناع تلفظًا واضحًا مفهمًا، بل تكلم به بحيث لم أفهمه جيدًا (4)(والقناع الطبق)(5) وهذا تفسير معترض من المصنف أو من بعض الرواة (فيه تمر) صفة لقناع، (ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أصبتم شيئًا أو أُمر لكم بشيء؟ )
(1) بفتح الخاء المعجمة وكسر الزاء وسكون المثناة تحت بعدها راء فتاء تأنيث. "ابن رسلان". (ش).
(2)
أي لم يتلفظ بتلفظ صحيح. "ابن رسلان". (ش).
(3)
وقيل: لم يقله معرفًا بل قاله منكرًا، ويقال: إنه لم يقله واضحًا كما تدل عليه النسختان الأخريان، كذا في "التقرير" مبسوطًا. (ش).
(4)
قاله النووي، كذا في "ابن رسلان". (ش).
(5)
سمي به لأن أطرافه قد أقنعت، أي عطفت إلى داخل. "ابن رسلان". (ش).
قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ فَبَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جُلُوسٌ إِذْ دَفَعَ (1) الرَّاعِى غَنَمَهُ إِلَى الْمُرَاحِ، وَمَعَهُ سَخْلَةٌ تَيْعَرُ، فَقَالَ: «مَا وَلَّدْتَ
===
وفي نسخة: "هل أصبتم شيئًا"، و"أو" ها هنا للشك من الراوي (قال: فقلنا: نعم يا رسول الله).
(قال: فبينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس) جمع جالس (إذ دفع) أي سَاقَ وَرَدَّ (الراعي غنمه إلى المُراح) بالضم، أي: مأواها، قال في "النهاية" (2): المراح بالضم (3): الموضع الذي تروح إليه الماشية أي تأوي إليه ليلاً، وأما بالفتح فهو الموضع الذي يروح إليه القوم، أو يروحون منه، كالمَغْدَى للموضع الذي يُغْدى منه.
(ومعه) أي الراعي (سخلة) يقال لولد الغنم ساعة تضعه أمه من الضأن والمعز جميعًا ذكرًا كان أو أنثى سخلة، ثم هي البهمة للذكر والأنثى، والجمع بهم (تيعر) أي تصوت وتصيح، يقال: يعرتِ العنزُ تيعر - بالكسر، وقيل: بالفتح- يعارًا بالضم: صاحت، واليعار صوت الغنم، وقيل: صوت المِعْزَى، وقيل: هو الشديد من أصوات النساء.
(فقال: ما ولَّدت) قال الخطابي (4): هو بتشديد لام وفتح تاء خطابًا للراعي، وأهل الحديث يخففون اللام ويسكنون التاء، والشاة فاعله
(1) وفي نسخة: "قلنا: نعم يا رسول الله، قال: فبينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلوس إذ رفع".
(2)
(ص 381).
(3)
قال ابن رسلان: والفتح غلط، لأنه اسم مكان، والمكان وغيره من الإفعال بضم الميم. (ش).
(4)
انظر: "معالم السنن"(1/ 83).
يَا فُلَانُ؟ قَالَ: بَهْمَةً، قَالَ: فَاذْبَحْ (1) لَنَا مَكَانَهَا شَاةً، ثُمَّ قَالَ:"لَا تَحْسِبَنَّ" - وَلَمْ يَقُلْ: لَا تَحْسَبَنَّ - "أَنَّا مِنْ أَجْلِكَ ذَبَحْنَاهَا،
===
وهو غلط، من ولدت الشاة توليدًا إذا حضرت ولادتها فعالجتها حين تبين الولد منها، والمولدة القابلة، والمحدثون يقولون: ما ولدت يعنون الشاة، والمحفوظ التشديد بخطاب الراعي (يا فلان؟ ) كناية عن اسم الراعي ولم يعرف اسمه.
(قال: بهمة) بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء، أي قال الراعي: الذي ولّدت بهمة، فيكون مرفوعًا، أو تقديره ولدت بهمة، فعلى هذا يكون منصوبًا، وهو المحفوظ رواية كما صرح به الشارح، والبهمة: ولد الضأن والمعز الذكر والأنثى، ولكن هذا الحديث يدل على أن البهمة (2) ها هنا اسم للأنثى، لأنه إنما سأله (3) ليعلم أذكر ولد أو أنثى؟ وإلَّا فتولد أحدهما كان معلومًا (4).
(قال: فاذبح لنا مكانها شاة، ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَحْسِبَنَ، ولم يقل: لا تَحْسَبَنَّ) وهذا من كلام لقيط بن صبرة أو من بعض الرواة، والغرض منه إظهار كمال حفظه ببيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق بهذا اللفظ بكسر السين، ولم ينطق بفتحه، وأنه على يقين من ذلك (أنَّا من أجلك ذبحناها) يعني: لا تظن أنت أن الشاة التي ذبحناها من أجلك ذبحناها،
(1) وفي نسخة: "اذبح".
(2)
وفي "التقرير": أن الأصل فيه الأنثى، ثم أطلق على الذكر أيضًا. (ش).
(3)
قال السيوطي: ويحتمل أنه سأل ليعلم هل المولود واحد أو أكثر ليذبح بقدره من الشياه؟ كذا في "الغاية"، ويحتمل أنه لمجرد تقرير لا لسؤال، وكذا في "التقرير". (ش).
(4)
وكذا قال ابن رسلان، والأوجه عندي ما قاله السيوطي. (ش).
لَنَا غَنَمٌ مِائَةٌ لَا نُرِيدُ أَنْ تَزِيدَ، فَإِذَا وَلَّدَ الرَّاعِى بَهْمَةً ذَبَحْنَا مَكَانَهَا شَاةً.
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِى امْرَأَةً وَإِنَّ فِى لِسَانِهَا شَيْئًا - يَعْنِى الْبَذَاءَ - قَالَ: «فَطَلِّقْهَا إِذًا» ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لَهَا صُحْبَةً وَلِى مِنْهَا وَلَدٌ، قَالَ:"فَمُرْهَا" - يَقُولُ: عِظْهَا - "فَإِنْ يَكُ فِيهَا خَيْرٌ فَسَتَفْعَلُ
===
وهذا من مكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم، ولعل الغرض من هذا النفي دفع الخجل الذي يحصل له من أن يظن أن الذبح كان لأجله، بل وجه الذبح أن (لنا غنم مائة لا نريد أن تزيد) أي على المائة، وهذا من باب الاكتفاء على ما يحتاج إليه، والإجمال في طلب الدنيا (فإذا وَلَّد الراعي بهمة ذبحنا مكانها شاة) لئلا تزيد على العدد المائة الذي نريد.
(قال: قلت: يا رسول الله، إن لي امرأة وإن في لسانها شيئًا - يعني: البذاء -) وهذا تفسير للفظ الشيء، والبذاء الفحش في القول (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فطلقها إذًا) أي إذا كان (1) في لسانها بذاء فطلقها.
(قال: قلت: يا رسول الله) صلى الله عليه وسلم (إن لها صحبة) أي قديمة، وحق الصحبة يأبى عن مفارقتها (ولي منها ولد) أي والمانع الثاني من الطلاق أن لي منها ولدًا، فإذا طلقتها يضيع الولد ولا يبقى من يكفله.
(قال: فمُرها، يقول: عظها)(2) وهذا تفسير من بعض الرواة، معناه: مرها بكف لسانها وعظها أن لا تبذو (فإن يك فيها خير فستفعل) هكذا في "مسند الإِمام"، وقال الشارح: في رواية الشافعي وابن حبان في "صحيحه": "فستقبل".
(1) وفي "التقرير": أمر به لما رأى في الصحبة من المضرة الدينية، ثم لما علم في المفارقة أشد المضرة كما بسطه في "التقرير" أمره أن يعظها. (ش).
(2)
قال ابن رسلان: يعني عظها بكتاب الله ورسوله من حسن الصحبة وحسن المعاشرة. (ش).
وَلَا تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ كَضَرْبِكَ أُمَيَّتَكَ».
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِى عَنِ الْوُضُوءِ، قَالَ:«أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِى الاِسْتِنْشَاقِ إِلَاّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» . [ت 788، ن 87 - 114، جه 407، حم 4/ 33]
===
(ولا تضرب ظعينتك) والظعينة المرأة السايرة في الهودج، والمراد ها هنا الزوجة، أي لا تضرب امرأتك (كضربك (1) أُمَيَّتك) تصغير الأمَة، وفي رواية "المسند": أمتك.
(فقلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء) أي الوضوء (2) الكامل (قال: أسبغ الوضوء) بإيصال الماء إلى أعضاء الوضوء مستوعبًا ثلاثًا، والمسح بجميع الرأس والأذنين وإزالة الأوساخ، (وخلل بين الأصابع)(3) أي بين أصابع اليدين والرجلين (4)(وبالغ في الاستنشاق إلَّا أن تكون صائماً)(5) لأنه مظنة إفساد الصوم.
(1) أي: مثلها، وإلا فاصل الضرب مأذون، قال تعالى:{وَاضْرِبُوهُنَّ} . "ابن رسلان". وقيل: منع مطلقًا، والتشبيه للتقبيح. "ابن رسلان". (ش).
(2)
ويظهر من الجواب أن مقصود السؤال لم يكن استيعاب كيفية الوضوء، بل كان السؤال عن معظمه أو ما خفي منه. "الغاية". (ش).
(3)
ظاهره أن يُشَبِّكَ بينها ، لكن ورد المنع عن التشبيك في الوضوء، بسطه ابن رسلان، وتحريك الخاتم الضيق مستحب. (ش).
(4)
استدل صاحب "الغاية" بالأمر على الوجوب، وبسط الروايات في التخليل، وقال في "المغني" (1/ 152): هو سُنَةٌ لهذه الروايات، وكذا قال ابن رسلان، ونقل الاختلاف فيه صاحب "العارضة"(1/ 56) كما سيأتي. (ش).
(5)
ويأتي الكلام على هذه الكلمة في الصوم، فإن المصنف أعاده هناك مختصرًا، وسيأتي أيضًا أن المنع للصائم يختص بالاستنشاق أو يعم المضمضة أيضًا، انتهى. (ش).
143 -
حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قال: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قال: حَدَّثَنِى إِسْمَاعِيلُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ وَافِدِ بَنِى الْمُنْتَفِقِ أَنَّهُ أَتَى عَائِشَةَ، فَذَكَرَ مَعْنَاهُ. قَالَ: فَلَمْ نَنْشَبْ أَنْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (1) يَتَقَلَّعُ: يَتَكَفَّأُ،
===
143 -
(حدثنا عقبة بن مكرم) بضم الميم وإسكان الكاف وفتح الراء (2) ابن أفلح العمي، والعم بطن من تميم، أبو عبد الملك الحافظ البصري، قال أبو داود: عقبة بن مكرم ثقة، ثقة من ثقات [الناس]، فوق بندار في الثقة عندي، وقال النسائي: ثقة، قال ابن قانع: مات بالبصرة سنة 243 هـ.
(قال: ثنا يحيى بن سعيد) القطان (قال: حدثنا ابن جريج) عبد الملك (قال: حدثني إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه) هو لقيط بن صبرة (وافد بني المنتفق) من غير شك (أنه أتى عائشة) -رضي الله تعالى عنها - (فذكر معناه) يعني ذكر ابن جريج معنى حديث يحيى بن سليم، فهما متحدان معنى لا لفظًا.
(قال) أي قال ابن جريج: قال إسماعيل: (فلم ننشب) أي لم نلبث، وفي نسخة بالياء التحتانية، قال الشيخ ولي الدين: المحفوظ بالنون (أن جاء النبي صلى الله عليه وسلم يتقلع: يتكفأ) حالان من النبي صلى الله عليه وسلم أراد قوة مشيه كأنه يرفع رجليه من الأرض رفعًا قويًا، لا كمن يمشي اختيالًا، ويقارب خطاه تنعمًا، فإنه من مشي النساء "مجمع"، أو يميل يمينًا وشمالًا كالسفينة، وخُطِّئَ بأنه صفة المختال، بل معناه أنه يميل إلى سَنَنِه وقصد مشيه، قال القاضي: هذا لا يقتضيه اللفظ، وإنما يكون
(1) في نسخة: "رسول الله".
(2)
وقال ابن رسلان: بكسر الراء. (ش).
وَقَالَ "عَصِيدَة" مَكَانَ "خَزِيرَة". [انظر الحديث السابق]
144 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قال: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ فِيهِ:«إِذَا تَوَضَّأْتَ فَمَضْمِضْ» . [انظر تخريج الحديث السابق]
===
مذمومًا إذا قصده لا ما كان خلقة، وظهر منه أن يتكفأ ليس تفسيرًا ليتقلع، بل جملتان حاليتان ولم يعطف لعدم التناسب.
وروي عن بعض المحدثين أنه ينبغي لطالب الحديث أن يكون سريع
المشي والقراءة والكتابة، وورد في الحديث:"كان إذا مشى تكفأ تكفيًا"، وأيضًا ورد:"كأنما ينحط من صبب"، أي في صبب، معناه أنه صلى الله عليه وسلم يتمايل في المشي إلى قدام، والأولى ها هنا أن يكون معنى قوله:"يتكفأ" أي يميل إلى قدام، وهذا اللفظ لم يكن في رواية يحيى بن سليم.
(وقال) أي ابن جريج: (عصيدة مكان خزيرة) والعصيدة دقيق يُلَتّ بالسمن ويطبخ.
144 -
(حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال: حدثنا أبو عاصم) النبيل ضحاك بن مخلد (قال: حدثنا ابن جريج بهذا الحديث، قال فيه) أي قال ابن جريج في هذا الحديث الذي روى عنه أبو عاصم: (إذا توضأت فمضمض) فزاد أبو عاصم عن ابن جريج في هذا الحديث ذكر المضمضة، ولم يذكر يحيى القطان عن ابن جريج المضمضة، وأحاديث الباب تدل على أن الاستنثار واجب، وكذا المضمضة.
قال الشوكاني في "النيل"(1): واختلف في وجوبهما وعدمه، فذهب أحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر إلى وجوب المضمضة
(1)(1/ 184).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
والاستنشاق والاستنثار، وبه قال ابن أبي ليلى، وحماد بن سليمان، وقال النووي في "شرح مسلم" (1): إن مذهب (2) أبي ثور وأبي عبيد، وداود الظاهري وأبي بكر بن المنذر، ورواية عن أحمد: أن الاستنشاق واجب في الغسل والوضوء والمضمضة سنَّة فيهما، واستدلوا على الوجوب بأدلة.
منها أنه من تمام غسل الوجه فالأمر بغسله أمر بها، وبحديث أبي هريرة المتفق عليه:"إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر"، وبحديث سلمة بن قيس عند الترمذي، والنسائي بلفظ:"إذا توضأت فانتثر"، وبحديث لقيط بن صبرة المذكور فيه:"وبالغ في الاستنشاق إلَّا أن تكون صائمًا"، وفي رواية عنه:"إذا توضأت فمضمض"، وبحديث أبي هريرة عند الدارقطني ولفظه:"أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمضمضة والاستنشاق"، وذهب مالك والشافعي والأوزاعي والليث والحسن البصري والزهري وربيعة ويحيى بن سعيد وقتادة والحكم بن عتيبة ومحمد بن جرير الطبري إلى عدم الوجوب، وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري إلى أنهما فرض في الجنابة وسنَّة في الوضوء، انتهى مختصرًا.
واستدل الشافعية بأن الأمر بالغسل عن الجنابة يتعلق بالظاهر دون الباطن، وداخل الأنف والفم من البواطن فلا يجب غسله، واستدل الحنفية بأن الواجب في باب الوضوء غسل الأعضاء الثلاثة
(1)(2/ 109).
(2)
قال ابن رسلان: ذهب أحمد وأبو ثور إلى أن الاستنثار واجب دون المضمضة لورود الأمر فيه دون ذلك. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ومسح الرأس، وداخل الأنف والفم ليس من جملتها، أما ما سوى الوجه فظاهر، وكذا الوجه لأنه اسم لما يواجه إليه عادة، وداخل الأنف والفم لا يواجه إليه بكل حال، فلا يجب غسله بخلاف باب الجنابة؛ لأن الواجب هناك تطهير البدن بقوله تعالى:({وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (1)، أي: طهروا أبدانكم، فيجب غسل ما يمكن غسله من غير حرج ظاهرًا كان أو باطنًا، ومواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما في الوضوء دليل السنية دون الفرضية، فإنه كان يواظب على سنن العبادات.
وأما الأحاديث التي استدل بها القائلون بالوجوب فأجاب الجمهور عنه أن الأمر للندب بدليل ما رواه الترمذي محسنًا، والحاكم مصححًا من قوله صلى الله عليه وسلم:"توضأ كما أمرك الله، فاغسل وجهك ويديك، وامسح رأسك، واغسل رجليك"، ولم يذكر فيه المضمضة والاستنشاق، فهو نص على أن المراد كما أمرك الله في خصوص آية الوضوء لا ما هو أعم من آية الوضوء، فهو دليل صريح على أن المضمضة والاستنشاق ليستا بواجبتين، وأن صيغة الأمر التي وردت فيها هي للندب، وأيضًا يمكن الاستدلال على عدم الوجوب في الوضوء بحديث:"عشر من سنن المرسلين" وذكر فيه المضمضة، وأيضًا بحديث ابن عباس مرفوعًا بلفظ:"المضمضة والاستنشاق سنَّة" رواه الدارقطني، وقال الحافظ في "الفتح" (2): وذكر ابن المنذر أن الشافعي لم يحتج على عدم وجوب الاستنشاق مع صحة الأمر به إلَّا بكونه لا يعلم خلافًا في أن تاركه لايعيد، انتهى.
(1) سورة المائدة: الآية 6.
(2)
(1/ 329).