الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(39) بَابُ الْوُضُوءِ بفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ
77 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عن سُفْيَانَ قَالَ: حدَّثَنِي مَنْصُورٌ، عن إِبْرَاهِيمَ، عن الأَسْوَدِ، عن عَائِشَةَ قَالَتْ: "كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
===
(39)
(بَابُ الْوُضُوءِ بِفَضلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ)(1)
غرض المصنف بعقد هذا الباب بيان جواز الوضوء، بما بقي من تطهير المرأة واستعمالها، فإذا أدخلت المرأة المحدثة يدها في الإناء، فالماء الذي أدخلت فيه اليد هو فضل طهورها، فيصدق كون الماء فضل طهورها على ما إذا توضأ أحد معها أو بعدها.
77 -
(حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى) القطان، (عن سفيان) إما ابن عيينة أو الثوري، ولم يتعين (2)، ولا يضر إبهامهما، فإنهما ثقتان إمامان، (قال: حدثني منصور) بن المعتمر، (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي، (عن الأسود) بن يزيد، (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت: كنت أغتسل (3) أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم) عطف (4) على الضمير المتصل فأكد بالمنفصل
(1) قال ابن العربي (1/ 81): حديث جواز التوضؤ بالفضل صحيح كله، ثم بسطه، ثم قال: وهو أولى بالمنع بوجهين: الأول: لأنه أصح، والثاني: لأنه عليه السلام لما أراد الغسل من الفضل منعته ميمونة، فعلم أن المنع مقدم، انتهى مختصرًا. (ش).
(2)
عَيَّنَ الحافظ أنه سفيان الثوري "فتح الباري"(1/ 403)، وكذا في "عمدة القاري"(3/ 109).
(3)
وفيه الوضوء أيضًا فثبتت الترجمة، كذا في "الغاية"، أو إذا جاز الغسل فالوضوء بالأولى. (ش).
(4)
ويحتمل أن يكون مفعولًا معه، كذا في "الغاية" و"ابن رسلان". (ش).
مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ وَنَحْنُ جُنُبَانِ". [خ 299، م 319، ن 235، حم 6/ 189]
===
(من إناء واحد، ونحن جُنبان)(1)، قال في "مجمع البحار" (2): هو لفظ يستوي فيه الواحد وغيره والمؤنث، وقد يجمع على أجناب وجنبين، وهي في الأصل البعد، والجنب يبعد عن مواضع الصلاة.
وقال في "لسان العرب"(3): قال الأزهري: إنما قيل له جُنُبٌ، لأنه نُهي أن يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر، فتجنبها وأجنب عنها، أي تَنَحَّى عنها، وقيل: لمجانبته الناس ما لم يغتسل. والرجل جُنُبٌ من الجنابة، وكذلك الاثنان والجميع والمؤنث، كما يقال: رجل رضي وقوم رضى، وإنما هو على تأويل ذوي جُنُبٍ، فالمصدر يقوم مقام ما أضيف إليه، ومن العرب (4) من يُثَني ويجمع ويجعل المصدر بمنزلة اسم الفاعل، انتهى.
وقد أخرج مسلم وغيره من أصحاب الصحاح الأحاديث التي تدل على أن عائشة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسلان من إناء واحد من الجنابة، وكذلك عن ميمونة رضي الله عنها أخرج مسلم بسنده إلى ابن عباس أنه أخبر أبا الشعثاء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة، كذلك روي عن أم سلمة رضي الله عنها، فهذه الروايات تدل على أنه يجوز تطهر الرجل والمرأة من إناء واحد، سواء كان في وقت واحد أو متعاقبًا.
(1) قال ابن رسلان: استدل به الداودي على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه، ويؤيده ما رواه ابن حبان ["صحيح ابن حبان" (13/ 390) ح 5577]، من طريق سليمان بن موسى أنه سُئِل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته قال: سألت عطاء قال: سألت عائشة رضي الله عنها، فذكرت هذا الحديث، فهذا نص في المسألة، انتهى. (ش).
(2)
(1/ 390).
(3)
(1/ 279).
(4)
كما في حديث الباب فهو على إحدى اللغتين فيه، كذا في "الغاية". (ش).
78 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ قَالَ: حَدَّثنَا وَكِيعٌ، عن أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ،
===
قال النووي (1): أما تطهير الرجل والمرأة من إناء واحد، فهو جائز بإجماع المسلمين (2) لهذه الأحاديث التي في الباب، وأما تطهير المرأة بفضل الرجل فهو جائز بالإجماع أيضًا، وأما تطهير الرجل بفضلها فهو جائز عندنا وعند مالك وأبي حنيفة وجماهير العلماء، سواء خلت به أو لم تخل، وذهب أحمد بن حنبل (3) وداود إلى أنها إذا خلت بالماء واستعملته لا يجوز للرجل استعمال فضلها، وأما الحديث الذي جاء بالنهي وهو حديث الحكم بن عمرو.
فأجاب العلماء عنه بأجوبة:
أحدها: أنه ضعيف. ضعفه أئمة الحديث، منهم البخاري وغيره، والثاني: أن المراد النهي عن فضل أعضائها، وهو المتساقط منها، وذلك مستعمل، الثالث: أن النهي للاستحباب والأفضل (4)، انتهى، والله أعلم.
78 -
(حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: حدثنا وكيع) بن الجراح، (عن أسامة بن زيد) الليثي، بمفتوحة وسكون تحتية وبمثلثة، مولاهم، أبو زيد المدني، قال أحمد: تركه القطان بأَخرَة، وقال الأثرم
(1) ذكر صاحب "الغاية" ها هنا ستة مذاهب، قال ابن رسلان: يدخل فيه التراب الذي تيمم به، وقال أحمد في المشهور عنه: أنه لا يجوز استعماله إذا خلت به وهو قول ابن سَرْجِسَ. (ش).
[قلت: ابن سرجس صحابي، انظر ترجمته في: "تهذيب التهذيب" (5/ 232)].
(2)
لكن نقل صاحب "الغاية" فيه الخلاف. (ش).
(3)
أي في الرواية المشهورة، وله رواية أخرى، ذكرها في "المغني"(1/ 282) أنه يجوز. (ش).
(4)
انظر "شرح صحيح مسلم" للنووي (3/ 241).
عن ابْنِ خَرَّبُوذَ، عن أُمِّ صُبَيَّةَ الْجُهَنِيَّةِ
===
عن أحمد: ليس بشيء، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: روى عن نافع أحاديث مناكير فقلت له: أراه حسن الحديث، فقال: إن تدبرت حديثه فستعرف فيه النكرة، قال الدارقطني: تركه البخاري، وقال ابن معين في رواية أبي بكر بن أبي خيثمة: كان يحيى بن سعيد يضعفه، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أبو يعلى عن يحيى بن سعيد: ثقة، وقال عبد الرحمن الدارمي عنه: ليس به بأس، وقال العجلي: ثقة، مات سنة 153 هـ.
(عن ابن خربوذ) هو سالم بن سرج، بفتح المهملة وسكون الراء بعدها جيم، أبو النعمان المدني، يقال له: ابن خربوذ، بفتح المعجمة (1)، ثم راء ثقيلة مفتوحة، ثم موحدة مضمومة، آخرها ذال معجمة، وهو الإكاف، قال أبو أحمد الحاكم: من قال: ابن سرج فقد عرَّبه، ومن قال: ابن خربوذ أراد به الإكاف (2) بالفارسية، ويقال: سالم بن النعمان، مولى أم صبية، روى عن مولاته ولها صحبة، له عندهم حديث واحد عن أم صبية، قالت: اختلفت يدي، الحديث، قلت: وقال البخاري (3): وقال بعضهم: ابن النعمان، ولم يصح، وخالفه أبو زرعة فرجح رواية من قال: عن سالم بن النعمان، قال ابن معين: ثقة شيخ مشهور، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(عن أم صبية) بصاد مهملة ثم موحدة مصغرة مع التثقيل (الجهنية) لها صحبة، يقال: اسمها خولة بنت قيس، وهي جدة خارجة بن الحارث بن
(1) كذا ضبطه ابن رسلان، وقال: قال النووي: الضم أشهر ولم ينصرف "ابن رسلان". (ش).
(2)
بالان خر. (ش).
(3)
انظر: "التاريخ الكبير"(4/ 113).
قَالَتْ: "اختَلَفَتْ يَدِي وَيَدُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الْوُضُوءِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ". [جه 382، ق 1/ 190، حم 6/ 366]
===
رافع بن بكير، روى حديثها مولاها أبو النعمان سالم بن سرج، وهو ابن خربوذ، وأخوه نافع عنها. (قالت: اختلفت يدي ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد) أي نتناوب أخذ الماء، فآخذ الماء منه مرة، ويأخذه صلى الله عليه وسلم مرة، فإن قلت: كيف يجوز ذلك؟ فإن أم صبية لم يثبت لها علاقة المحرمية به صلى الله عليه وسلم.
قلت: أجاب عنه بعضهم بأنه لعله كان قبل الحجاب، ويشكل هذا الجواب بأنه لو سُلِّم أن هذه واقعة تقدمت نزول الحجاب، فقبل الحجاب كان كشف الوجه جائزًا لا كشف البدن الذي هو عورة مثل الساعدين والرأس، فالأولى أن يقال: إن هذه واقعة حدثت بعد الحجاب، وكان بينهما حجاب يأخذان الماء من إناء واحد، أو يقال: ظاهر لفظ الحديث وإن كان يدل على أنهما كانا تختلف أيديهما في حالة واحدة، ولكن يمكن أن يقال: إن هذا التوضؤ محمول على حالتين بأن أم صبية تختلف يدها للوضوء في حالة على حدة، وتختلف يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من ذلك الإناء في حالة أخرى على حدة، ووحدة الإناء لا تقتضي أن يكون أخذ الماء في حالة واحدة.
وقد قال ابن التين حاكيًا عن سحنون في حديث عبد الله بن عمر أنه قال: كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعًا، أخرجه البخاري: إن معناه كان الرجال يتوضؤون، ويذهبون، ثم تأتي النساء فيتوضئن، قال الحافظ في "الفتح" بعد هذا: والأولى في الجواب أن يقال: لا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب، وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم.
79 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عن نَافِعٍ. (ح): وحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوب، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:"كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّؤُونَ في زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مُسَدَّدٌ: مِنَ الإِنَاءِ الْوَاحِدِ - جَمِيعًا". [خ 193، ن 71، جه 381، حم 2/ 4، خزيمة 1/ 102]
80 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى، عن عُبَيْدِ اللَّهِ
===
قلت: أما الجواب الأول فقد عرفت ما فيه، وأما الثاني فلا يتمشَّى في حديث أم صبية، فإنها لم تكن زوجة ولا محرمة له صلى الله عليه وسلم.
79 -
(حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك) بن أنس الإِمام، (عن نافع) الفقيه، مولى ابن عمر، أبو عبد الله المدني، ثقة ثبت، مات سنة 117 هـ أو بعدها، (ح: وحدثنا مسدد قال: حدثنا حماد) بن زيد، (عن أيوب) السختياني، (عن نافع، عن) عبد الله (بن عمر قال: كان الرجال والنساء يتوضوون في زمان (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهذا السياق اتفق عليه كلا شيخيه عبد الله بن مسلمة ومسدد، (- قال مسدد: من الإناء الواحد - جميعًا) (2)، وهذه زيادة من مسدد، لم يَشْرَكْ فيها عبد الله بن مسلمة.
80 -
(حدثنا مسدد قال: ثنا يحيى) القطان، (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري المدني،
(1) فهو في حكم الرفع عند الجمهور. كذا في "الغاية". (ش).
(2)
وجعل صاحب "الغاية"، وكذا الوالد في "التقرير" لفظ "جميعًا" مشتركًا بين الشيخين، ولفظ "الموطأ" يؤيده، فإن فيه "جميعًا" موجود. (ش).
[قلت: وهي حال من الواو في يتوضؤون، "المنهل" (1/ 271)].
قَالَ: حدَّثَنِي نَافِعٌ، عن عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ قَالَ:"كُنَّا نَتَوَضَّأُ نَحْنُ وَالنِّسَاءُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، نُدْلِي فِيهِ أَيْدِيَنَا". [حم 2/ 103، خزيمة 1/ 63]
===
أبو عثمان، أحد الفقهاء السبعة، ثقة، ثبت، قدمه أحمد بن صالح على مالك في نافع، وقدمه ابن معين في القاسم عن عائشة على الزهري عن عروة عنها، مات بعد سنة 140 هـ.
(قال: حدثني نافع، عن عبد الله بن عمر قال: كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، ندلي فيه أيدينا) أي نلقي وندخل، قال في "مرقاة الصعود": قيل: يحمل على التعاقب، أي يتوضأون فيذهبون، فيجئن فيتوضئن بعدهم، فرد بأن قوله:"جميعًا" يمنعه، إذ معناه الاجتماع في الفعل، وقال بعضهم: لعله كان قبل نزول الحجاب، والرافعي أراد كل رجل مع زوجته، وإنهما يأخذان من إناء واحد ، قال جط: ما شرحه أحد بأحسن ولا أصوب مما للرافعي.
قلت: وفي نسخة: "كنا نتوضأ نحن والنساء ونغتسل من إناء واحد على عهد"، الحديث، فذكر الاغتسال يؤيد الجواب الذي أجاب به الرافعي، فإنه يستحيل أن يكون اغتسال الرجال والنساء الأجانب معًا قبل الحجاب وبعده، فهذا الاغتسال محمول على الزوجين قطعًا، وأما الوضوء فيمكن أن يتوضأ مع زوجته ومحارمه، ويمكن أن يحمل على التعاقب في الغسل في الأجانب، ولا يمنعه قوله:"ندلي فيه أيدينا"، لأنه لا يستلزم أن يكون إدلاء الأيدي في وقت واحد، وأما قوله في حديث مسدد:"جميعًا"، فيمكن أن يحمل على أن الجمعية فيه اجتماع في الفعل لا في الوقت، كما يقال: الواو للجمع.