الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(23) بَابٌ: في الاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ
===
(23)
(بَابٌ: في الاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ)
فإن قلت: عقد المصنف من قبل "باب في الاستبراء من البول"، ثم عقد ثانياً بعد عدة أبواب منه "باب في الاستبراء"، ثم ثالثًا "باب في الاستنجاء بالماء"، فما الفرق بين كل واحد منها؟
قلت: غرض المصنف من الباب الأول، هو التوقي والتحرز من البول، ولم يختص ذلك الاستبراء بالاستنجاء، فإن الاستنجاء هو تطهير مخرج البول والغائط، وها هنا المراد من الاستبراء التوقي من البول، سواء حصل في موضع من البدن أو من الثوب. وأما الباب الثاني، فالغرض فيه من الاستبراء الاستنجاء بالماء، هل يجب أو لا يجب؟ ولما كان الباب الأول يدل على أن أمر البول فيه تغليظ شديد، ويوهم أنه يجب الاستنجاء بالماء عقد هذا الباب لدفع ذلك التوهم الناشئ من الباب الأول، وقال: لا يجب الاستنجاء بالماء، ثم لما كان هذا الباب الثاني يدل على جواز ترك الاستنجاء ويوهم سُنّيْة ترك الاستنجاء، عقد الباب الثالث:"باب في الاستنجاء بالماء" إشارةً إلى أن ترك الاستنجاء بالماء كان لبيان الجواز، والمستحب أن يُستنجى بالماء أيضًا.
فالغرض من عقد هذا الباب الرد على من قال بكراهة الاستنجاء بالماء لأجل أنّ الماء مطعوم (1)، وبيان الفرق فيهما بأن الماء خلق مطهرًا ومزيلاً للنجاسة، فلا يقاس على ما هو غير مطهر من المطعوم وغيره بما
(1) كما هو مروي عن ابن حبيب من المالكية، وروي عن حذيفة قال:"إذن لا يزال في يدك نتن"؛ وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان لا يستنجي به، وعن ابن الزبير أنه قال: ما كنا نفعله. "ابن رسلان" و"العارضة"(1/ 33).
قلت: قال البجيرمي في هامش "شرح الإقناع"(1/ 187): "إذا أردت أن لا يظهر للنجاسة ريح في يدك فبلها بالماء قبل الاستنجاء". (ش).
43 -
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عن خَالِدٍ - يَعْنِي الْوَاسِطِيَّ -، عن خَالِدٍ - يَعْنِي الْحَذَّاءَ -،
===
هو محترم، وإلا لزم أن يكره استعمال الماء في جميع التطهيرات من النجاسات، خصوصًا النجاسة الحقيقية، ولكفى مسحها وإزالتها بالأحجار وغيرها ، ولم يقل به أحد من الأمة.
43 -
(حدثنا وهب بن بقية) بفتح الموحدة، وكسر القاف، وشدة المثناة التحتية، ابن عثمان، أبو محمد، المعروف بوهبان، ثقة، مات سنة 239 هـ؛ وله ست وتسعون سنة، (عن خالد - يعني الواسطي -) ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان، أبو الهيثم، أو أبو محمد المزني، بمضمومة وفتح زاي، منسوب إلى مزينة، مولاهم، الواسطي، ثقة ثبت، مات سنة 182 هـ.
قال الحافظ: ووقع في "التمهيد" لابن عبد البر في ترجمة يحيى بن سعيد في الكلام على حديث البياضي في النهي عن الجهر بالقرآن بالليل: رواه خالد الطحان عن مطرف عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي نحوه، وقال: تفرد به خالد وهو ضعيف، وإسناده كله ليس بما يحتج به، قلت: وهي مجازفة ضعيفة، فإن الكل ثقات إلَّا الحارث، فليس فيهم ممن لا يحتج به غيره، انتهى. "تهذيب التهذيب"(1).
(عن خالد - يعني الحذّاء -) وزاد في الاسمين لفظ "يعني" لئلا يتوهم أن لفظ الواسطي ولفظ الحذاء من لفظ الأستاذ، بل يدل على أن الأستاذ لم يتلفظ بهذا اللفظ بل هو مراده، هو ابن مهران بكسر الميم، الحذاء بمفتوحة وشدة معجمة، أبو المنازل بفتح الميم، وقيل بضمها وكسر الزاي، البصري، قيل له: الحذَّاء، لأنه كان يجلس عندهم، قال ابن سعد: لم يكن
(1)(3/ 100).
عن عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم "دَخَلَ حَائِطًا وَمَعَهُ غُلَام
===
خالد بحذاء، وهو ثقة يرسل. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به، وأشار حماد بن زيد إلى أن حفظه تغير لما قدم من الشام، وعاب عليه بعضهم دخوله في عمل السلطان، وكان قد استعمل على العشور بالبصرة، مات سنة 141 هـ أو 142 هـ.
(عن عطاء بن أبي ميمونة) واسمه منيع، أبو معاذ، مولى أنس، ويقال: مولى عمران بن حصين، ثقة، وقال أبو حاتم: صالح لا يحتَجّ بحديثه، وكان قدريًا، وقال ابن عدي: وفي أحاديثه بعض ما ينكر عليه، وقال أبو إسحاق الجوزجاني: كان رأسًا في القدر (1)، مات سنة 131 هـ.
(عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطًا) الحائط: البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار.
(ومعه غلام) وفي نسخة: "وتبعه غلام"، الغلام هو المترعرع، وقال في "المحكم": من لدن الفطام إلى سبع سنين، وفي "مجمع البحار" (2): الغلام يقال للصبي من حين الولادة إلى البلوغ، وحكى الزمخشري أن الغلام هو الصغير إلى حد الالتحاء، فإن قيل له بعد الالتحاء غلام فهو مجاز، وفي بعض الروايات "غلام منا"، وفي بعضها "غلام من الأنصار"، ولم يتعين الغلام من هو؟ ويشير سياق البخاري (3) أنه ابن مسعود رضي الله عنه، وإطلاق الغلام عليه مجاز، ويمكن أن يكون هو جابر بن
(1) أخرج له البخاري حديثًا واحدًا عن أنس: كان إذا برز لحاجته أتيته بماء فيغتسل به. "ابن رسلان". (ش)[انظر: "فتح الباري" (1/ 251)].
(2)
(4/ 64).
(3)
قال ابن رسلان: لأن فيه "أليس فيكم صاحب النعلين والمطهرة"، وكان ابن مسعود يتولى ذلك، لكن يرده لفظ "وهو أصغرنا"، فإن ابن مسعود أكبر من أنس. (ش).
مَعَهُ مِيْضَأَةٌ وَهُوَ أَصْغَرُنَا، فَوَضَعَهَا عِنْدَ السِّدْرَةِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا وَقَدْ اسْتَنْجَى بِالمَاءِ". [م 270، خ 150]
44 -
حَدَّثَنَا محُمَّدُ بْنُ الْعلَاءِ، أَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ،
===
عبد الله رضي الله عنه، فإنه يخدم النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يكون هو أبا هريرة رضي الله عنه، ويمكن أن يكون طفلًا من الأنصار غير الثلاثة المذكورة، وهو أوفق بظاهر ألفاظ الروايات.
(معه ميضأة) قال الشارح: كميزان، وقال في "المجمع" (1): الميضأة، بكسر ميم وبهمزة: إناء التوضؤ، شبه المطهرة، تسع ماء قدر ما يتوضأ به، فزنته مفعلة أو مفعال. (وهو أصغرنا) قال الحافظ: فيبعد ذلك الوصف أن يكون الغلام هو ابن مسعود رضي الله عنه، ثم ذكر وقال: إلَّا أن يكون المراد من قوله: "أصغرنا" أي في الحال لقرب عهده بالإِسلام، قلت: وهذا التأويل بعيد جدًا.
(فوضعها عند السدرة)(2) هي شجرة النبق، وهو نوعان؛ عبري: لا شوك له إلَّا ما لا يضر، وضالٌّ: له شوك، ونبقه صغار. وفي الحديث دلالة على جواز استخدام الغلمان الأحرار، واستحباب الاستنجاء بالماء، ورد على من كره الاستنجاء بالماء، لأن الماء مطعوم. (فقضى حاجته، فخرج علينا (3) وقد استنجى بالماء).
44 -
(حدثنا محمد بن العلاء، أنا معاوية بن هشام) أبو الحسن القصار
(1)(5/ 75).
(2)
قال ابن رسلان: هي ظلة على الباب لتقيه من المطر. (ش). [قلت: ما ذكره ابن رسلان هو تفسير للسدة لا للسدرة، والمذكور في الحديث ذا، لا ذاك، "عاقل"].
(3)
فيه حجة على أنه من قول أنس رضي الله عنه خلافًا لمن قال من شراح البخاري: إنه مدرج، وأيضًا فيه حجة على أنه عليه الصلاة والسلام استنجى بالماء خلافًا لمن أنكره. "ابن رسلان". (ش).
عن يُونُسَ بْنِ الْحَارِثِ، عن إِبْرَاهِيمَ بْنٍ أَبِي مَيْمُونَةَ، عن أَبِي صَالِحٍ، عن أَبِي هرَيْرَةَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "نزَلَتْ هَذ الَايَةُ في أَهْل قُبَاءَ: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} ، قَالَ: كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالمَاءِ،
===
الكوفي الأزدي مولى بني أسد، ويقال له: معاوية بن العباس، صدوق، قال عثمان بن أبي شيبة: رجل صدق ليس بحجة، وقال الساجي: صدوق يهم، وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: هو كثير الخطأ، مات سنة 204 هـ.
(عن يونس بن الحارث) الثقفي الطائفي، نزيل الكوفة، ضعيف، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن معين: كنا نضعفه ضعفًا شديدًا، وقال ابن معين مرة: لا شيء، وقال هو مرة: ليس به بأس، يكتب حديثه، وقال الساجي: ضعيف إلَّا أنه لا يتهم بالكذب.
(عن إبراهيم بن أبي ميمونة) حجازي، مجهول الحال، ما روى عنه سوى يونس بن الحارث الطائفي، ذكره ابن حبان في "الثقات".
(عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نزلت هذه الآية) التي تذكر قريبًا (في أهل قباء) بضم القاف، وتخفيف الموحدة والمد، كغُراب، وحكي قصره، يذكّر ويؤنَّثُ، ويصرف ويمنع، موضع قريب من المدينة على ميلين أو ثلاثة منها:({فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} (1)، قال) أبو هريرة، وفي نسخة:"قالوا" وهم الصحابة: (كانوا) أي أهل قباء (يستنجون بالماء)(2)، فالمراد من التطهر في الآية الاستنجاء
(1) سورة التوبة: الآية 108.
(2)
قال النووي: وما اشتهر في جمعهم بين الحجر والماء باطل، لا أصل له، ورده الزيلعي (1/ 218)، وبسطه صاحب "الغاية" و"ابن رسلان". (ش). [والحديث صححه النووي (2/ 99) وأخرجه الحاكم (1/ 187)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي].