الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(58) بَابُ الْمَسْحِ عَلَى العِمَامَةِ
146 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ،
===
قلت: ظاهر هذا الحديث يدل على أن هذه الغرفة التي أخذها صلى الله عليه وسلم وخلل بها لحيته كانت زائدة على الغرفات الثلاث التي غسل بها وجهه، فيمكن أن يستدل بها على جواز الزيادة على الثلاث إذا كان للتكميل.
(58)
(بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ)(1)(2)
146 -
(حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثنا يحيى بن سعيد) القطان، (عن ثور) بن يزيد، (عن راشد بن سعد) المُقرائي بضم الميم، وفي "التقريب": بفتحها وسكون القاف وفتح الراء [وبعدها همزة] ثم ياء النسبة، نسبة إلى مقرى قرية بدمشق، ولقال: الحبراني، بضم المهملة والباء المعجمة بواحدة والراء المهملة والنون، نسبة إلى حبران بن عمرو بن قيس من اليمن، عن أحمد: لا بأس به، وعن ابن معين: ثقة، وكذا قال أبو حاتم والعجلي ويعقوب بن شيبة والنسائي، وقال ابن سعد: كان ثقة، وقال الدارقطني: لا بأس به إذا لم يحدث عنه متروك، وله ذكر في الجهاد من "صحيح البخاري"، وذكر الحاكم أن الدارقطني ضعفه، وكذا ضعفه ابن حزم، مات سنة 108 هـ.
(1) صرح في فروع الشافعية أن سنَّة الاستيعاب في المسح تحصل بالعمامة، وذكر في "الروضة" له أربعة شرائط. (ش).
(2)
بكسر العين "الغاية"، قال ابن العربي (1/ 151): أحاديث المسح على العمامة صحيحة لا غبار عليها، قلت: وبيَّن ابن قتيبة في "التأويل" سبب عدم الأخذ بها. انظر: (ص 262). (ش).
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً فَأَصَابَهُمُ الْبَرْدُ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ.
===
(عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية) والسرية بفتح المهملة وكسر الراء وتشديد التحتانية هي التي تخرج بالليل، والسارية التي تخرج بالنهار، وقيل: سميت بذلك لأنها تخفي ذهابها، وهذا يقتضي أنها أخذت من السر، ولا يصح لاختلاف المادة، وهي قطعة من الجيش تخرج منه، وهي من مئة إلى خمس مئة، فما زاد على خمس مئة يقال له: منسر بالنون والمهملة، فإن زاد على الثمان مئة سمي جيشًا، وما بينهما تسمى هبطة، فإن زاد على أربعة آلاف يسمى جحفلًا، فإن زاد فجيش جراء، والخميس الجيش العظيم، وما افترق من السرية يسمى بعثًا، فالعشرة فما بعدها تسمى حفيرة، والأربعون عصبة، وإلى ثلاث مدّة مقنب بقاف ونون ثم موحدة، فإن زاد سمي جمرة، والكتيبة ما اجتمع ولم ينتشر، قاله الحافظ في "الفتح"(1).
قال في "المجمع": سموا به لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري النفيس.
(فأصابهم البرد، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أي: وَشَكوْا إليه ماأصابهم من البرد، كما في رواية أحمد (أمرهم) أي رخص لهم (أن يمسحوا على العصائب) أي العمائم (2) ، لأن العمامة ثوب يعصب به
===
(1)
"فتح الباري"(8/ 56).
(2)
كذا فسره أبو عبيد اللغوي، سمي به، لأن الرأس يعصب به "الغاية"، وكذا في "التقرير" لتبويب المصنف وبسطه، وقال: جعل تعالى في النائب أيضًا بركة، ثم بسطه أشد البسط. (ش).
وَالتَّسَاخِينِ". [حم 5/ 277، ق 1/ 62، ك 1/ 169]
===
الرأس، (والتساخين)(1) كالثماثيل جمع تسخان بفوقية فسين مهملة فخاء منقوطة فنون كعمران وهي الخفاف، وقال الجوهري: لا واحد له من لفظه، ويقال: أصله كل ما سخن به قدم كخف وجورب.
قال الشوكاني في "النيل": قد اختلف الناس في المسح (2) على العمامة، فذهب إلى جوازه (3) الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود بن علي، واختلفوا هل يحتاج الماسح على العمامة إلى لبسها على طهارة (4) أو لا يحتاج؟ فقال أبو ثور (5): لا يمسح على العمامة إلَّا من لبسها على طهارة قياسًا على الخفين، ولم يشترط ذلك الباقون.
وكذلك اختلفوا في التوقيت، فقال أبو ثور: إن وقته كوقت المسح على الخفين، وذهب الجمهور - كما قاله الحافظ في "الفتح" - إلى عدم جواز الاقتصار على مسح العمامة، قال الترمذي: وقال غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لا يمسح على العمامة إلَّا أن يمسح (6) برأسه مع العمامة، وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي، وإليه ذهب أيضًا أبو حنيفة، واحتجوا بأن الله فرض المسح على الرأس،
(1) وذكر ابن حمزة الأصبهاني أنه معرب، اسم غطاء من أغطية الرأس، وهم يأخذونه على الرأس خاصة دون غيره، انتهى. (ش).
(2)
وقال ابن العربي (1/ 151): للعلماء فيه خمسة أقوال ثم بسطها. (ش).
(3)
وبسط ابن رسلان أسماء جماعة قالت به. (ش).
(4)
وبسط ابن رسلان في شرائط جوازه عند من قال به. (ش).
(5)
وبه قالت الحنابلة في "المغني"(1/ 382)، وهامش "الكوكب"(1/ 36). (ش).
(6)
قال ابن رسلان: أما في مذهب الشافعي فلا يجوز الاقتصار على العمامة بلا خلاف عند أصحابه، وأجابوا من الحديث بأنه وقع فيه الاختصار، والمراد مسح الناصية والعمامة، كما يدل عليه حديث المغيرة، فإن قيل: كيف يظن بالراوي حذف مثلها؟ يقال: لأنه كان معلومًا عندهم، انتهى. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
والحديث في العمامة محتمل التأويل فلا يترك المتيقن للمحتمل، والمسح على العمامة ليس بمسح على الرأس، ورد بأنه أجزأ المسح على الشعر، ولا يسمى رأسًا، فإن قيل: يسمى رأسًا مجازًا لعلاقة المجاورة، قيل: والعمامة كذلك بتلك العلاقة، فإنه يقال: قبَّلت رأسه والتقبيل على العمامة، انتهى.
قلت: قال الإِمام محمد بن الحسن في "الموطأ": وبهذا نأخذ، لا يمسح على الخمار ولا على العمامة، بلغنا أن المسح على العمامة كان فترك، وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا، قال مولانا عبد الحي في "تعليقه" (1): اختلفت فيه الآثار، فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على عمامته (2) من حديث عمرو بن أمية الضمري [وبلال] والمغيرة بن شعبة وأنس، وكلها معلولة، انتهى.
والحجة ظاهر قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] فإن من مسح على شعور رأسه يكون ماسحًا على الرأس، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على شعر رأسه، وكان كثير الشعر، والمسح على العمامة ليس مسحًا على الرأس عرفًا وإنكاره مكابرة، فإن قيل: والعمامة كذلك، فإنه يقال: قبَّلت رأسه والتقبيل على العمامة، قلنا: كون تقبيل العمامة تقبيلًا على الرأس عرفًا لا يستلزم أن يكون حكم العرف في المسح كذلك، بل حكم المسح على خلاف ذلك، فإن المسح على العمامة ليس مسحًا على الرأس (3).
(1)"التعليق الممجدد"(1/ 287).
(2)
بسط طرقه صاحب "الغاية". (ش).
(3)
قال العيني (2/ 531): أوَّله بعضهم بأن المراد منه ما تحته، وأوَّله بعضهم بأن الراوي كان بعيدًا، وأوَّله عياض بأنه يحتمل كان كالجبيرة لمرض
…
إلخ، ومسح العمامة كالجبيرة جائز عند مالك، كما في "الشرح الكبير"(1/ 146)، وأجاب عنه ابن رشد في "البداية"(1/ 14) بعدم الاشتهار في المدينة. (ش).
147 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ
===
147 -
(حدثنا أحمد بن صالح) المصري، أبو جعفر الحافظ المعروف بابن الطبري، قال البخاري: ثقة صدوق، ما رأيت أحدًا يتكلم فيه بحجة، كان أحمد بن حنبل وعلي وابن نمير وغيرهم يُثبتون أحمد بن صالح، وكان يحيى يقول: سلوا أحمد فإنه أثبت، وقال العجلي: ثقة صاحب سنَّة، وقال أبو حاتم: ثقة كتبت عنه، وقال النسائي: ليس بثقة ولا مأمون، وقال أبو سعيد بن يونس: ذكره النسائي فرماه وأساء الثناء عليه، وقال: ثنا معاوية بن صالح سمعت يحيى بن معين يقول: أحمد بن صالح كذاب يتفلسف، وقال عبد الكريم ابن النسائي عن أبيه: ليس بثقة ولا مأمون، تركه محمد بن يحيى، ورماه يحيى بالكذب، وقال ابن معين: كان النسائي سيّئ الرأي فيه وينكر عليه أحاديث.
قال ابن عدي: وكلام ابن معين فيه تحامل، وأما سوء ثناء النسائي عليه فسمعت محمد بن هارون البرقي يقول: هذا الخراساني يتكلم في أحمد بن صالح، وحضرت مجلس أحمد فطرده من مجلسه، فحمله ذلك على أن يتكلم فيه، وقال الخطيب: احتج بأحمد جميع الأئمة إلَّا النسائي ويقال: كان آفة أحمد الكبر، ونال النسائي منه جفاء في مجلسه، فذلك السبب الذي أفسد الحال بينهما، قال ابن حبان: كان أحمد بن صالح في الحديث وحفظه عند أهل مصر كأحمد بن حنبل عند أهل العراق، ولكنه كان صَلَفًا (1) تَيَّاهًا (2)، والذي يروى عن يحيى بن معين أن أحمد بن صالح كذاب، فإن ذلك أحمد بن صالح الشمومي شيخ كان بمكة يضع الحديث، سأل معاوية عنه يحيى، ويقوي ما قاله ابن حبان
(1) هو بالتحريك التكلم بما يكرهه صاحبك، والتمدح بما ليس فيك، والادعاء فوق ذلك تكبرًا "قاموس". (ش).
(2)
التيه بالكسر: الكبر والضلال
…
قاموس.
قال: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قال: حَدَّثَنِى مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ أَبِى مَعْقِلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قِطْرِيَّةٌ،
===
أن يحيى بن معين لم يرد صاحب الترجمة ما تقدم عن البخاري أن يحيى بن معين ثَبَّتَ أحمد بن صالح المصري صاحب الترجمة، مات سنة 248 هـ.
(قال: حدثنا ابن وهب) هو عبد الله بن وهب بن مسلم (قال: حدثني معاوية بن صالح) بن حدير، (عن عبد العزيز بن مسلم) الأنصاري، مولى آل رفاعة المدني، ذكره ابن حبان في "الثقات"، روى له أبو داود وابن ماجه حديثًا واحدًا في المسح على العمامة.
(عن أبي معقل)(1) عن أنس بن مالك في المسح على العمامة، وعنه عبد العزيز بن مسلم الأنصاري، قال أبو علي بن السكن: لا يثبت إسناده، وقال ابن القطان (2): أبو معقل مجهول، وكذا نقل ابن بطال عن غيره، (عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة قِطْرِيَّة)، قال في "النهاية" (3) تحت قوله: كان متوشحًا بثوب قطري: هو ضرب من البرود فيه حمرة، ولها أعلام فيها بعض الخشونة، وقيل: حلل جياد تحمل من قِبلِ البحرين، وقال الأزهري: في أعراض البحرين قرية يقال لها: قَطَر، وأحسب الثياب القطرية نسبت إليها، فكسروا القاف للنسبة وخففوا.
(1) وفي "العرف الشذي" عن ابن الهمام أن اسمه عبد الله بن معقل، انتهى. وهكذا سمَّاه صاحب "الأطراف"(1/ 735) كما في أسماء "التهذيب". (ش).
(2)
وقال ابن عبد البر: مجهول وليس بالقسملي. "ابن رسلان". (ش).
(3)
(ص 759).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وفي "المجمع"(1) عن "التوسط": ومنه "توضأ وعليه عمامة قطرية" هو بكسر قاف فسكون طاء، واستدل به على التعمم بالحمرة، وفيه إبقاء العمامة حال الوضوء، وهو يرد على كثير من الموسوسين ينزعون عمائمهم عند الوضوء، وهو من التعمق المنهي عنه، وكل الخير في الاتباع، وكل الشر في الابتداع.
قلت: وهذا الذي قاله في "التوسط" من أن كل الخير في الاتباع وكل الشر في الابتداع على الرأس والعين، وأما الذي قاله من أن نزع العمامة عند الوضوء من التعمق المنهي عنه فغير مسلَّم، أما أولًا فإن الحديث الذي يستدل بها على إبقاء العمامة على الرأس عند المسح في الوضوء حديث ضعيف لا يحتج به، وأما ثانيًا فإن الذين ينزعون عمائمهم عند الوضوء غرضهم استيعاب الرأس بالمسح، وهو مأمور به ومطلوب ومندوب إليه شرعًا، فكيف يكون ابتداعًا وتعمقًا منهيًا عنه.
وأما الذي فعله صلى الله عليه وسلم من إبقاء العمامة على رأسه عند مسحه، فكان مسحه صلى الله عليه وسلم لبعض الرأس، كما يدل عليه آخر هذا الحديث من قوله:"فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه"، وهذا يدل ظاهرًا على أنه صلى الله عليه وسلم لم يستوعب الرأس بالمسح، فلا يدل على أن إبقاءه صلى الله عليه وسلم العمامة على الرأس عند المسح كان لوجوبه بل كان لبيان الجواز، والذين ينزعون عمائمهم عند المسح لا يوجبون النزع، فليت شعري كيف يكون هذا تعمقًا وابتداعًا في الدين، وكيف يخرج هذا من الاتباع بل هو عين الاتباع، فلا يغتر بما قاله صاحب "التوسط"، ونقل عنه ابن طاهر صاحب "المجمع"، وعنه صاحب "غاية المقصود"، والله ولي التوفيق.
(1)(4/ 293).