الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترجمة مؤلِّف بذل المجهود من "نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر
" لمؤلِّفه العلَّامة السيِّد عبد الحيّ الحسني (م 1341 هـ)
الإِمام المحدِّث العالم الفقيه خليل أحمد السهارنفوري:
هو الشيخ العلَّامة الفقيه خليل أحمد بن مجيد علي بن أحمد علي بن قطب علي بن غلام محمد الأنصاري الحنفي الأنبيتهوي، أحد العلماء الصالحين، وكبار الفقهاء والمحدِّثين.
وُلد في أواخر صفر سنة تسع وستين ومائتين وألف في خؤولته في قرية "نانوته" من أعمال سهارنفور، ونشأ ببلدة "أنبيتهه" من أعمال سهارنفور، وقرأ العلم على خاله الشيخ يعقوب بن مملوك العلي النانوتوي (1)، والشيخ محمد مظهر النانوتوي (2)، وعلى غيره من العلماء في المدرسة العربية بديوبند، وفي "مظاهر العلوم" بسهارنفور، والعلوم الأدبية على الشيخ فيض الحسن السهارنفوري (3) في لاهور.
قرأ فاتحة الفراغ في سنة ثمان وثمانين ومائتين وألف، وعُيِّن أستاذًا مساعدًا "معين المدرِّسين" في مظاهر العلوم، وأقام مدة في "بهوبال" و"سكندرآباد" و" بهاول بور" و"بريلي" يُدَرّسُ ويُفيد، إلى أن اختير
(1)(ت 1302 هـ) انظر ترجمته في: "نزهة الخواطر"(8/ 550).
(2)
(ت 1302 هـ) انظر ترجمته في: "نزهة الخواطر"(8/ 480).
(3)
(ت 1304 هـ) انظر ترجمته في: "نزهة الخواطر"(8/ 389).
أستاذًا في دار العلوم بـ "ديوبند" في سنة ثمان وثلاثمائة وألف، ومكث ست سنين.
ثم انتقل إلى "مظاهر العلوم" في سنة أربع عشرة وثلاثمائة وألف، وتولّى رئاسة التدريس فيها، واستقام على ذلك أكثر من ثلاثين سنة منصرفًا إليها انصرافًا كلّيًّا، وتولّى نظارتها سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وألف، وصرف همّته إليها، ونالت به المدرسة القَبول العظيم، وطبقت شهرتها أرجاء الهند، وأصبحت تضارع دار العلوم في العلوم الدينية، والمكانة العلمية، وأَمَّها الطلبة من الآفاق، إلى أن غادرها في سنة أربع وأربعين إلى الحرمين الشريفين، فلم يرجع إليها.
وكان قد بايع الشيخ الإِمام العلَامة رشيد أحمد الكَنكَوهي بعد ما فرغ من التحصيل واختص به، وسعد بالحج والزيارة سنة سبع وتسعين ومائتين وألف، ولقي بمكة الشيخ الأجلّ الحاج إمداد الله المهاجر، فأكرم وفادته، وخصّه بالعناية، وأجازه في الطرق، ورجع إلى الهند، فأجازه الشيخ الإِمام العلَامة رشيد أحمد الكَنكَوهي، واختص به الشيخ خليل أحمد اختصاصًا عظيمًا، وانتفع به انتفاعًا كبيرًا، حتى أصبح من أخصّ أصحابه، وأكبر خلفائه، ومن كبار الحاملين لعلومه وبركاته، والناشرين لطريقته ودعوته.
وكان قد دَرَس الحديث دراسة إتقان وتدبُّر، وحصلت له الإِجازة عن كبار المشايخ والمسندين كالشيخ محمد مظهر النانوتوي، والشيخ عبد القيُّوم البدهانوي (1)، والشيخ أحمد دحلان (2) مفتي الشافعيّة، والشيخ عبد الغني بن أبي سعيد المجددي المهاجر (3)، والسيد أحمد
(1) انظر ترجمته في: "نزهة الخواطر"(7/ 255).
(2)
انظر ترجمته في: "معجم المؤلفين"(1/ 229).
(3)
انظر ترجمته في: "نزهة الخواطر"(7/ 296).
البرزنجي (1)، وعني بالحديث عناية عظيمة تدريسًا أو تأليفًا، ومطالعة وتحقيقًا.
وكان من أعظم أمانيه أن يشرح "سنن أبي داود". فبدأ في تأليفه سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وألف، يساعده في ذلك تلميذه البار الشيخ محمد زكريا بن محمد يحيى الكاندهلوي، وانصرف إلى ذلك بكلّ همّته وقواه، وعكف على جمع المواد وتهذيبها وإملائها ، لذّة له، ولا همَّ في غيره، وأكبّ على ذلك إلى أن سافر إلى الحجاز السفرَ الأخيرَ في سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وألف، ودخل المدينة في منتصف المحرم سنة خمس وأربعين، وانقطع إلى تكميل الكتاب حتى انتهى منه في شعبان سنة خمس وأربعين، وتمّ الكتاب في خمس مجلَّدات كبار.
وقد صبّ فيه الشيخ مهجة نفسه، وعصارة علمه، وحصيلة دراسته، وقد أجهد قواه، وأرهق نفسه في المطالعة والتأليف، والعبادة والتلاوة، والمجاهدة والمراقبة، حتى اعتراه الضعف المضني، وقلَّ غذاؤه، وغلب عليه الانقطاع، وحُبِّب إليه الخلاء، والشوق إلى اللقاء، يصرف أكثر أوقاته في تلاوة القرآن، ويحضر الصلوات في المسجد الشريف بشقّ النفس، وقد ودَّع تلاميذه، وخاصّة أصحابه للهند، وبقي في جوار النبي صلى الله عليه وسلم، نزيل المدينة، وحِلْس الدار، مشغول الجسم بالعبادة والذكر، مربوط القلب بالله ورسوله، منقطعًا عمّا سواه، حتى أجاب داعي الله في المدينة المنوَّرة.
كان الشيخ خليل أحمد له الملكة القوية، والمشاركة الجيدة في الفقه والحديث، واليد الطُّولى في الجدل والخلاف، والرسوخ التامّ في علوم الدِّين، والمعرفة واليقين، وكانت له قدم راسخة، وباع طويل في إرشاد الطالبين، والدلالة على معالم الرشد ومنازل السلوك، والتبصُّر في غوامض
(1) انظر ترجمته في: "معجم المؤلِّفين"(1/ 164).
الطريق وغوائل النفوس، صاحب نسبة قوية، وإفاضات قدسية، وجذبة إلهيّة، نفع الله به خلقًا كثيرًا.
وخرَّج على يده جمعًا من العلماء والمشايخ، ونبغت بتربيته جماعة من أهل التربية والإِرشاد، وأجرى على يدهم الخير الكثير في الهند وغيرها في نشر العلوم الدينية، وتصحيح العقائد، وتربية النفوس، والدعوة والإِصلاح، من أجلهم: العلَّامة الكبير الشيخ محمد يحيى الكاندهلوي، وشقيقه المصلح الكبير الشيخ محمد إلياس بن إسماعيل الكاندهلوي الدهلوي صاحب الدعوة المشهورة المنتشرة في العالم، والمحدِّث الجليل الشيخ محمد زكريا بن محمد يحيى الكاندهلوي السهارنفوري، صاحب "أوجز المسالك" و"لامع الدراري" والمؤلَّفات المقبولة الكثيرة، والشيخ عاشق إلهي الميرتهي، وغيرهم.
كان جميلًا وسيمًا، مربوع القامة، مائلًا إلى الطول، أبيض اللون، تغلب فيه الحمرة، نحيف الجسم، ناعم البشرة، أزهر الجبين، دائم البشر، خفيف شعر العارضين، يحبّ النظافة والأناقة، جميل الملبس، نظيف الأثواب في غير تكلّف أو إسراف، وكان رقيق الشعور، ذكيّ الحسّ، صادعًا بالحق، صريحًا في الكلام في غير جفاء، شديد الاتِّباع للسُّنَّة، نفورًا عن البدعة، كثير الإِكرام للضيوف، عظيم الرفق بأصحابه، يحبّ الترتيب والنظام في كل شيء، والمواظبة على الأوقات، مشتغلًا بخاصة نفسه، وبما ينفع في الدِّين، متنخِّيًا عن السياسة مع الاهتمام بأمور المسلمين، والحمية والغيرة في الدين، حجَّ سبع مرّات، آخرها في شوال سنة أربع وأربعين من الهجرة.
له من المصنَّفات: "المهنّد على المفنّد"، و"إتمام النِّعَم على تبويب الحكم"، و"مطرقة الكرامة على مرآة الإِمامة" و"هدايات الرشيد إلى إفحام العنيد" كلاهما في الردّ على الشّيعة الإِماميّة، و"بذل المجهود في شرح سنن أبي داود".
كانت وفاته بعد العصر من يوم الأربعاء في السادس عشر من ربيع الآخر سنة ست وأربعين وثلاثمائة وألف في المدينة المنوَّرة، وشُيِّعَتْ جنازته في جمع عظيم، ورُؤِيتْ له رؤيا صالحة، ودُفِن في البقيع لدى مدفن أهل البيت (1).
* * *
(1) الترجمة منقولة بتعديل يسير من المجلد الثامن، لكتاب "نزهة الخواطر"، طبع دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد، الهند. انظر:(8/ 145).
وانظر ترجمته في كتاب: "تذكرة الخليل" للشيخ الميرتهي، و"مقدمة أوجز المسالك"(ص 135) أيضًا.