الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان له كُمَّان: كُم واسع، وكم ضيق، فسئل عن ذلك، فقال: الواسع للكتب، والثاني لا نحتاج إليه.
وقال: من اختصر على لباس دُوْنٍ ومطعم دُوْنٍ أراح جسده (1).
اعتزازه بكرامة العلم والعلماء:
ومما يدل على هذا الاعتزاز ما ذكره الإِمام الخطابي بسنده عن أبي بكر بن جابر- خادم أبي داود - قال: كنت مع أبي داود ببغداد، فصلينا المغرب، إذ قُرع الباب ففتحته، فإذا خادم يقول: هذا الأمير أبو أحمد الموفق يستأذن، فدخلت إلى أبي داود، فأخبرته بمكانه، فأذن له فدخل وقعد، ثم أقبل عليه أبو داود وقال: ما جاء بالأمير في مثل هذا الوقت؟ قال: خلال ثلاث، قال: وما هي؟ قال: تنتقل إلى البصرة فتتخذها وطنًا ليرحل إليك طلبة العلم من أقطار الأرض، قال: هذه واحدة، هات الثانية، قال: تروي لأولادي كتاب "السنن"، قال: نعم، هات الثالثة، فقال: تفرد لهم الرواية، فإن أولاد الخلفاء لا يجلسون مع العامة، فقال: أما هذه فلا سبيل إليها، فإن الناس شريفهم ووضيعهم في العلم سواء، قال ابن جابر: فكانوا يحضرون بعد ذلك ويقعدون، ويضرب بينهم وبين الناس سِتر فيسمعون مع العامة (2)! !
وهكذا فليكن العلماء، لا يَسْعَوْن إلى الملوك والأمراء، وإنما يسعى إليهم الملوك والأمراء، وهكذا فلتكن المساواة في العلم والمعرفة.
اعتراف الأئمة بفضله وكماله:
كان أبو داود عَلَمًا من أعلام الإِسلام حفظًا وفقهًا وعلمًا بالأحاديث
(1)"تهذيب ابن عساكر"(6/ 246).
(2)
"مقدمة معالم السنن"(ص 2)، و"تهذيب ابن عساكر"(6/ 245)، و"طبقات الشافعية"(2/ 296).
وعللها، وقد حظي بتقدير العلماء له، ونال اعتراف أهل العلم والفضل بعلمه وفضله في كل عهد وجيل.
قال أبو بكر الخلال (1): أبو داود سليمان بن الأشعث الإِمام المقدَّم في زمانه، رجل لم يسبقه إلى معرفته بتخريج العلوم وبصره بمواضعه أحد في زمانه، رجل ورع مقدَّم (2).
قال الحافظ موسى بن هارون (3): خُلِقَ أبو داود في الدنيا للحديث وفي الآخرة للجنة، ما رأيت أفضل منه (4).
ولما صنف كتابه "السنن" قال إبراهيم الحربي (5): ألين لأبي داود الحديث كما ألين لداود عليه السلام الحديد (6).
وهو تشبيه يدلى على فضل الرجل في صنعة الحديث، وأنه يَسَّر العسير وقرَّب البعيد وذلَّل الصعب.
وقال الحاكم (7): أبو داود إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة (8).
(1) هو: أحمد بن محمد بن هارون البغدادي الحنبلي، له كتب كثيرة، وقد جمع علم أحمد، توفي سنة 311 هـ. "البداية والنهاية"(11/ 148).
(2)
"تهذيب التهذيب"(4/ 171).
(3)
هو: الحافظ الحجة أبو عمران ابن المحدث أبي موسى الحمال البغدادي البزار، محدث العراق، توفي سنة 294 هـ. انظر:"طبقات الحفاظ" للسيوطي (ص 292).
(4)
"طبقات الشافعية"(2/ 295)، و"تهذيب التهذيب"(4/ 172).
(5)
هو: إبراهيم بن إسحاق الحربي البغدادي، كان حافظًا فقيهًا زاهدًا، توفي ببغداد سنة 285 هـ. "شذرات الذهب"(2/ 190)، و"تذكرة الحفاظ"(ص 584).
(6)
"معالم السنن"(1/ 12)، و"البداية والنهاية"(11/ 55).
(7)
هو: محمد بن عبد الله بن محمد الحاكم النيسابوري صاحب "المستدرك"، توفي سنة 405 هـ. انظر ترجمته في:"شذرات الذهب"(2/ 335).
(8)
"تهذيب التهذيب"(4/ 172).
وقال الحافظ أحمد الهروي (1): كان أبو داود أحد حفاظ الإِسلام لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمِه وعللِه وسنده في أعلى درجة، مع النسك والعفاف والصلاح والورع، وكان من فرسان الحديث في عصره بلا مدافعة (2).
وقال أبو حاتم بن حبان (3): كان أحد أئمة الدنيا فقهًا وعلمًا وحفظًا ونسكًا وورعًا وإتقانًا، جمع وصنَّف وذَبَّ عن السنن (4).
وقال ابن الجوزي (5): كان عالمًا عارفًا بعلل الحديث، ذا عفاف وورع، وكان يشبَّه بأحمد بن حنبل (6).
وقال الذهبي (7): كان رأسًا في الحديث، رأسًا في الفقه، ذا جلالة وحرمة وصلاح وورعٍ حتى إنه كان يشبَّه بأحمد (8).
(1) هو: أحمد بن محمد بن ياسين الهروي الحداد أبو إسحاق، مصنف "تاريخ هراة"، توفي سنة 334 هـ. انظر ترجمته في:"شذرات الذهب"(2/ 335).
(2)
"تهذيب التهذيب"(4/ 172)، و"المنتظم" لابن الجوزي (5/ 57).
(3)
هو: أبو حاتم محمد بن حبان البستي الشافعي صاحب "الصحيح"، توفي سنة 354 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء"(16/ 92).
(4)
"تهذيب التهذيب"(4/ 172).
(5)
هو: الإِمام العلامة الحافظ عالم العراق وواعظ الآفاق جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الحنبلي الواعظ المعروف بابن الجوزي، صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم، توفي سنة 597 هـ. انظر ترجمته في:"طبقات السيوطي"(ص 478).
(6)
"المنتظم"(5/ 97).
(7)
هو: الإمام الحافظ -، محدث العصر خاتمة الحفاظ، الناقد محمد بن عثمان الذهبي الشافعي الدمشقي، توفي سنة 748 هـ. انظر ترجمته في:"طبقات السيوطي"(ص 517).
(8)
"شذرات الذهب"(2/ 167).