الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن يوافيه الوقت الموعود في مدينة الرسول ويدفن في البقيع. وقد أجاب الله دعواته الثلاث التي دعا بها على الملتزم، وحقق هذه الأماني كلها.
ولثمان بقين من شعبان- 21 شعبان- سنة 1345 هـ تحققت أمنيته الكبرى التي غَذَّاها بدم قلبه فتم الشرح، وقد كانت مدة تأليفه عشر سنوات وخمسة أشهر، وزادت عليها عشرة أيام، وتم الكتاب في خمسة مجلدات كبار وفي ألفين من الصفحات بالقطع الكبير، فكان له يوم عيد، بل يومٌ ما جاء عليه يومٌ هو أكثر فرحًا وسرورًا فيه من هذا اليوم، فعين يومًا (وهو يوم الجمعة 23 شعبان سنة 1345 هـ) لضيافة علماء المدينة وأحِبَّته وأصدقائه، شكرًا لله تعالى وإبداءً لسروره وفرحه، وصنع طعامًا كثيرًا على طريقة أهل الحجاز، وأخبر تلاميذه ومريديه وأحبته في الهند بهذا الموعد المبارك ليشاركوه في السرور والشكر.
وقد وهب للمدرسة - مظاهر علوم - حقوق هذا الكتاب تنتفع به وهي صاحبة الامتياز في طبعه، وقد طبع مرتين.
وهذه هي الطبعة الثالثة بالحروف العربية للمرة الأولى، مع زيادات وإفادات مهمة للشيخ محمد زكريا الذي كان له النصيب من أول عهد تأليف هذا الكتاب.
نسأل الله أن ينفع به طلبة العلم، ويجعله ذخرًا له في الآخرة، وذكرًا في الدنيا، وصدقة جارية وباقية صالحة.
خصائص هذا الشرح
وكلمة عن خصائص هذا الشرح والتزامات المؤلف التي التزمها وعُني بها عناية خاصة، ونؤثر الإِجمال والإِشارة، فإنما يعرف فضل هذا المجهود العلمي من باشر تدريس هذا الكتاب مدة طويلة، وعرضت له مشكلات فنية.
فمنها: أن المؤلف اهتم بأقوال الإِمام أبي داود صاحب الكتاب وكلامه في الرواة أو في إيضاح بعض ما ورد في الحديث اهتمامًا كبيرًا.
ومنها: أنه اهتم بتصحيح نسخ السنن المختلفة المنتشرة، ويراه القارئ كمثال في "باب افتتاح الصلاة" في حديث أبي حميد الساعدي.
ومنها: الاهتمام البالغ بتخريج التعليقات والفحص عنها في كتب أخرى وذكرها، وإذا لم ينجح في ذلك بعد التتبع البليغ صرح بذلك في غير تردد.
ومنها: تطبيق الروايات بالترجمة، وقد ظهرت في ذلك دقة فهمه وطول تأمله، وحيث تكررت الأبواب دفع ذلك وذكر حكمة هذا التكرار، ونضرب له مثلًا "باب صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال"، و"باب سهم الصفي"، فليراجع في كتاب الخراج والفيء والإِمارة.
ومنها: أنه حكم في ما اختلف فيه الشُرَّاح بما شرح الله له صدره، وفتح عليه، وتكلم بكلامٍ فصلٍ يثلج الصدر ويحلّ العقدة.
ومنها: أن أكثر الكتب التي ألفت في الهند في شرح كتب الحديث، أو في إثبات المذهب الحنفي، أو في مسألة خلافية، كان يغلب عليها في العهد الأخير الأسلوب الكلامي والاستدلال العقلي، وتكثر فيها اللطائف العلمية، ومع الاعتراف بقيمتها العلمية والكلامية وحسن قصد المؤلفين وعلو كعبهم في العلم يؤخذ عليها أنها لم تكن على طريقة المحدثين وشرَّاح الحديث المتقدمين، ويقلُّ فيها الكلام على الرواة والجرح والتعديل وعلل الحديث وطبقاته وإلى غير ذلك من المباحث الحديثية.
ويُستثنى من ذلك كتابان من تأليف علماء المذهب الحنفي في الهند في العهد الأخير، أولهما:"كتاب المحلى شرح الموطأ"، للشيخ
سلام الله ابن شيخ الإِسلام الدهلوي الرامفوري (1)(م 1229 هـ أو 1233 هـ)، وثانيهما:"آثار السنن" و"التعليق الحسن على آثار السنن"(2) للشيخ العلَّامة ظهير حسن النيموي البِهَاري الهندي (3)(م 1329 هـ).
أمَّا هذا الشرح فيمتاز بأنه كتب على نهج المشتغلين بالحديث والباحثين فيه وكبار الشراح الذين تلقَّت الأمة شروحهم بقبولٍ عام، وانتفع بها طلبة العلم في كل عصر، واشتمل على بحوث قيمة في أسماء الرجال وأصول الحديث، وعارض مؤلفه الحجة بالحجة، وكان كلامه في أكثر الأحيان محدودًا في صناعة الحديث ومتعلقاتها من الفنون.
وقد استفاد المؤلف في هذا الشرح بتحقيقات شيخه الإِمام المحدث مولانا رشيد أحمد الكَنكَوهى التي جاءت في دروسه، وضبطها وقَيَّدها تلميذه النابغة الشيخ محمد يحيى، وكان من خصائصه أنه يتحرز بقدر الإِمكان عن نسبة الخطإ إلى الراوي، وإذا التجأ إليه الشراح ولم يروا من ذلك بدًّا فَضَّل الشيخُ العلامةُ تأويل ذلك بما يُسيغه الفهم، ويقبله العاقل المنصف.
ومثال ذلك الرواية التي جاء فيها وضع الخاتم، فقد ذهب جميع المحدثين إلى أنه وهم من الزهري، ولكن مؤلف "بذل المجهود" أوَّل ذلك تأويلًا حسنًا، وهو مقتبس من كلام الشيخ الكَنكَوهي، فليراجع ذلك في "باب الخاتم يكون فيه ذكر الله تعالى" في كتاب الطهارة.
ومنها: لطائف الاستنباط التي احتوى عليها هذا الشرح ويراها القارئ منثورة في ثنايا هذا الكتاب.
(1) انظر ترجمته في: "نزهة الخواطر"(7/ 201).
(2)
مع الأسف أن الكتاب وصل من أول أبواب الطهارة إلى آخر أبواب الصلاة، ولو تم لكان عملًا جليلًا، وقد طُبع هذا الكتاب مرارًا في الهند وباكستان.
(3)
انظر ترجمته في: "انزهة الخواطر"(8/ 206).
ومن المباحث اللطيفة التي ظهرت فيها سلامة فكر المؤلف واطلاعه الواسع على كتب الحديث مسألة القسامة، ويزول بكلامه اختلاف الروايات.
وكذلك من محاسن الكتاب ومن مواضعه المهمة التي ظهر فيها جهد المؤلف وإمعانه: أحاديث الفتن والملاحم، وقد اجتهد في تعيين هذه الفتن التي أشير إليها في هذه الأحاديث، واهتم بترجيح الراجح، وعين بعضها باجتهاده واستقصائه، ويرى القارئ مثاله في شرح كلام قتادة حيث جاء في الكتاب:"وكان قتادة يضعه على الردة التي في زمن أبي بكر على أقذاء، يقول: "قَذى وهُدنة"، يقول: صلحٌ على دخن: على ضغائن".
وقد أشار في شرح حديثه إلى فتنة الشريف حسين بن علي، فليراجع ذلك في حديث عبد الله بن عمر الذي جاء فيه:"ثم يصطلح الناس على رجل كوَرِكٍ على ضلع"(1)، وذكر ذلك في تفصيل ووضوح.
ويظهر في كلامه في مثل هذه المناسبات ثقته بتحقيقه وجزمه بما توصل إليه في البحث والتأمل، ولا يغلب عليه التواضع والتردد، فيبعث هذا الجزم والثقة واليقين في نفس القارئ، وهذا من سياسة التعليم وحكمة التربية ومن محاسن الشرح.
وقد يتردَّد الشارح في صحة لفظ ورد في حديث، فيجتهد في تحقيقه اجتهادًا بالغًا ولا يدَّخِرُ جهدًا.
ويرى القارئ نموذج ذلك في "باب عبيد المشركين يلحقون بالمسلمين فيسلمون" في كتاب الجهاد، فقد ورد في متن الحديث عن علي بن أبي طالب قال:"خرج عبدان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني يوم الحديبية قبل الصلح" وقد أطال الشارح الكلام في وقوع القصة يوم الحديبية، وأثبت أن
(1) انظر: "بذل المجهود" كتاب الفتن والملاحم (12/ 270 - 277).
هذه القصة وقعت في غزوة الطائف، وقال: لقد تحيرت في هذه القصة التي قد وقعت في حديث "أبي داود" و"الترمذي" و"المستدرك" في الحديبية، فالظاهر أن الذي ذكر أنها وقعت في الحديبية غلط من بعض الرواة بثلاثة أوجه.
وذكر هذه الأوجه بتفصيل، وذكر أن لفظ الحديبية ليس من علي بن أبي طالب، بل من بعض الرواة، لأن في لفظ الرواية لأبي داود زاد لفظ:"يعني قبل يوم الحديبية"، فهذا يدل على أن لفظ الحديبية ليس في أصل الحديث، بل زاده بعض الرواة على ما فهم من لفظ شيخه.
ولو سُلّمَ أن هذه القصة وقعت في الحديبية أيضًا، فالمراد بقوله:"ناس" بعض الكفار من قريش الذين كانوا موجودين هناك لا الصحابة إلى آخر كلامه، فليراجع (1)، وهذا تحقيق شريف خلت عنه الشروح.
ونقتصر في هذه العجالة على هذه الإِشارات، ونحيل القارئ الذكي إلى مطالعة أصل الكتاب بإمعان النظر، فكما قال الشاعر:
في طلعة الصبح ما يغنيك عن زحل
ونرى لزامًا وحقًا علينا أن نشكر تلاميذ الشيخ العلامة مولانا محمد زكريا الكاندهلوي الذين عكفوا على خدمة هذا الكتاب بالمراجعة مع الأصول وانتساخ التعليقات ووضعها في محلها وغير ذلك، في مقدمتهم:
- الشيخ تقي الدين الندوي المظاهري أستاذ الحديث في مدرسة فلاح الدارين بتركيسر (ولاية كَجرات). فقد فرغ وقته لخدمة هذا الكتاب، وعكف عليه سنة كاملة.
- والعالمان الشابان محمد عاقل، ومحمد سلمان.
- ولا ننسى فضل الزميلين العزيزين: الشيخ محمد معين الندوي،
(1)"بذل المجهود"(9/ 355).
والأستاذ سعيد الأعظمي الندوي في فكرة طبع هذا الكتاب، وإبرازه في هذا المظهر الجميل وما ذللا في طريق نشره من الصعاب وما وفقا له من مجهود مشكور، وعمل مبرور، واخلاص موفور، والله يتولى مكافأة الجميع، ويتقبل عملهم.
ونسأل الله أن ينفع بهذا الأثر العلمي الجليل، ويُحَبِّبُ به السنَّةَ والحديث إلى نفوس القُّرَّاء، ويُلْهم العمل به، ويرفع الهمم، ويُشَحِّذ العزائم إلى دراسته وخدمته، إنه على كل شيء قدير.
أبو الحسن علي الحسني الندوي
رئيس دار العلوم - ندوة العلماء - لكهنؤ، الهند
29/ 2/ 1392 هـ