المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(34) باب ما جاء في بئر بضاعة - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ١

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌عملي في هذا الكتاب

- ‌تقديم

- ‌تَقْدِيمُ الْكِتَابِ

- ‌خصائص هذا الشرح

- ‌كلمة عن "سنن أبي داود" وشرحه "بذل المجهود" في غاية الوجازة

- ‌كلمة عن الإِمام أبي داود

- ‌التعريف بكتاب "السنن" له

- ‌ فقد تلخّص من كلمات الإِمام أبي داود وغيره أمور:

- ‌كلمة في المولِّف الإِمام وخصائص شرحه

- ‌كلمة في شرح سنن أبي داود

- ‌وبالجملة نلخِّص القول في شيء من خصائصه:

- ‌ترجمة مؤلِّف بذل المجهود من "نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر

- ‌ترجمة المؤلف الشيخ السهارنفوري بقلم أحد كبار العلماء

- ‌عصر أبي داود

- ‌الإِمَام أبو دَاوُدقبسات من سيرته، ولمحات من فضله

- ‌اسمه ونسبه ونسبته:

- ‌ولادته:

- ‌ارتحاله إلى الآفاق:

- ‌شيوخه:

- ‌ومن أعيانهم:

- ‌تلاميذه:

- ‌زهده وورعه:

- ‌اعتزازه بكرامة العلم والعلماء:

- ‌اعتراف الأئمة بفضله وكماله:

- ‌تحرِّيه في الإِسناد:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌وفاته:

- ‌ابنه أبو بكر:

- ‌مؤلَّفاته:

- ‌ سُنَن أبي دَاوُد" تأليفه - مكانته - خصائصه

- ‌موضوع الكتاب ومعظم مقصود الإِمام في تأليفه:

- ‌كتاب "سنن أبي داود" جامع للأحاديث التي استدلّ بها فقهاء الأمصار وبنوا عليها الأحكام:

- ‌ثناء الأئمة على "السنن

- ‌مكانة "سنن أبي داود" بين الكتب الستّة تدريسًا:

- ‌شروط الإِمام أبي داود في "السنن

- ‌مكانة "سنن أبي داود" بين الكتب الستّة صحّة:

- ‌الكلام على ما سكت عليه أبو داود:

- ‌مدة تأليف "السنن

- ‌عدد روايات "السنن

- ‌يكفي الإِنسان لدينه أربعة أحاديث:

- ‌خصائص الكتاب:

- ‌تجزئة الكتاب:

- ‌الأحاديث المنتقدة في "سنن أبي داود

- ‌درجات أحاديث "السنن

- ‌نسخ الكتاب:

- ‌ سنن أبي داود" ورواته:

- ‌شروح الكتاب والكتب المؤلفة حوله

- ‌رسالةُ الإِمامِ أَبي داودَ إِلى أَهلِ مكَّةَ في وصْفِ الكِتابِ وبَيان خصائِصِهِ والتِزاماتِهِ

- ‌مُقَدِّمَةُ "بَذْلِ الْمَجْهُودِ

- ‌(1) كِتابُ الطَّهَارَةِ

- ‌(1) بَابُ التَّخَلّي عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ

- ‌(2) بَابُ الرَّجُلِ يَتبوَّأُ لِبَوْلِهِ

- ‌(3) بَابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ

- ‌(4) بَابُ كَرَاهِيَّةِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلةِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ

- ‌(5) بَابُ الرُّخْصَة في ذَلِك

- ‌(6) بَابٌ: كيْفَ التَكَشُّفُ عِنْدَ الْحَاجَةِ

- ‌(7) بَابُ كَرَاهِيَةِ الْكَلَامِ عِنْدَ الْخَلَاء

- ‌(8) بَاب: في الرَّجُلِ يَرُدُّ السَّلَامَ وَهُوَ يَبُولُ

- ‌(9) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَذْكُرُ الله تَعَالَى عَلَى غيرِ طُهْرٍ

- ‌(10) بَابُ الْخَاتَمِ يَكُونُ فِيهِ ذِكرُ الله تَعَالَى يُدْخَلُ بِهِ الْخَلَاءُ

- ‌(11) بَابُ الاسْتِبْرَاءِ مِنَ الْبَوْلِ

- ‌(12) بَابُ الْبَوْلِ قَائِمًا

- ‌(13) بَاب: في الرَّجُلِ يَبُولُ بِاللَّيْلِ في الإِنَاءِ ثُمَّ يَضَعُهُ عِنْدَهُ

- ‌(14) بَابُ الْمَواضِعِ الَّتِي نُهِي عَنِ الْبَوْلِ فِيهَا

- ‌(15) بَابٌ: في الْبَوْلِ في الْمُسْتَحَمّ

- ‌(16) بَابُ النَّهْيِ عنِ الْبَوْلِ في الْجُحْرِ

- ‌(17) بَابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ

- ‌(18) بَابُ كَرَاهِيَّةِ مَسِّ الذَّكَر بِاليَمِينِ في الاستِبْرَاءِ

- ‌(19) بَابٌ: في الاِسْتِتَارِ في الْخَلاءِ

- ‌(20) بَابُ مَا يُنْهَى عَنْهُ أَنْ يُستَنْجَى بِهِ

- ‌(21) بَابُ الاسْتِنْجَاءِ بِالأَحْجَارِ

- ‌(22) بَابٌ: في الاسْتِبْرَاءِ

- ‌(23) بَابٌ: في الاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ

- ‌(24) بَابُ الرَّجُلِ يَدْلُكُ يدَهَ بِالأَرْضِ إِذَا اسْتَنْجَى

- ‌(25) بَابُ السِّواكِ

- ‌(26) بَابٌ: كَيْفَ يَسْتَاكُ

- ‌(27) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَسْتَاكُ بِسِوَاكِ غَيْرِهِ

- ‌(28) بَابُ غَسْلِ السِّواكِ

- ‌(29) بَابٌ: السّوَاكُ مِنَ الْفِطْرَة

- ‌(30) بَابُ السِّوَاكِ لِمَنْ قَامَ بِاللَّيْلِ

- ‌(31) بَابُ فَرْضِ الْوُضُوءِ

- ‌(32) بَابُ الرَّجُلِ يُجَدّدُ الْوُضُوءَ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ

- ‌(33) بَابُ مَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ

- ‌(34) بَابُ مَا جَاءَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ

- ‌(35) بَابُ الْمَاءِ لَا يُجْنِبُ

- ‌(36) باب الْبَوْلِ فِى الْمَاءِ الرَّاكِدِ

- ‌(37) بَابُ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْكَلْبِ

- ‌(38) بَابُ سُؤْرِ الْهِرَّةِ

- ‌(39) بَابُ الْوُضُوءِ بفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ

- ‌(40) بَابُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ

- ‌(41) بَابُ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ

- ‌(42) بَابُ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ

- ‌(43) بَابٌ: أَيُصَلِّي الرَّجُلُ وهُوَ حَاقِنٌ

- ‌(44) بَابُ مَا يُجْزِئُ مِنَ الْمَاءِ في الْوُضُوءِ

- ‌(45) بَابٌ: في الإِسْرَافِ في الْوُضُوءِ

- ‌(46) بابٌ فِى إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ

- ‌(47) بَابُ الْوُضُوءِ في آنِيَةِ الصُّفْرِ

- ‌(48) بَابٌ: في التَّسْمِيَةِ عَلَى الْوُضُوءِ

- ‌(49) بابٌ فِى الرَّجُلِ يُدْخِلُ يَدَهُ فِى الإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا

- ‌(50) بَابٌ: يُحَرِّكُ يَدَهُ في الإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا

- ‌(52) بَابُ الْوُضُوءِ ثَلاثًا ثَلاثًا

- ‌(53) بَابٌ: في الْوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ

- ‌(54) بابُ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً

- ‌(55) بَابٌ فِى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ

- ‌(56) بابٌ: فِى الاِسْتِنْثَارِ

- ‌(57) بَابُ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ

- ‌(58) بَابُ الْمَسْحِ عَلَى العِمَامَةِ

- ‌(59) بَابُ غَسْلِ الرِّجْلِ

- ‌(60) بابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌(61) بَابُ التَّوْقِيتِ في الْمَسْحِ

- ‌(62) بابُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ

- ‌(63) بَابٌ

- ‌(64) بابٌ: كَيْفَ الْمَسْحُ

الفصل: ‌(34) باب ما جاء في بئر بضاعة

(34) بَابُ مَا جَاءَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ

66 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، ومُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِيُّ قَالُوا: حَدَّثنَا أَبُو أُسَامَةَ، عن الْوَليدِ بْنِ كَثيرٍ، عن مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عن عُبَيدِ الله بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ،

===

(34)

(بَابُ مَا جَاءَ في بِئْرِ بُضَاعَةَ)

أي في طهارة مائها وعدم تنجسها بما يلقى فيها من النجاسات الغليظة

66 -

(حدثنا محمد بن العلاء) أبو كريب، (والحسن بن علي) الخلال، (ومحمد بن سليمان الأنباري)(1) أبو هارون بن أبي داود، وقال الحافظ في "التقريب": صدوق، وقال في "تهذيب التهذيب": قال الخطيب: كان ثقة، وقال مسلمة: ثقة، وقال الحضرمي: مات سنة 234 هـ.

(قالوا) أي الثلاثة المذكورة: (حدثنا أبو أسامة) حماد، (عن الوليد بن كثير، عن محمد بن كعب) بن سليم بن أسد القرظي، أبو حمزة المدني، من حلفاء الأوس، وكان أبوه من سبي قريظة، قال البخاري: كان أبوه ممن لم ينبت من سبي قريظة، فخلي سبيله، ثقة عالم، ولد سنة أربعين على الصحيح، ووهم من قال: ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة 120 هـ، وقيل: كان يقصُّ في المسجد فسقط عليه وعلى أصحابه سقف، فمات هو وجماعة تحت الهدم سنة 118 هـ.

(عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج) ذكره الحافظ في

(1) بتقديم النون على الباء الموحدة. "ابن رسلان". (ش).

ص: 388

عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ

===

عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع، ويقال: ابن عبد الله (1) هو راوي "حديث بئر بضاعة" مستور، هكذا في "التقريب".

وقال في "تهذيب التهذيب"(2) في ذكر عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري: وقيل: عبيد الله بن عبد الله، وقيل: عبد الله، وقيل: إنهما اثنان، ثم قال: قلت: قال ابن القطان الفاسي: في هذا الرجل خمسة أقوال، فذكر الثلاثة، وزاد ما ذكره البخاري عن يونس بن بكير: عبد الله بن عبد الرحمن، فهذا قول رابع، والخامس قاله محمد بن سلمة عن ابن إسحاق: عبد الرحمن بن رافع، ثم قال: وكيف ما كان، فهو من لا يعرف له حال، وقال ابن منده: عبيد الله بن عبد الله بن رافع مجهول، نعم صحح حديثه أحمد بن حنبل وغيره، وقد نص البخاري على أن قول من قال: عبد الرحمن بن رافع وهم.

(عن أبي سعيد الخدري أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ (3) من بئر بضاعة) بضم الباء وأجيز كسرها، وحكي أيضًا بالصاد المهملة، وهي بئر معروفة بالمدينة، قاله ابن الملك، وقال الطيبي نقلاً عن التوربشتي: بضاعة (4) دار بني ساعدة بالمدينة، وهم بطن من الخزرج، وأهل اللغة

(1) هنا زيادة في الأصل، وهي:"وقيل: عبد الله، وقيل: إنهما اثنان"، وهو سبق قلم.

(2)

"تهذيب التهذيب"(7/ 27)، و"تقريب التهذيب"(4342).

(3)

بصيغة المتكلم مع الغير، وفي بعض النسخ بصيغة الخطاب، وبالخطاب ضبطه الحافظ في "التلخيص الحبير"(1/ 17) وصوّبه النووي، وجعل النون تصحيفًا كما حكاه عنه ابن رسلان. (ش).

(4)

اسم موضع أو اسم رجل، قولان، كذا في "الغاية". (ش).

ص: 389

وَهِيَ بِئْرٌ يُطْرَحُ فِيهَا الْحِيَضُ وَلَحْم الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ؟

===

يضمون الباء ويكسرونها، والمحفوظ في الحديث الضم "علي القاري"(1).

(وهي بئر (2) يطرح) على صيغة المجهول، يجوز فيه التذكير والتأنيث، أي يلقى كما في رواية (فيها الحِيَضُ) بكسر الحاء وفتح الياء، جمع حيضة، بكسر الحاء وسكون الياء، وهي الخرقة التي تستعملها المرأة في دم الحيض أو تستثفرها (ولحم الكلاب).

قال الطيبي (3): ووجه معنى "يلقى فيها" أن البئر كانت بمسيل من بعض الأودية التي يحتمل أن ينزل فيها أهل البادية، فيلقي تلك القاذورات بأفنية منازلهم، فيكسحها السيل فيلقيها في البئر، فَعَبَّر عنه القائل بوجه يوهم أن الإلقاء من الناس لقلة تدينهم، وهذا بما لا يجوّزه مسلم، فأنَّى يظن (4) ذلك بالذين هم أفضل القرون وأزكاهم "قاري"(5)، وقيل: كانت الريح تلقيها بها أو يفعله (6) المنافقون "مرقاة الصعود".

(والنتن) بفتح النون وسكون التاء وتكسر، وهي الرائحة الكريهة، والمراد بها ها هنا الشيء المنتن، كالعذرة والجيفة، وكان الماء كثيرًا سيَّالًا يجري بها ، ولكثرته لا يؤثر به ذلك ولا يغيره، فسألوا عن حكمها في الطهارة والنجاسة.

(1)"مرقاة المفاتيح"(2/ 57).

(2)

قال ابن رسلان: كانت بئر بضاعة عينًا يجري منها الماء إلى بساتين بني ساعدة. (ش).

(3)

"شرح الطيبي"(1/ 104).

(4)

وبه جزم الخطابي (1/ 59)، كلما بسطه صاحب "الغاية". (ش).

(5)

"مرقاة المفاتيح"(2/ 57).

(6)

قال في "الشامل": يجوز أن يكون هذا من فعل المنافقين كانوا يلقون ذلك، كذا في "مرقاة الصعود"(ص 17). (ش).

ص: 390

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَئٌ". [ن 327، ت 66، حم 3/ 15، قط 1/ 30، ق 1/ 4]

===

(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الماء) قيل: الألف واللام للعهد الخارجي، فتأويله أن الماء الذي تسألون عنه وهو ماء بئر بضاعة، فالجواب مطابقي لا عموم كلي، كما قاله الإِمام مالك (طهور) أي طاهر مطهر لكونه جاريًا في البساتين، و (لا ينجسه (1) شيء) (2) أي ما لم يتغير بدليل الإجماع على نجاسة المتغير، فما جاء في بعض الطرق أنه كان كنُقاعة الحِنَّاء، محمول على لون جوهر مائها.

فإن قيل: لِمَ لم يجبهم بنعم حين قالوا: أنتوضأ؟ قلنا: لأنه يصير مقيدًا بحال الضرورة وليس كذلك، وأيضًا فإنه يفهم من الاقتصار على الجواب بنعم أنه إنما يتوضأ به فقط، ولا يَتَطَهَّرُ به لبقية الأحداث والأنجاس، "نيل"(3).

والحديث يدل على أن الماء لا يتنجس بوقوع شيء فيه، سواء كان قليلاً أو كثيرًا ولو تغيرت أوصافه أو بعضها ، لكنه قام الإجماع على أن الماء إذا تغير أحد أوصافه بالنجاسة يتنجس ، فلا ينجس الماء بما لاقاه، ولو كان قليلاً إلَّا إذا تغير، وقد ذهب إلى ذلك ابن عباس وأبو هريرة

(1) قال الخطابي (1/ 60): حديث بئر بضاعة لا يناقض حديث القلتين، فإن ماءها كان قلتين، بسطه صاحب "الغاية"، وبسط أيضًا الكلام على جرح الحديث وتعديله، قلت: وهذ الحديث نظراً إلى إطلاقه لا يوافق أحدًا من الأئمة الأربعة، فقيده المالكية بعدم التغير، والشافعية بقلتين، والحنفية بالجريان، وقال ابن رسلان: وقد جزم الشافعي بأن بئر بضاعة لا تتغير بإلقاء ما يلقى لكثرة مائها. (ش).

(2)

قال ابن رسلان: نكرة في موضع النفي، عام لكل شيء، إلَّا أن الإجماع خص منه المتغير بالنجاسة. (ش).

(3)

الإشارة إلى "نيل الأوطار" في غير محله، محله فيما بعد كما أشرت إليه، فليتنبه.

ص: 391

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ رَافِعٍ.

===

والحسن البصري وابن المسيب وداود الظاهري ومالك، وذهب ابن عمر ومجاهد والشافعية والحنفية وابن حنبل وإسحاق إلى أنه ينجس القليل بما لاقاه من النجاسة وإن لم تتغير أوصافه، واختلفوا في حد القليل الذي يجب صونه عن وقوع النجاسة فيه، فقيل ما ظن استعمالها باستعماله؛ وإليه ذهب أبو حنيفة رحمه الله (1) -.

قال القاري (2): وأغرب ابن حجر في قوله: أخذ مالك بعموم هذا، يلزم عليه إلغاء العمل بمفهوم حديث القلتين مع عدم المسوغ لذلك.

قلت: المسوغ له أنه لم يقل بالمفهوم، كما هو قول أئمتنا، ثم قوله وقول أبي حنيفة: إن الماء يتنجس مطلقًا إلَّا إذا عظم بحيث لا يتحرك طرفه بتحرك طرفه الآخر، مخالف لهذا الحديث ولمنطوق حديث القلتين لا يضر، إذ ما خالفهما إلَّا وقد ثبت عنده ما يوجب مخالفتهما، وقد تقدمت علة القلة، وعلة الامتناع عن الأخذ بعموم هذا الحديث مشتركة بين أبي حنيفة والشافعي - رحمهما الله- انتهى.

(قال أبو داود (3): وقال بعضهم: عبد الرحمن بن رافع)، غرض المصنف بهذا بيان الاختلاف الواقع بين الرواة في عبيد الله بن عبد الله بن رافع، فقال بعضهم: عبيد الله بن عبد الله بن رافع، وقال بعضهم: عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع، ومرَّ تحقيقه في السند، فما قال

(1) انظر: "نيل الأوطار"(1/ 36).

(2)

"مرقاة المفاتيح"(2/ 108).

(3)

قال ابن رسلان: أعله ابن القطان لجهالة الراوي عن أبي سعيد، والاختلاف في الاسم هل هو عبيد الله أو عبد الله؟ والاختلاف في اسم أبيه. (ش).

ص: 392

67 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْب وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيَّانِ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ،

===

بعضهم: عبد الرحمن بن رافع كما يقول المصنف، يحتمل (1) أن يكون معناه أن بعضهم يقول: عبد الرحمن بن رافع مكان عبد الله بن رافع والد عبيد الله كما هو قول ثان في والد عبيد الله من قولين: أحدهما عبد الله والثاني عبد الرحمن، والاحتمال الثاني أن يكون معنى قول بعضهم: عبد الرحمن بن رافع، مكان عبيد الله بن عبد الله بن رافع، كما هو قول خامس على ما نقله الحافظ في "تهذيب التهذيب"، فحينئذ يتوجه إليه قول البخاري: إن قول من قال: عبد الرحمن بن رافع وهم، والراجح هو الاحتمال الأول كما يسوق المصنف ذلك السند، فيقول: حدثنا أحمد بن أبي شعيب

إلخ.

67 -

(حدثنا أحمد بن أبي شعيب)، هو أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب مسلم الحراني، أبو الحسن، مولى قريش، ثقة، مات سنة 233 هـ، فما قال فيه بعضهم: أحمد بن سعيد الحراني صوابه ابن أبي شعيب.

(وعبد العزيز بن يحيى) بن يوسف البكائي مولاهم، أبو الأصبغ الحراني، قال أبو حاتم: صدوق، وقال أبو داود: ثقة، قال الحافظ في "التهذيب": قلت: ذكر عبد الغني أن البخاري روى عنه في "كتاب الضعفاء" مات سنة 235 هـ (الحرَّانيان قالا) أي أحمد بن أبي شعيب وعبد العزيز: (حدثنا محمد بن سلمة) بن عبد الله الباهلي مولاهم، أبو عبد الله الحراني، وثقه كثيرون، وقال أبو عروبة: أدركنا الناس لا يختلفون في فضله وحفظه، مات سنة 191 هـ على الصحيح.

(1) وبه جزم صاحب "الغاية". (ش).

ص: 393

عن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عن سَلِيطِ بْنِ أَيُّوبَ، عن عُبَيْدِ الله بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ رَافِعٍ الأَنْصَاريّ ثُمَّ الْعَدَوِيِّ، عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: سَمِعْتُ رسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُقَالُ لَهُ: إِنَّهُ يُسْتَقَى لَكَ

===

(عن محمد بن إسحاق) بن يسار، (عن سليط) بفتح أوله وكسر اللام (ابن أيوب) بن الحكم الأنصاري المدني، ذكره ابن حبان في "الثقات"، أخرج له أبو داود والنسائي في قصة بئر بضاعة، قال الحافظ: مقبول، من السادسة.

(عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري ثم العدوي) منسوب إلى جد أبيه عدي بن يزيد بن جشم بن حارثة بن حارث بن الخزرج بن عمر بن مالك بن أوس، ولكن لم يشتهر عدوي بتلك النسبة، فإنه قال السمعاني في "الأنساب" (1): العدوي بفتح العين والدال المهملتين، هذه النسبة إلى خمسة رجال.

ثم قال: والثالث: عديُ الأنصارِ، منهم حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو الأنصاري (2) من بني عدي بن النجار، شهد بدرًا، وحارثة بن سراقة من بني عدي بن النجار، فهذا يرشدك أن المشهور الذي في الأنصار هو المنسوب إلى عدي النجار، ولهذا لم يقل أحد ممن ضبط أسماء الرجال لعبيد الله ولا لرافع بن خديج العدوي إلَّا أبو داود.

(عن أبي سعيد الخدري قال) أي أبو سعيد: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقال له) أي في حال يسأل عنه، فالجملة حالية:(إنه يُستقى لك)

(1)(4/ 167).

(2)

وفي الأصل: حسان بن ثابت بن حسان بن عمرو الأنصاري، وهو سبق قلم، والتصويب عن "الأنساب" للسمعاني.

ص: 394

مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ! - وَهِيَ بِئْر يُلْقَى فِيهَا لُحُومُ الْكِلَاب وَالْمَحَائِضُ وَعِذَرُ النَّاسِ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيءٌ"[حم 3/ 86، ق 1/ 257، قط 1/ 30]

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَسَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بْنَ سعيدٍ قَالَ: سَألْتُ قَيِّمَ بِئْرِ

===

أي يطلب السقي لك (من بئر بضاعة و) الحال (هي) أي بئر بضاعة (بئر يلفى فيها لحوم الكلاب والمحائض) جمع محيض، والمراد به خرق الحيض الملطخة بالدم (وعِذر الناس) بفتح عين وكسر ذال فراء، وروي بكسر عين وفتح ذال، أي: غائطُهم، تلقيها الرياح أو السيل، فإنه كان بمنخفض من المكان ومنحدر السيل.

(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الماء طهور لا ينجسه شيء)، والمراد من الماء ماء بئر بضاعة؛ لأن السؤال وقع عن مائها لا ينجسه شيء بما يلقى فيها من لحوم الكلاب والمحائض وعذر الناس، ولا يمكن أن يكون الحكم على عمومها بأن الماء مطلقًا قليلاً كان أو كثيرًا طاهر ومطهر لا ينجسه وقوع شيء، سواء كان مغيرًا لأوصافه أو غير مغير؛ لأنه أجمعت الأمة على أن الماء قليلاً كان أو كثيرًا إذا تغير أحد أوصافه بوقوع النجاسة يتنجس.

ومحال عند العقل أن تلقى في البئر تلك النجاسات الكثيرة، ولا يتغير أحد أوصاف الماء، ويستحيل أيضًا أن يشرب من مثل ذلك الماء من في طبعه أدنى نظافة فضلاً عنه صلى الله عليه وسلم الذي بلغ من النظافة واللطافة في أعلى المرتبة، فيجب تأويلها بما قاله العلماء من أنه يلقي فيها السيل تلك النجاسات ثم تخرج منها، فليس فيه حجة لأحد من المالكية والشافعية؛ لأنه يزيد على القلتين فلم يتنجس.

(قال أبو داود: وسمعت قتيبة بن سعيد قال: سألت قيِّم (1) بئر

(1) أي القائم بخدمتها. "ابن رسلان". (ش).

ص: 395

بُضَاعَةَ عن عُمْقِهَا، فَقُلْتُ: أَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِيهَا الْمَاءُ؟ قَالَ: إِلَى الْعَانَةِ. قُلْتُ: فَإِذَا نَقَصَ؟ قَالَ: دُونَ الْعَوْرَةِ.

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَدَّرْتُ أَنَا بِئْرَ بُضَاعَةَ بِرِدَائِي: مَدَدْتُهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ ذَرَعْتُهُ، فَإِذَا عَرْضُهَا سِتَّةُ أَذْرُع، وَسَأَلْتُ الَّذِي فَتَحَ لِي بَابَ الْبُسْتَانِ فَأَدْخَلَنِي إِلَيْهِ هَلْ غُيِّرَ بِنَاؤهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَا،

===

بضاعة عن عمقها، فقلت: أكثر ما يكون فيها الماء؟ قال) أي القيم: (إلى العانة) أي منبت الشعرة تحت السرة، (قلت: فإذا نقص؟ قال: دون العورة).

لعل غرض المصنف بذلك بيان أن بئر بضاعة لما حكم بطهارة مائها مع وقوع تلك النجاسات فيها ثم لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج مائها ثبت أن الماء لا ينجسه شيء، ثم لما أجاب البعض عنه يكون مائها جاريًا في البساتين والنخلات وقالوا: إن عدم تنجسها لكونها جارية لا لأن الماء بإطلاقه لا ينجسه شيء، أراد أبو داود دفعه بأن الماء فيها كان إلى العانة أو إلى دون العورة، فكيف يحكم عليه بالجريان، ومما ينبغي أن يتنبه عليه أن الجريان لا يستلزم كونها نهرًا، بل الجريان بكثرة النزع من البئر، كما هو في سقي الأشجار أيضًا جريان، وكذلك كثيرًا ما يكون في داخل البئر مدخل الماء، ومخرجه، كما هو مشاهد في "بئر أريس"، فيجري الماء فيها.

(قال أبو داود: وقدرت أنا بئر بضاعة بردائي: مددته) أي الرداء (عليها) أي على البئر (ثم ذرعته) أي الرداء، قال في "القاموس": وذرع الثوب كمنع: قَاسَه (فإذا عرضها) أي البئر (ستة أذرع) جمع ذراع بالكسر، من طرف المرفق إلى طرف الأصبع الوسطى (وسألت الذي فتح لي باب البستان) الذي فيه البئر (فأدخلني إليه) أي إلى البستان (هل غُيِّرَ بناؤها) أي بناء البئر (عماكانت عليه؟ قال: لا).

ص: 396