الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(38) بَابُ سُؤْرِ الْهِرَّةِ
75 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عن مَالِكٍ، عن إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عن حُمَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عن كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ -:
===
(38)
(بابُ سُؤْرِ الْهِرَّةِ)(1)
أي ما حكمها في الطهارة والنجاسة؟
وا لهرة: السنَّور
75 -
(حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك) بن أنس، (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري النجاري، أبو يحيى المدني، ثقة حجة، مات سنة 132 هـ، (عن حميدة (2) بنت عبيد بن رفاعة) الأنصارية الزرقية، أُم يحيى المدنية، وهي والدة ولده يحيى بن إسحاق، مقبولة، (عن كبشة (3) بنت كعب بن مالك) الأنصارية، زوج عبد الله بن أبي قتادة، وهي خالة حميدة بنت عبيد المذكورة، قال ابن حبان: لها صحبة (وكانت تحت ابن أبي قتادة) أي في نكاحه، وهو عبد الله بن أبي قتادة.
(1) وللذكر الهر، وجمعه هررة. (ش).
(2)
بسط على ترجمتها صاحب "الغاية"، قال ابن رسلان: اختلف فيها هل هي بفتح الحاء أو بالتصغير؟ وفي "الأوجز"(1/ 375): بالفتح في رواية يحيى، هي زوجة إسحاق الراوي عنها، قال ابن منده: أم يحيى اسمها حميدة، وخالتها كبشة، ولا تعرف لهما رواية إلَّا هذه، ومحلهما محل الجهالة، ولا يثبت هذا الخبر بوجه من الوجوه وسبيله المعلول، قال ابن دقيق العيد: جرى ابن منده على ما اشتهر عند أهل الحديث أن من لم يرو عنه إلَّا واحد فهو مجهول، ولعل من صححه اعتمد على تخريج مالك مع ما علم من تشدده
…
إلخ، قاله ابن رسلان، ونقل عن أحمد بن حنبل يقول: مالك إذا روى عن رجل لا يُعْرَف فهو حجة. (ش).
(3)
قيل: هي صحابية، فإن ثبت فلا يضر الجهل بحالها، كذا قال ابن رسلان. (ش).
أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَشَرِبَتْ مِنْهُ، فَأَصْغَى لَهَا الإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ. قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا بِنْتَ (1) أَخِي؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ،
===
(أن أبا قتادة دخل) عليها، كما في رواية، وهي زوج ابنه عبد الله بن أبي قتادة (فسكبت)(2) أي كبشة، يعني صبَّت، وقال الأبهري: بضم التاء على المتكلم، ويجوز السكون على التأنيث، انتهى، لكن أكثر النسخ الحاضرة المصححة بالتأنيث (له) أي لأبي قتادة (وَضوءًا) بفتح الواو أي ماء الوضوء في إناء، (فجاءت هرة فشربت منه، فأصغى (3) لها الإناء) أي أماله إليها (حتى شربت) أي سهلًا.
(قالت كبشة: فرآني (4) أي أبو قتادة (أنظر إليه) أي إلى فعله متعجبة (فقال: أتعجبين) من إصغائي الإناء لها وشربها من وضوئي (يا بنت أخي؟ ) هذا على عادة العرب أن بعضهم يقول لبعض: يا ابن أخي وإن كانا ابني عمَّين، ويا أخا فلان وإن لم يكن أخًا له في الحقيقة، ويجوز في تعارف الشرع لأن المؤمنين إخوة.
(فقلت: نعم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال: إنها) أي الهرة أو سؤرها (ليست بنجس) مصدر، يستوي فيه المذكر والمؤنث، ولو قيل
(1) وفي نسخة: "يا ابنة". (ش).
(2)
فيه جواز الإعانة على الوضوء، كذا في ابن رسلان. (ش).
(3)
قال ابن رسلان: قد سقى أبو قتادة الهرة ولم يستأذنها، ففيه دليل على جواز مثل هذا للضيف، وعلى أن الضيف إذا قدم إليه خبز ونحوه له أن يطعم الهرة منه خلافًا لما قاله أصحابنا: إنه ليس له إطعام هو وسائل. (ش).
(4)
فيه حسن الأدب مع الأكبر في عدم الإنكار عليه. "ابن رسلان". (ش).
إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ". [ن 68، ت 92، جه 367، حم 5/ 296، طـ 1/ 23]
===
بكسر الجيم لقيل: بنجسة، لأنها صفة الهرة، كذا قاله بعض الشراح، وذكر الكاذروني أن بعض الأئمة قال: هو بفتح الجيم، والنجس النجاسة، فالتقدير: أنها ليست بذات نجس
…
إلخ، وفيما سمعنا وقرأنا على مشايخنا هو بكسر الجيم وهو القياس، أي ليست بنجسة، ولم يلحق التاء نظرًا إلى أنها في معنى السؤر، وأكثر النسخ المصححة على الأول، فعليه المعوَّل؛ لأن النجس بالفتح في اصطلاح الفقهاء عين النجاسة، وبالكسر المتنجس.
(إنها) استئناف في معنى التعليل، أي لأنها (من الطوافين عليكم)(1) الطائف الذي يخدمك برفق، شبَّهها بالمماليك وخدم البيت الذين يطوفون بالخدمة، قال الله تعالى:{طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} وألحقها بهم؛ لأنها خادمة أيضًا حيث تقتل المؤذيات، أو لأن الأجر في مواساتها كما في مواساتهم (والطوَّافات)، وفي رواية (2) بلفظة "أو"، قال ابن حجر: وليست للشك لوروده بالواو في روايات أخر، بل للتنويع، ويكون ذكر الصنفين من الذكور والإناث.
قلت: اختلفت الروايات الواردة في سؤر الهرة، فهذه الروايات التي
(1) قال البغوي (1/ 376): يؤول بوجهين: أحدهما شبهها بالمماليك والخدم كما في قوله تعالى: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [سورة النور: الآية 58] ، والآخر شبهها بمن يطوف للحاجة والمسألة، قال ابن دقيق العيد: وهذا غريب بعيد؛ لأن قوله من "الطوافين" يقتضي التعليل بما سبق. "ابن رسلان". (ش).
(2)
وبـ "أو" في نسخة ابن رسلان، وقال: قال الباجي: يحتمل الشك. "ابن سلان". (ش).
[وقال العيني في "شرح سنن أبي داود" (1/ 21): ويروى بواو العطف ويروى بأو للشك وغيره، وروي الوجهان عن مالك].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أخرجها أبو داود وغيره تدل على أن سؤرها طاهر، واختلف المحدثون في رواية أبي قتادة، فصححها البخاري والدارقطني وغيرهما، وأعلَّها ابن منده بأن حميدة الراوية لها عن كبشة مجهولة، وكذلك كبشة، قال: ولم يعرف لهما غير هذا الحديث، وقد قال صاحب "الجوهر النقي" (1): وحديث أبي قتادة إسناده مضطرب اضطرابًا كثيرًا، قد بَيَّنَ البيهقي بعضه، وفيه امرأتان مجهولتان، وقد تقدم أن ابن منده قال: لا يثبت بوجه من الوجوه، وكذلك الحديث الثاني فيه أم داود بن صالح مجهولة، ولم أو تصريحًا من أحد المحدثين أنه حكم بصحتها، بل قال صاحب "الجوهر النقي": وحديث عائشة فيه مجهولة عند أهل العلم، وهي أم داود بن صالح، ولهذا قال البزار: لا يثبت من جهة النقل.
وأما الروايات التي تدل على نجاستها أو كراهتها، فمنها ما أخرجه الترمذي (2) في "باب ما جاء في سؤر الكلب"، حدثنا سوار بن عبد الله العنبري، نا المعتمر بن سليمان قال: سمعت أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يغسل الإناء إذا وَلَغَ فيه الكلب سبع مرات، أولاهن أو أخراهن بالتراب، وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة"، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، ثم قال الترمذي: وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا ، ولم يذكر فيه:"وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة"، فهذه الجملة الأخيرة التي في سؤر الهرة رويت مرفوعة، زيادة ثقة، فتقبل، وقد حكم عليه الترمذي - رحمه الله تعالى - بكونه حسنًا صحيحًا، ولعله لم يلتفت للوقف مع رواية الرفع.
(1)"السنن الكبرى" مع "الجوهر النقي"(1/ 248).
(2)
"سنن الترمذي"(ص 91).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وقد أخرج الدارقطني (1) من طريق هشام عن محمد موقوفًا على أبي هريرة، في سؤر الهر يهراق ويغسل الإناء مرة أو مرتين، كذلك أخرج رواية معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة موقوفة، قال في الهر يلغ في الإناء قال: اغسله مرة وأهرقه.
ومنها: ما أخرج الدارقطني برواية أبي عاصم قال: حدثنا قرة بن خالد، ثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طهور الإناء إذا ولغ فيه الكلب يغسل سبع مرات، الأولى بالتراب، والهر مرة أو مرتين"، قرة يشك، قال أبو بكر: كذا رواه أبو عاصم مرفوعًا، ورواه غيره عن قرة ولوغ الكلب مرفوعًا، وولوغ الهر موقوفًا، ثم أخرج الرواية الموقوفة برواية مسلم بن إبراهيم عن قرة موقوفة على أبي هريرة، في الهر يلغ في الإناء قال: اغسله مرة أو مرتين، ووافقهما في الرفع عبد الوارث عن أيوب، وكذلك ابن عون عن محمد بن سيرين في الرفع، وهؤلاء أيضًا جماعة وقد زادوا الرفع، وزيادة الثقة مقبولة على ما عرف، ولا نسلم أن ذلك مدرج، فإن الراوي تارة ينشط فيرفع الحديث، وتارة يفتي به فيقفه، وهذا أولى من تخطئة الرافعين.
وقد أسند الطحاوي (2) عن ابن سيرين أنه كان إذا حدث عن أبي هريرة فقيل له: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: كل حديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فظهر بهذا أن المرفوع أثبت وأولى من الموقوف، والموقوف له حكم المرفوع.
(1)"سنن الدارقطني"(1/ 67).
(2)
"شرح معاني الآثار"(1/ 20).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ثم ساق الدارقطني الرواية التي تدل على أن الإناء يغسل من الهر كما يغسل من الكلب، منها ما أخرجه من رواية يحيى بن أيوب بسنده عن أبي هريرة موقوفًا، ثم قال: هذا موقوف، ولا يثبت عن أبي هريرة، ويحيى بن أيوب في بعض أحاديثه اضطراب.
ثم أخرج برواية روح بن الفرج عن سعيد بن عفير قال: حدثنا يحيى بن أيوب، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يغسل الإناء من الهر كما يغسل من الكلب"، ثم قال الدارقطني: لا يثبت هذا مرفوعًا، والمحفوظ من قول أبي هريرة، واختلف عنه.
ثم أخرج برواية ليث بن سليم (1) عن عطاء عن أبي هريرة قال: إذا ولغ السنور في الإناء غسل سبع مرات، ثم قال: موقوف لا يثبت، وليث سيئ الحفظ.
ثم أخرج بسنده عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يجعل الهر مثل الكلب، يغسل سبعًا، قال: وحدثنا ابن جريج قال: قلت لعطاء: الهر؟ قال: هي بمنزلة الكلب، أو شر منه.
ثم أخرج بسنده عن مجاهد أنه قال في الإناء تلغ فيه السنور قال: اغسله سبع مرات.
فهذه الروايات الموقوفة وإن كان تكلم فيها الدارقطني، ولكن أنت تعلم أن يحيى بن أيوب الغافقي ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الترمذي عن البخاري: ثقة، وقال يعقوب بن سفيان: كان ثقة حافظًا،
(1) كذا في الأصل، والصواب: ابن أبي سليم، كما في الدارقطني (1/ 67). (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وقال إبراهيم الحربي: ثقة، وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: صالح، وقال مرة: ثقة، فقول الدارقطني: في بعض أحاديثه اضطراب، لا يقدح فيه، وروح عن سعيد بن عفير الذي يروي عنه مرفوعًا فقال فيه صاحب "الجوهر النقي" (1): قلت: روح هذا روى عنه جماعة من الأئمة، كالمحاملي، والحاكم في "المستدرك"، والطبراني، والأصم، وغيرهم، ووَثَّقه أبو بكر الخطيب، فوجب قبول زيادته، كيف وقد تابعه على ذلك غيره، فأخرج الطحاوي هذا الحديث عن ربيع الجيزي، عن سعيد بن عفير بسنده، والجيزي وثقه أيضًا الخطيب، وروى له أبو داود والنسائي، كذا ذكر صاحب "الإِمام" عن الطحاوي، انتهى.
فهذه الروايات لو سُلم ضعفُها بانفرادها، فمجموعها يتقوَّى بعضُها ببعض، تدل على نجاسة سؤر الهرة، وتأيدت بآثار الفقهاء من التابعين طاوس وعطاء ومجاهد، ولولا مخالفة الأحاديث التي تدل على طهارة سؤرها نصًّا وهي أقوى منها، ومخالفة الإجماع الذي في زمان أتباع التابعين من الأئمة لكان القول بنجاسة سؤر الهرة أولى، ولكن لما خالفتها الروايات القوية، ودلت على طهارتها نصًا، ولم يوجد قول أحد من الأئمة بعد طاوس وعطاء ومجاهد بنجاستها، فكأنه انعقد الإجماع على طهارتها، فتركت هذه الروايات، وبقي الاختلاف على وجود الكراهة وعدمها مع بقاء الاتفاق على طهارتها، فهذا حاصل الاختلاف في هذه المسألة.
وأما المذاهب، فاختلفوا على أقاويل، فقال بعضهم: سؤر الهر طاهر، وإليه ذهب الشافعي (2) وأبو يوسف، وعند
(1)"الجوهر النقي" مع "السنن الكبرى"(1/ 247).
(2)
والحنابلة كما في "المغني"(1/ 72). (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أبي حنيفة (1) طاهر مكروه، والكراهة فيه كراهة تحريمية أو تنزيهية قولان.
قال في "الهداية": وسؤر الهرة طاهر مكروه، ثم قيل: كراهته لحرمة اللحم، وقيل: لعدم تحاميها النجاسة، وهذا يشير إلى التنزه، والأول إلى القرب من التحريم.
وفي "الدر المختار"(2): طاهر للضرورة، مكروه تنزيهًا في الأصح إن وجد غيره، وإلَّا لم يكره أصلًا كأكله لفقير، فالقول بطهارة سؤرها مع كراهة التنزيه أعدل الأقوال وأوفق الروايات؛ لأن النزاع ليس في النجاسة للاتفاق على سقوطها بعلة الطواف المنصوصة في قوله صلى الله عليه وسلم:"إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات"، يعني: أنها تدخل المضايق، ولازمه شدة المخالطة بحيث يتعذر معه صون الأواني منها بل النفس، والضرورة اللازمة من ذلك أسقطت النجاسة كما أنه سبحانه وتعالى أوجب الاستئذان وأسقطه عن المملوكين {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ} (3) أي عن أهلهم في تمكينهم من الدخول في غير الأوقات الثلاثة بغير إذن، لأجل الطواف المفاد بقوله تعالى عقيبه:{طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} (4).
فهذا الحديث المذكور وإن دل على طهارة سؤرها للضرورة، لكنه لا ينفي الكراهة، وقد ثبتت الكراهة بالأحاديث التي ذكرناها بدلالتها على
(1) وحكى الطحاوي الإباحة عن الصاحبين، والكراهة عن الإِمام، ونظر فيه لحرمة اللحم، وأجاب عن روايات الطواف بأنها محمولة على مماسة الثياب. (ش).
[قلت: لكن الطحاوي في "مشكل الآثار" (7/ 82) جعل أبا يوسف مع الشافعي، ومحمدًا مع أبي حنيفة، وهو الأصح].
(2)
انظر: "رد المحتار"(1/ 384).
(3)
سورة النور: الآية 58.
(4)
سورة النور: الآية 58.
76 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: حَدَّثنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عن دَاوُدَ بْنِ صَالِحِ بْنِ دِينَارٍ الْتَّمَّارِ،
===
الغسل، وأيضًا يمكن أن يوجه بأنه صلى الله عليه وسلم نهى المستيقظ عن إدخال اليد في الماء قبل غسلها لتوهم النجاسة، فكره غمسها في الماء، فكذلك لو حكم بكراهية الماء الذي ولغت فيه الهرة لتوهم نجاسة فمها لكان أولى؛ لأن توهم النجاسة في الهرة أقوى من توهم النجاسة في يد المستيقظ.
فالحديث الذي استدل به الحنفية على كراهة سؤرها من قوله صلى الله عليه وسلم: "الهر سبُع"(1)، لا حاجة إليه، وأما ما قاله الشوكاني (2): وقال أبو حنيفة: بل نجس كالسبع (3) لكن خفف فيه، فكره سؤره، ليس معناه أنه نجس مع الكراهة، بل معناه أنه كان في الأصل نجسًا كما هو حكم سؤر الكلب وسائر السباع، إلَّا أنه خفف فيه لعلة الطواف، فارتفعت النجاسة وبقيت الكراهة، والله أعلم.
76 -
(حدثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (قال: حدثنا عبد العزيز) بن محمد الدراوردي (عن داود بن صالح بن دينار التمار) مولى الأنصار، روى عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف والقاسم وسالم وأبي سلمة وأبيه صالح وغيرهم، وعنه هشام بن عروة وابن جريج والدراوردي وغيرهم، قال حرب عن أحمد: لا أعلم به بأسًا، وذكره ابن حبان في "الثقات"، كذا قال الحافظ في "تهذيب التهذيب"، وقال في "الإكمال": داود بن صالح هو داود بن صالح بن دينار التمار، مولى الأنصار، المدني، روى عن سالم بن عبد الله، وعن أبيه، وأمه.
(1) أخرجه الدارقطني في "سننه"(ح 180).
(2)
"نيل الأوطار"(1/ 44).
(3)
لقوله عليه الصلاة والسلام: "الهرة سبع"، وبسط الكلام عليه ابن العربي (1/ 138). (ش).
عن أُمّهِ: أَن مَوْلَاتَهَا أَرْسَلَتْهَا بِهَرِيسَةٍ إِلَى عَائِشَةَ فَوَجَدْتُهَا تُصَلِّي، فَأَشَارَتْ إِلَيَّ أَنْ ضَعِيهَا، فَجاءَتْ هِزَةٌ فَأَكَلَتْ مِنْهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَتْ أَكَلَتْ مِنْ حَيْثُ أَكَلَتِ الْهِرَّةُ ،
===
(عن أمه)(1) أي والدة داود بن صالح، لم يذكرها أحد في الكتب التي تتبعتها إلَّا الذهبي في "الميزان"(2) فقال في آخر كتابه، في من لم تسم من النساء: والدة داود بن صالح التمار عن عائشة وعنها ابنها ، ولم يزد على ذلك، فالظاهر أنها مجهولة.
(أن مولاتها)(3) أي مولاة أمه أي معتقتها بصيغة المعلوم، ولم تسم أيضًا (أرسلتها) أي أم داود (بهريسة) في "لسان العرب": الهرس: الدق، ومنه الهريسة، وقيل: الهريس الحب المهروس قبل أن يطبخ، فإذا طبخ فهو الهريسة، وسمِّيت الهريسة (4) هريسة، لأن البر الذي هي منه يُدَقُّ ثم يُطبخ، ويسمى صانعها هرَّاسًا (إلى عائشة) قالت أم داود:(فوجدتها) أي عائشة (تصلي فأشارت) أي عائشة (إليَّ أن ضعيها)"أن" مفسرة أو مصدرية أي بوضعها، قال الطيبي:"أن" مفسرة لمعنى القول في الإشارة، وفيه دليل على أن مثل هذه الإشارة جائزة في الصلاة، انتهى، لأنها ليست بعمل كثير (فجاءت هرة، فأكلت منها، فلما انصرفت) عائشة من صلاتها (أكلت من حيث أكلت الهرة) أي من محل أكلها، انتهى،
(1) ذكر ابن رسلان أن اسمها خولة، لكن لم أر في كتب الرجال فيمن اسمها خولة ذكرَ هذا الحديث. (ش).
(2)
(4/ 615).
(3)
ترك البياض بعدها ابن رسلان. (ش).
(4)
تتخذ من الحبوب واللحم. (ش).
[قلت: وقال العيني في "شرح سنن أبي داود" (1/ 333): الهريسة: طعام من قمح ولحم مدقوق].
فَقَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إنَّمَا هِيَ مِنَ الطَوَّافِينَ عَلَيْكُم"، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يتَوَضَّأ بِفَضْلِهَا. [ق 1/ 246، 247، قط 1/ 66]
===
"علي القاري"، وإنما فعلت ذلك ولم تنزه عنها تعليمًا للمسألة، ولو تنزهت لظنت حرمتها ونجاستها.
(فقالت) هو إما جواب عن سؤال مقدر إن لم تسأل عنها، أو عن محقق إن سئلت:(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ليست بنجس) بفتح الجيم، وقيل بالكسر (إنما هي من الطوافين عليكم)، فلعلة الطواف وعدم إمكان الاحتراز عنها ارتفع حكم النجاسة؛ لأن الله تعالى يريد بكم اليسر (وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها)(1) عملاً بالرخصة (2) وبيان الجواز، قال ابن حجر: وسنده حسن، وفيه نظر، لأنه قال الدارقطني: تفرد به عبد العزيز بن محمد، عن داود بن صالح، عن أمه، عن عائشة بهذا اللفظ. كذا نقله السيد عن التخريج، قاله القاري (3).
قلت: وكيف يكون سنده حسنًا، وفيه أم داود بن صالح مجهولة لا يدرى حالها، والحديث يدل على أن سؤر الهرة طاهر لعلة الطواف، ولا يدل على نفي الكراهة أصلاً، وقد مر البحث فيما تقدم.
(1) أخرجه أبو حنيفة في "مسنده" وزاد: "وشرب ما بقي". (ش). [انظر: "عقود الجواهر المنيفة" (1/ 73)].
(2)
أو رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنها شربت الماء قبل ذلك فارتفعت علة الكراهة، وهي عدم توقيها النجاسة لغسل فمها حينئذ، يستنبط هذا الجواب من كلام "البحر"(1/ 230). (ش).
(3)
"مرقاة المفاتيح"(2/ 187).