الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد الأول
مقدمة
…
تصدير: الطبعة الأولى:
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدك اللهم على ما أوليتني من نعمك السابغة، وآلائك الضافية، وأصلي وأسلم على رسولك المجتبى، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم.
وبعد: فلا مراء أن خطب العرب في عصور ازدهار اللغة مرآة يتجلى فيها ما حباهم الله من ذلاقة اللسان، وعذوبة البيان، ومعرض يتمثل فيه نتاج قرائحهم، وثمرات ألبابهم، في كثير من مناحي القول، وإنها لتعد -بعد القرآن الكريم والحديث الشريف- مثالًا ساميًا للبلاغة العربية، ونموذجًا قويمًا يجتذيه المتأدب في تقويم قلمه المعوج، وشحذ لسانه الكليل، وهي فوق ذلك معين فياض يستقي منه مؤرخ الأدب العربي ما يعن له من آراء، ومادة عزيرة يستنبط منها ما يقفه عليه البحث من فكر.
وقد نظرت فوجدت تلك الخطب مبعثرة منثورة في كتب الأدب والتاريخ، لا يؤلف بينها نظام، ولا يضم أشتاتها كتاب، فإذا ما شئت أن تتعرف صورة الخطابة في عصر
من العصور، أو تترجم لخطيب من خطباء العربية، ألقيت الطريق أمامك وعرة شائكة، وأنفقت مديدًا في التنقيب عن خطبه في بطون الأسفار؛ بله ما يعترضك من مشاق في تحرير ألفاظها، وتحقيق عباراتها، لما نالها من عبث النساخ والطباع، من التصحيف والتحريف الذي ينبهم معه معناها، ويستغلق به تفهمها.
كل أولئك حدا بي أن أعبد السبيل لشداة الأدب العربي إلى ذلك التراث النفيس، الذي يتوقون إلى الارتواء من مناهله العذبة؛ فلا يكادون يسيغونها، ويصبون إلى اجتناء ثماره الشهية؛ فتحول دونها الأشواك، وفيهم من درس اللغات الإفرنجية، وتزود من أفكار الغربيين وآرائهم بقسط وفير؛ ولكنه تعوزه جزالة اللفظ، ورصانة الأسلوب.
استخرت الله؛ فجمعت كل ما أثر عن العرب في عصور العربية الزاهرة، من خطب ووصايا من مظانها -على قدر ما هداني إليه اطلاعي- وضمت إليها ما دار في مجالس الملوك والخلفاء والرؤساء، من حوار ومجاوبة، أو جدال ومناظرة، مما يدخل في باب الخطب، وينتظم في سلكها، وأودعتها ذلك السفر كي يكون لها ديوانًا جامعًا، ومرجعًا عامًّا، يسهل مراجعتها فيه، وسميته: جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة.
وبوبته أربعة أبواب في ثلاث أجزاء:
الجزء الأول:
ويحوي الباب الأول في خطب الجاهلية، والباب الثاني في خطب صدر الإسلام.
الجزء الثاني:
ويحوي الباب الثالث: في خطب العصر الأموي.
الجزء الثالث:
ويحوي الباب الرابع: في خطب العصر العباسي الأول، وذيل الجمهرة، في خطب متفرقة.
وإذا كان الشريف الرضي رحمه الله قد أفرد خطب الإمام علي كرم الله وجهه بمؤلف خاص، وهو:"نهج البلاغة" والإمام أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر طيفور، قد جمع في مؤلفه:"بلاغات النساء" طائفة قيمة من كلام بليغات النساء، وطرائف أقوالهن. رأيت أن نقلي ما ورد في هذين السفرين الجليلين بحذافيره، ليس على الحقيقة إلا ضمهما إلى كتابي، وتضخيمة بهما؛ ولذلك اجتزأت بإيراد جمله صالحة مماجاء فيهما؛ مما استدعاه المقام.
ولم أقتصر على إيراد الخطبة بإحدى الروايات الواردة فيها؛ بل عنيت بالتوفيق بين الروايات المختلفة، وإتمام بعضها من بعض، لما في ذلك من زيادة الفائدة للقارئ؛ فإذا ما رأيت الخطبة مروية بصورتين يتبين فيهما الاختلاف، أوردت الصورتين جميعًا.
وقد ضبطت ألفاظها ضبطًا وافيًا، وعقبت كل خطبة بذكر مصادرها التي نقلتها عنها، كما ذيلتها بشرح يفسر غريب ألفاظها، ويحل مستغلق كلماتها، وأوردت فيه كل ما تمس إليه الحاجة في فهمها، من نبذ تاريخية توضح المقامات التي ألقيت فيها، إلى ما هناك.
ولست أستطيع أن أصور للقارئ مقدار ما عانيت من المتاعب في رد كثير من الألفاظ إلى أصولها الصحيحة، بعد تقليبها على كل وجه ممكن، حتى تخلص من شوائب التشويه الشائن. الفاشي في كتب الأدب والتاريخ.
وإني أقدم كتابي هذا إلى أبناء العربية الشريفة، وفاء بما لها في عنقي من حق واجب، وصنيعة مشكورة، والله أسال أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به النفع المرجو منه، وأن يمدني بروح منه، ويظلني بظلال الصحة
والعافية، حتى أصدر ما اعتزمت إصداره بعد تمام هذا الكتاب إن شاء الله، وهو كتاب:"جمهرة رسائل العرب في عصور العربية الزاهرة".
كي تكمل حلقة النثر العربي في تلك العصور، إنه المستعان، عليه توكلت وإليه أنيب،
أحمد زكي صفوت
حرر بالقاهرة في ربيع الآخر سنة 1352هـ.
يوليو سنة 1933م.