الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنقه في غير حد خير له من أن يخوض غمرات الدنيا، يا هادي الطريق جرت إنما هو والله الفجر أو البجر1".
فقلت: خفض عليك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا يهيضك2 إلى ما بك، فوالله ما زلت صالحًا مصلحًا، لا تأسى على شيء فاتك من أمر الدنيا، ولقد تخليت بالأمر وحدك فما رأيت إلا خيرًا.
"تهذيب الكامل 1: 6، وإعجاز القرآن 116، والعقد الفريد 2: 208، وتاريخ الطبري 4: 52".
1 الشر والأمر العظيم. يقول: إن انتظرت حتى يضيء لك الفجر والطريق أبصرت قصدك، وإن خبطت الظلماء وركبت العشواء هجمًا بك على المكروه، وضرب ذلك مثلًا لغمرات الدنيا وتحييرها أهلها.
2 هاض العظم: كسره بعد الجبور.
73-
خطبة السيدة عائشة في الانتصار لأبيها:
يروى أنه بلغ عائشة رضي الله عنها أن أقوامًا يتناولون أبا بكر رضي الله عنه فأرسلت إلى أزفلة1 من الناس، فلما حضروا أسدلت2 أستارها، وعلت وسادها، ثم قالت:
"أبي وما أبيه، أبي والله لا تعطوه الأيدي3، وذاك طود منيف4، وفرع5 مديد، هيهات كذبت الظنون، أنجح6 إذ أكديتم، وسبق إذ ونيتم7، سبق الجواد إذا استولى على الأمد8، فتى قريش ناشئًا، وكهفها9 كهلًا، يفك عانيها، ويريش10 مملقها، ويرأب شعبها11، ويلم شعثها، حتى حليته12 قلوبها، ثم
1 جماعة.
2 سدله يسدله: كنصر وضرب وأسدله أرخاه.
3 تتناوله.
4 الطود: الجبل، والمنيف: المشرف.
5 فرع كل شيء أعلاه، ومن القوم شريفهم.
6 أنجح: صر ذا نجح.
7 الكدية: بضم فسكون الأرض الغليظة، والصفاة العظيمة الشديدة، وحفر فأكدى إذا صادفها فلا يمكنه الحفر "وسأله فأكدى وجده مثلها": وونيتم أي فترتم وضعفتم.
8 الغاية والمنتهى.
9 الكهف: الوزر والملجأ، والكهل من جاوز الثلاثين أو أربعًا وثلاثين إلى إحدى وخمسين.
10 راش السهم يريشه ألزق عليه الريش كريشه، والمراد يعينه ويساعده.
11 يصلح. والشعب: الصدع.
12 حل الشيء: استحلاه.
استشرى1 في دين الله؛ فما برحت شكيمته2 في ذات الله عز وجل، حتى اتخذ بفنائه مسجدًا، يحيي فيه ما أمات المبطلون، وكان رحمه الله غزير الدمعة، وقيذ2 الجوانح، شجي النشيج4 فانقضت إليه نسوان مكة وولدانها، يسخرون منه ويستهزئون به {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} 5 فأكبرت ذلك رجالات من قريش، فجنت قسيها، وفوقت سهامها6، وامتثلوه7 غرضًا، فما فلوا له صفاة8، ولا قصفوا له قناة، ومر على سيسائه9، حتى إذا ضرب الدين بجرانه10، ورست أوتاده، ودخل الناس فيه أفواجًا، ومن كل فرقة أرسالًا11 وأشتاتًا، اختار الله لنبيه ما عنده، فلما قبض الله صلى الله عليه وسلم ضرب الشيطان رواقه12، ومد طنبه13، ونضب حبائله، وأجلب14 بخيله ورجله، واضطرب حبل الإسلام، ومرج 15 عهده، وماج أهله، وبغي الغوائل؛ فظنت رجال أن قد أكثبت16 أطماعهم، ولات حين الذي يرجون، وأنى والصديق بين أظهرهم، فقام حاسرًا مشمرًا،
1 غضب ولج.
2 الشكيمة: الأنفة وفي اللجام الحديد المعترضة في فم الفرس. وهو شديد الشكيمة، أنف: أبي لا ينقاد.
3 الوقيذ: الصريع والشديد المرض المشرف.
4 الشجي: الحزين، والنشيج: صوت البكاء تشج الباكي ينشج كمجلس غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب.
5 العمه بفتحتين التردد في الضلال.
6 فوق السهم: جعل له فوقًا، وهو موضع الوتر من السهم.
7 امتثلوه: مثلوه.
8 الحجر الصلد: الضخم.
9 شدته. حمله على سيساء الحق أي على حده، والسيساء: عظم الظهر، والعرب تضربه مثلًا لشده الأمر.
10 جران البعير: مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره.
11 جمع رسل بفتحتين وهو القطيع من كل شيء.
12 فسطاطه.
13 حبل طويل يشده به سرادق البيت أو الوتد.
14 أجلب: صاح، والخيل: الخيالة، ومنه "يا خيل الله اركبي" والرجل: اسم جمع راجل كالصحب والركب، أي صاح بالركاب والمشاة وقرئ ورجلك بكسر الجيم وضمها.
15 المرج: بفتحتين الفساد والقلق والاختلاط والاضطراب "وإنما يسكن مع الهرج".
16 أكثب: قرب، والنهز جمع نهزة بضم النون وهي الفرصة.
فجمع حاشيتيه1، ورفع قطريه2، فرد رسن3 الإسلام على غربه4، ولم شعثه بطبه، وانتاش5 الدين فنعشه؛ لما أراح6 الحق على أهله، وقرر الرءوس على كواهلها7 وحقن الدماء في أهبها8، أتته منيته، فسد ثلمته بنظيره في الرحمة، وشقيقه في السيرة والمعدلة، ذاك ابن الخطاب؛ فلله در أم9 حملت به، ودرت عليه، لقد أوحدت10 به، ففنخ11 الكفرة، وديخها12، وشرد الشرك شذر مذر13، وبعج14 الأرض وبخعها15، فقاءت أكلها16 ولفظت خبأها، ترأمه17 ويصدف عنها، وتصدى18 له ويأباها، ثم وزع فيها فيئها، وودعها كما صحبها، فأروني ماذا ترتئون، وأي يومي أبي تنقمون، أيوم إقامته إذا عدل فيكم أم يوم ظعنه إذ نظر لكم19؟ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ثم أقبلت على الناس بوجهها، فقالت: أنشدكم الله هل أنكرتم مما قلت شيئًا، قالوا: اللهم لا".
"صبح الأعشى 1: 248، والعقد الفريد2: 206، ونهاية الأرب 7: 230".
1 حاشية كل شيء: جانبه وطرفه.
2 القطر: الناحية.
3 الحبل.
4 الغرب: حد الشيء.
5 انتشل، ونعشه الله كأنعشه، ونعشه: رفعه.
6 أراح على فلان حقه: رده عليه.
7 الكاهل: مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق.
8 جمع إهاب، وهو الجلد، والمراد الأجسام.
9 الدر: اللبن والنفس والعمل.
10 أوحدت المرأة: ولدت واحدًا، أي جاءت به منفردًا لا نظير له.
11 أذل وقهر.
12 داخ البلاد ودوخها وديخها: قهرها واستولى على أهلها.
13 تفرقوا شذر مذر: ذهبوا في كل وجه.
14 شقها: كناية عن الفتح.
15 قهر أهلها واستخرج ما فيها من الكنوز وأموال الملوك.
16 الأكل: ما يؤكل، أي أخرجت خيراتها.
17 تعطف عليه، ويصدف أي يعرض.
18 تتعرض.
19 أي فيما يصلحكم فولى عليكم عمر.