الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الجهاد، فلو أني كلفت نقل الجبال الرواسي، ونزح البحور الطوامي1 حتى يأتي علي يومي في أمر أقوي به وليك وأهين عدوك، ما رأيت أني قد أديت فيه كل الذي يحق علي من حقك".
فقال علي عليه السلام: "اللهم نور قلبه بالتقى، واهده إلى صراطك المستقيم، ليت أن في جندي مائة مثلك، فقال حجر: إذن والله يا أمير المؤمنين صح جند، وقل فيهم من يغشك.
1 جمع طام، من طمي البحر: إذا امتلأ.
211-
مقال حجر بن عدي:
وقام حجر بن عدي فقال:
"يا أمير المؤمنين نحن بنو الحرب. وأهلها الذين نلقحها1 وننتجها، قد ضارستنا2 وضارسناها، ولنا أعوان وعشيرة ذات عدد، ورأي مجرب، وبأس محمود، وأزمتنا، منقادة لك بالسمع والطاعة، فإن شرقت شرقنا، وإن غربت غربنا، وما أمرتنا به من أمر فعلنا".
فقال علي عليه السلام: أكل قومك يرى مثل رأيك؟ قال: ما رأيت منهم إلا حسنًا، وهذه يدي عنهم بالسمع والطاعة وحسن الإجابة، فقال له علي عليه السلام خيرًا.
1 أصله من ألقح الفحل الناقة.
2 ضرسته الحرب تضريسًا: جربته وأحكمته، وضارس الأمور: جربها وعرفها.
212-
مقال هاشم بن عتبة:
وقال زياد بن النضر الحارثي لعبد الله بن بديل الخزاعي:
"إن يومنا ليوم عصبصب1، ما يصبر عليه إلا كل مشبع القلب، صادق النية
1 أي شديد.
رابط الجأش، وايم الله ما أظن ذلك اليوم يبقي منهم ولا منا إلا الرذال1" فقال عبد الله بن بديل: أنا والله أظن ذلك، فبلغ كلامهما عليًا عليه السلام، فقال لهما:"ليكن هذا الكلام مخزونا في صدروكما، لا تظهراه، ولا يسمعه منكما سامع، إن الله كتب القتل على قوم والموت على آخرين، وكل آتيه منيته كما كتب الله له، فطوبى للمجاهدين في سبيله، والمقتولين في طاعته" فلما سمع هاشم بن عتبة ما قالاه أتى عليا عليه السلام فقال:
"سر بنا يا أمير المؤمنين، إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم، الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وعملوا في عباد الله، بغير رضا الله، فأحلوا حرامه، وحرموا حلاله، واستهوى2 بهم الشيطان، ووعدهم الأباطيل، ومناهم الأماني، حتى أزاغهم عن الهدى، وقصد بهم قصد الردى، وحبب إليهم الدنيا، فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها، كرغبتنا في الآخرة، وانتجاز موعد ربنا، وأنت يا أمير المؤمنين أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وآله رحما، وأفضل الناس سابقة وقدما، وهم يا أمير المؤمنين يعلمون منك مثل الذي نعلم، ولكن كتب عليهم الشقاء، ومالت بهم الأهواء، وكانوا ظالمين. فأيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة، وقلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة، وأنفسنا تنصرك على من خالفك، وتولي الأمر دونك، جذلة، والله ما أحب أن لي ما على الأرض فما أقلت3، ولا ما تحت السماء فما أظلت، وأني واليت عدوًا لك، وعاديت وليًا لك".
فقال علي عليه السلام: "اللهم ارزقه الشهادة في سبيلك والموافقة لنبيك".
1 الدون: الخسيس، أو الرديء من كل شيء
2 استهواه: استماله والفعل متعد ومفعوله هنا محذوف: أي استوى الشيطان أتباعهم بهم؛ فالباء للسببية.
3 أي حملت.
213-
خطبة الإمام علي:
ثم إن عليًّا عليه السلام صعد المنبر، فخطب الناس ودعاهم إلى الجهاد، فبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم قال:
"إن الله قد أكرمكم بدينه، وخلقكم لعبادته، فانصبوا أنفسكم في أداء حقه، وتنَجَّزوا موعوده، واعلموا أن الله جعل أمراس1 الإسلام متينة، وعراه وثيقةً، ثم جعل الطاعة حظ الأنفس ورضا الرب، وغنيمة الأكياس2 عند تفريط العجزة، وقد حملت أمر أسودها وأحمرها، ولا قوة إلا بالله، ونحن سائرون إن شاء الله إلى من سفه3، نفسه وتناول ما ليس له، وما لا يدركه، معاوية وجنده، الفئة الطاغية الباغية، يقودهم إبليس، ويبرق لهم ببارق تسويفه، ويدليهم4 بغرروه، وأنتم أعلم الناس بالحلال والحرام، فاستغنوا بما علمتم، واحذورا ما حذركم الله من الشيطان، وارغبوا فيما عنده من الأجر والكرامة، واعلموا أن المسلوب من سلب دينه وأمانته، والمغرور من آثر الضلالة على الهدى، فلا أعرفن أحدًا منكم تقاعس5 عني، وقال في غيري كفاية، فإن الذود إلى الذود إبل6: ومن لا يذد من حوضه يتهدم.
ثم إني آمركم بالشدة في الأمر، والجهاد في سبيل الله، وأن لا تغتابوا مسلمًا، وانتظروا النصر العاجل من الله، إن شاء الله".
1 جمع مرس بفتحتين، ومرس جمع مرسة بفتحتين أيضًا: وهي الحبل.
2 جمع كيس: وهو ضد الأحمق.
3 أصله سفهت نفسه، فلما حول الفعل إلى الرجل انتصب ما بعده بوقوع الفعل عليه؛ لأنه صار في معنى سفه نفسه بالتشديد، ومثله: رشد أمره وبطر عيشه.
4 أي يحطهم عن منزلتهم. قال تعالى: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} .
5 تأخر وتقاعد.
6 الذود: ثلاثة أبعرة إلى العشرة أو خمسة عشر أو عشرين أو ثلاثين وهو مثل: أي إذا جمعت القليل مع القليل صار كثيرًا، فإلى بمعنى مع.