الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"يا أبا عمرو: أتنافر رجلًا هو أطول منك قامة، وأعظم هامةً، وأوسم منك وسامة1، وأقل منك ملامة، وأكثر منك ولدًا، وأجزل صفدًا2، وأطول منك مذودًا3، وإني لأقول هذا وإنك لبعيد الغضب، رفيع الصوت في العرب، جلد المريرة4، جليل العشيرة، ولكنك نافرت منفَّرا".
فغضب حرب وقال: إن من انتكاس5 الزمان أن جعلت حكمًا.
"تاريخ الكامل لابن الأثير 2:6، وتاريخ الطبري 2: 181".
1 الوسامة: الحسن والجمال.
2 الصفد: العطاء.
3 المذود: اللسان.
4 المريرة: الحبل الشديد الفتل، والعزيمة.
5 أي انقلاب الزمان من انتكس أي وقع على رأسه، وفي الطبري: انتكاث بالثاء من انتكاث الحبل وهو انتقاضه.
65-
ما أمر به عبد المطلب بن هاشم في منامه من حفر زمزم:
ولي عبد المطلب بن هاشم السقاية والرفادة بعد عمه المطلب، وشرف في قومه، وعظم شأنه، ثم إنه حفر زمزم، وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، التي أسقاه الله منها، وكانت جرهم قد دفنتها1، وكان سبب حفره إياها أنه قال:
"بينا أنا نائم بالحج إذا أتاني آت فقال: احفر طيبة، قلت: وما طيبة؟ فذهب وتركني؛ فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي، فنمت فيه، فجاءني فقال: احفر برة، قلت: وما برة؟ فذهب وتركني، فلما كان من الغد رجعت إلى مضجعي،
1 وذلك أن جرهم لما استخفت بأمر البيت الحرام، وارتكبوا الأمور العظام، قام فيهم رئيسهم مضاض بن عمرو خطيبًا ووعظهم فلم يرعووا؛ فلما رأى ذلك منهم عمد إلى غزالين من ذهب كانا في الكعبة وما وجد فيها من الأموال أي السيوف والدروع التي كانت تهدى إليها، ودفنها في بئر زمزم، وكانت قد نضب ماؤها فحفرها مضاض بالليل وأعمق الحفر ودفن فيها ذلك وطم البئر، وما زالت مطمومة إلى زمن عبد المطلب.
فنمت فيه؛ فجاءني فقال: احفر المضنونة. قلت: وما المضنونة؟ فذهب عني، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءني فقال: احفر زمزم، إنك إن حفرتها لا تذم2، تسقي الحجيج الأعظم، مثل نعام جافل لم يقسم3، ينذر فيها ناذر لمنعم، تكون ميراثًا وعقد محكم، ليس كبعض ما قد تعلم، وهي بين الفرث والدم4، عند نقرة الغراب الأعصم5، عند قربة النمل".
فلما بين له شأنها، ودله على موضعها، وعرف أنه قد صدق. غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث ليس له ولد غيره، فحفر بين أساف ونائلة، في الموضع الذي تنحر فيه قريش لأصنامها، وقد رأى الغراب ينقر هناك؛ فلما بدا له الطوي6 كبر، فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته.
"تاريخ الكامل لابن الأثير 2:5، والسيرة الحلبية 1: 31، وسيرة ابن هشام 1: 90".
1 طيبة، وبرة، والمضنونة: أسماء لزمزم.
2 نزفت البئر: نزحت كنزفت بالضم، وبئر ذمة بالفتح وذميم وذميمة: قليلة الماء؛ لأنها تذم.
3 جفل النعام: أسرع وذهب في الأرض، ولم يقسم: لم يفرق.
4 أي في محنهما، والفرث: السرجين في الكرش، وذلك بين إساف ونائلة، "وإساف ككتاب وسحاب: صنم وضعه عمرو بن لحي على الصفا، ونائلة على المروة تجاه الكعبة". وكانت قريش تذبح عندهما ذبائحها التي تتقرب بها.
5 الأعصم: قيل أحمر المنقار والرجلين، وقيل أبيض البطن، وقيل أبيض الجناحين، وقيل أبيض إحدى الرجلين.
6 الطوى: البئر.