الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
155-
خطبة سعيد بن العاص حين قدم الكوفة واليًا عليها:
عزل عثمان رضي الله عنه الوليد بن عقبة بن أبي معيط من إمارة الكوفة، وكان قد اتهم بشرب الخمر، وولى مكانه سعيد بن العاص سنة 30هـ، فلما قدم الكوفة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
"والله لقد بعثت إليكم وإني لكاره، ولكني لم أجد بدًا إذ أمرت أن ائتمر، ألا إن الفتنة قد أطلعت خطمها1 وعينيها، ووالله لأضربن وجهها حتى أقمعها أو تعييني2، وإني لرائد3 نفسي اليوم" ثم نزل.
"تاريخ الطبري 5: 63".
1 الخطم: جمع خطام، وهو ما وضع في أنف البعير ليقتاد به، والمراد ظهورها ونشوبها.
2 أي تعجزني.
3 الرود: الطلب.
156-
خطبة عبد الله بن الزبير حين قدم بفتح إفريقية:
1
قدم عبد الله بن الزبير على عثمان بن عفان بفتح إفريقية، فأخبره مشافهة، وقص عليه كيف كانت الوقعة، فأعجب عثمان ما سمع منه، فقال له: أتقوم بمثل هذا الكلام على الناس! فقال: يا أمير المؤمنين، إني أهيب لك مني لهم، فقام عثمان في الناس خطيبًا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس: إن الله قد فتح عليكم إفريقية، وهذا عبد الله بن الزبير يخبركم خبرها إن شاء الله، وكان عبد الله بن الزبير إلى جانب المنبر، فقام خطيبًا –وكان أول من خطب إلى جانب المنبر- فقال:
"الحمد لله الذي ألف بين قلوبنا، وجعلنا متحابين بعد البغضة، الذي لا تجحد نعماؤه، ولا يزول ملكه، له الحمد كما حمد نفسه، وكما هو أهله، انتخب محمدًا صلى الله
1 فتحها عبد الله بن سعد بن أبي سرح سنة 26هـ، وأمده عثمان بجيش يرأسه عبد الله بن الزبير.
عليه وسلم، فاختاره بعلمه، وأتمنه على وحيه، واختار له من الناس أعوانًا، قذف في قلوبهم تصديقه ومحبته، فآمنوا به وعزروه1 ووقروه، وجاهدوا في الله حق جهاده، فاستشهد2 الله منهم من استشهد على المنهاج الواضح، والبيع الرابح، وبقي منهم من بقي، لا تأخذهم في الله لومة لائم.
أيها الناس: رحمكم الله إنا خرجنا للوجه الذي علمتم، فكنا مع والٍ حافظ، حفظ وصية أمير المؤمنين، كان يسير بنا الأبردين3، ويخفض4 بنا في الظهائر، ويتخذ الليل جملًا، يعجل الرحلة من المنزل الجدب، ويطيل البث في المنزل الخصب، فلم نزل على أحسن حالة نعرفها من ربنا، حتى انتهينا إلى إفريقية، فنزلنا منها حيث يسمعون صهيل الخيل، ورغاء الإبل، وقعقعة السلاح، فأقمنا أيامًا نجم كراعنا5، ونصلح سلاحنا، ثم دعوناهم إلى الإسلام والدخول فيه، فأبعدوا منه، فسألناهم الجزية عن صغار أو الصلح، فكانت هذه أبعد، فأقمنا عليهم ثلاث عشرة ليلة نتأناهم، وتختلف رسلنا إليهم، فلما يئس منهم قام خطيبًا، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر فضل الجهاد، وما لصاحبه إذا صبر واحتسب، ثم نهضنا إلى عدونا، وقاتلناهم أشد القتال، يومنا ذلك، وصبر فيه الفريقان فكانت بيننا وبينهم قتلى كثيرة، واستشهد الله فيهم رجالًا من المسلمين، فبتنا وباتوا، وللمسلمين دوي بالقرآن كدوي النحل، وبات المشركون في خمورهم وملاعبهم، فلما أصبحنا أخذنا مصافنا التي كنا عليها بالأمس، فزحف بعضنا على بعض، فأفرغ الله علينا صبره، وأنزل علينا نصره، ففتحناها من آخر النهار، فأصبنا غنائم كثيرة، وفيئًا واسعًا، بلغ فيه الخمس خمسمائة ألف، فصفق6 عليها مروان بن الحكم، فتركت المسلمين قد
1 التعزير: التفخيم والعظيم والإعانة، وهو أيضًا ضرب دون الحد أو هو أشد الضرب ضد.
2 استشهد "مبنيًّا للمجهول" قتل في سبيل الله.
3 الأبردان: الغداة والعشي.
4 خفض بالمكان: أقام، والظهائر: جمع ظهيرة.
5 الكراع: جماعة الخيل، وأجم الفرس: ترك ركوبه.
6 صفق الباب يصفقه وأصفقه أغلقه: أي أغلق عليها باب الخزائن.