الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيها الناس إن أمر عثمان قد أعيا من شهده، فكيف بمن غاب عنه، وإن الناس بايعوا عليًا غير واتر ولا موتور، وكان طلحة والزبير ممن بايعاه، ثم نكثا بيعته على غير حدث، ألا وإن هذا الدين لا يحتمل الفتن، وقد كانت بالبصرة أمس روعة ملمة، إن يشفع البلاء بمثلها فلا بقاء للناس، وقد بايعت الأمة عليًّا، ولو ملكنا والله الأمور لم نختر لها غيره، فادخلْ معاويةُ فيما دخل فيه الناس، فإن قلت: استعملني عثمان ثم لم يعزلني، فإن هذا قول لو جاز لم يقم لله دين، وكان لكل امرئ ما في يديه، ولكن الله جعل للآخر من الولاة حق الأول، وجعل الأمور موطأة ينسخ بعضها بعضًا" ثم قعد.
"شرح ابن أبي الحديد 1: 248".
193-
خطبة معاوية:
فقال معاوية: أنظر وتنظر وأستطلع رأي أهل الشام، فمضت أيام، وأمر معاوية مناديًا ينادي: الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس صعد المنبر، ثم قال:
"الحمد لله الذي جعل الدعائم للإسلام أركانا، والشرائع للإيمان برهانا، يتوقد قبسه في الأرض المقدسة، جعلها الله محل الأنبياء والصالحين من عباده، فأحلهم أرض الشام، ورضيهم لها، لما سبق في مكنون علمه من طاعتهم ومناصحتهم خلفاءه والقوام بأمره، والذابين عن دينه وحرماته، ثم جعلهم لهذه الأمة نظامًا، وفي سبيل الخيرات أعلامًا، يردع الله بهم الناكثين، ويجمع بهم ألفة المؤمنين، والله نستعين على ما تشعب من أمر المسلمين بعد الالتئام، وتباعد بعد القرب.
اللهم انصرنا على أقوام يوقظون نائمنا، ويخيفون آمننا، ويريدون إراقة دمائنا، وإخافة سبلنا، وقد علم الله أنا لا نريد لهم عقابا، ولا نهتك لهم حجابا، ولا نوطئهم زلقا، غير أن الله الحميد كسانا من الكرامة ثوبا لن ننزعه طوعا، ما جاوب الصدى، وسقط الندى، وعرف الهدى، حملهم على ذلك البغي والحسد، فنستعين بالله عليهم.
"أيها الناس قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأمير المؤمنين عثمان بن عفان عليكم، وأني لم أقم رجلًا منكم على خزاية قط، وأني ولي عثمان وقد قتل مظلومًا، والله تعالى يقول: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً} وأنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان".
فقام أهل الشام بأجمعهم، فأجابوا إلى الطلب بدم عثمان وبايعوه على ذلك، وأوثقوا له على أن يبذلوا بين يديه أموالهم وأنفسهم حتى يدركوا بثأره أو تلحق أرواحهم بالله".
"شرح ابن أبي الحديد 1: 248".