الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
340-
خطبة خنفر الحماني:
ثم قام خنفر الحماني فقال:
"أيها الأمير: إنك لو رضيت منا بما ترضى به من غيرنا، لم نرض ذلك لأنفسنا، سر بنا إلى القوم إن شئت، وايم الله ما لقينا يومًا قط إلا اكتفينا بعفونا1 دون جهدنا، إلا ما كان أمس".
أما جارية فإنه كلم قومه فلم يجيبوه، وخرج إليه منهم أوباش فناوشوه بعد أن شتموه، فأرسل إلى زياد والأزد يستصرخهم، فسارت الأزد بزياد، وخرج إليهم ابن الخضرمي وعلى خيله عبد الله بن حازم السلمي، فاقتتلوا ساعة، فما لبثوا بني تميم أن هزموهم، وحصروا ابن الحضرمي في إحدى دور البصرة، في عدة من أصحابه، وحرق جارية الدار عليهم، فهلك ابن الحضرمي في سبعين رجلًا، وسارت الأزد بزياد حتى أوطنوه قصر الإمارة ومعه بيت المال، وقالوا له: هل بقي علينا من جوارك شيء؟ قال: لا، فانصرفوا عنه، وكتب زياد بذلك أمير المؤمنين عليه السلام.
"شرح ابن أبي الحديد م 1 ص 348، ونهج البلاغة 1: 53".
1 العفو: الزيادة.
341-
صعصعة بن صوحان ومعاوية:
أرسل علي كرم الله وجهه إلى معاوية بالشام كتابًا صحبة صعصعة بن صوحان، فسار به حتى أتى دمشق، فأتى باب معاوية، فقال لآذنه استأذن لرسول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -وبالباب جماعة من بني أميه- فأخذته النعال والأيدى، لقوله "أمير المؤمنين"، وكثرت عليه الجلبة، فاتصل ذلك بمعاوية، فأذن له، فدخل عليه،
فقال: السلام عليك يا بن أبي سفيان، هذا كتاب أمير المؤمنين، فقال معاوية: أما إنه لو كانت الرسل تقتل في جاهلية أو إسلام لقتلتك، ثم اعترضه معاوية في الكلام، وأراد أن يستخبره، ليعرف طبعًا أو تكلفًا، فقال له ممن الرجل؟ قال من نزار، قال وما كان نزار؟ قال كان إذا غزا انكمش1، وإذا لقي افترش2، وإذا انصرف احترش3، قال فمن أي أولاده أنت؟ قال من ربيعة، قال وما كان ربيعة؟ قال: كان يطيل النجاد4، ويعول العباد، ويضرب ببقاع الأرض العماد. قال فمن أي أولاده أنت؟ قال من جديلة، قال وما كان جديلة؟ قال كان في الحرب سيفًا قاطعًا، وفي المكرمات غيثًا نافعًا، وفي اللقاء لهبًا ساطعًا، قال فمن أي أولاده أنت؟ قال من عبد القيس، قال وما كان عبد القيس؟ قال كان حسنًا أبيض5 وهابًا، يقدم لضيفه ما وجد، ولا يسأل عما فقد، كثير المرق، طيب العرق، يقوم للناس مقام الغيث من السماء، قال ويحك يا بن صوحان! فما تركت لهذا الحي من قريش مجدًا ولا فخرًا؟ قال بلى والله يا بن أبي سفيان؟ تركت لهم ما لا يصلح إلا لهم، تركت لهم الأحمر والأبيض والأصفر6، والسرير والمنبر7، والملك إلى المحشر. ففرح معاوية، وظن أن كلامه يشتمل على قريش كلها، قال: صدقت يا بن صوحان، إن ذلك لكذلك، فعرف صعصعة ما أراد، فقال: ليس لك ولا لقومك في ذلك إصدار ولا إيراد8، بعدتم عن أنف9 المرعى، وعلوتم عن عذب الماء، قال ولم ذلك؟ ويلك يا بن صوحان! فقال الويل لأهل النار،
1 انكمش وتكمش: أسرع، والكميش: الرجل السريع.
2 افترش فلانًا: غلبه وصرعه.
3 احترش الشيء: جمعه وكسبه
4 حمائل السيف، وهو كناية عن طول القامة.
5 أي أبيض اللون كناية عن أنه حر لا رقيق، أو أبيض العرق نقيه.
6 الأحمر: الذهب، والأبيض: الفضة "والسيف أيضًا" والأصفر: الذهب. كناية عن الغنى والثروة "وقد كان لقريش في الجاهلية مركز تجاري مهم".
7 كناية عن الملك والمقدرة الخطابية.
8 أورد إبله الماء وأصدرها: ردها وأرجعها.
9 روضة أنف: لم ترع.