الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدو فأظفركم بهم، فلا تغلل ولا تمثل، ولا تغدر ولا تجبن، ولا تقتلوا وليدًا، ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأة، ولا تحرقوا نخلًا ولا تقعره، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تعقروا بهيمة إلا لمأكلة، وستمرون بقوم في الصوامع، يزعمون أنهم حبسوا أنفسهم لله؛ فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له، وستجدون آخرين قد فحص الشيطان عن أوساط رءوسهم، حتى كأن أوساط رءوسهم أفاحيص1 القطا، فاضربوا ما فحصوا من رءوسهم بالسيوف، حتى ينيبوا إلى الإسلام، أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ولينصرن الله من ينصره ورسله بالغيب" ثم أخذ يده فقال:"إني أستودعك الله وعليك سلام الله ورحمته" ثم ودعه وقال: "إنك أول أمرائي، وقد وليتك على رجال من المسلمين أشراف غير أوزع2 في الناس؛ فأحسن صحبتهم، ولتكن لهم كنفًا واخفض لهم جناحك وشاورهم في الأمر، أحسن الله لك الصحابة وعلينا الخلافة".
"فتوح الشام ص8".
1 جمع أفحوص وهو ما يجثم فيه القطا.
2 أي ليسوا بأدنياء ولا ضعفاء ولا جفاة.
59-
وصية أخرى ليزيد بن أبي سفيان:
ووصى يزيد بن أبي سفيان أيضًا حين وجهه لفتح الشام قال:
"إني قد وليتك لأبلوك وأجربك وأخرجك1؛ فإن أحسنت رددتك إلى عملك وزدتك، وإن أسأت عزلتك؛ فعليك بتقوى الله، فإنه يرى من باطنك مثل الذي يرى من ظاهرك، وإن أولى الناس بالله أشدهم توليًا له، وأقرب الناس من الله أشدهم تقربًا إليه بعمله، وقد وليتك عمل خالد2؛ فإياك وعبية3 الجاهلية، فإن الله يبغضها ويبغض
1 خرجه: دربه وعلمه.
2 هو خالد بن سعيد العاص، وكان أبو بكر سيره إلى الشام أولًا مم عزله.
3 العبية: الكبر والفخر، وفي الحديث:"إن الله قد وضع عنكم عبية الجاهلية" يعني الكبر.
أهلها، وإذا قدمت على جندك فأحسن صحبتهم وابدأهم بالخير، وعدهم إياه، وإذا وعظتهم فأوجز؛ فإن كثير الكلام ينسي بعضه بعضًا، وأصلح نفسك يصلح لك الناس، وصل الصلوات لأوقاتها بإتمام ركوعها وسجودها والتخشع فيها، وإ ذا قدم عليك رسل عدوك فأكرمهم وأقلل لبثهم حتى يخرجوا من عسكرك وهم جاهلون به، ولا تريثهم1 فيروا خللك، ويعلموا علمك، وأنزلهم في ثروة عسكرك، وامنع من قبلك من محادثتهم، وكن أنت المتولي لكلامهم، ولا تجعل سرك لعلانيتك؛ فيختلط أمرك، وإذا استشرت فاصدق الحديث تصدق المشورة، ولا تخزن عن المشير خبرك، فتؤتى من قبل نفسك، واسمر بالليل في أصحابك تأتك الأخبار، وتنكشف عندك الأستار، وأكثر حرسك وبددهم في عسكرك، وأكثر مفاجأتهم في محارسهم بغير علم منهم بك، فمن وجدته غفل عن محرسه؛ فأحسن أدبه وعاقبه في غير إفراط، وعقب2 بينهم بالليل، واجعل النوبة الأولى أطول من الأخيرة؛ فإنها أيسرهما لقربها من النهار، ولا تخف من عقوبة المستحق، ولا تلجن فيها، ولا تسرع إليها، ولا تخذ لها مدقعًا3، ولا تغفل عن أهل عسكرك فتفسده، ولا تجسس عليهم فتفضحهم، ولا يكشف الناس عن أسرارهم، واكتف بعلانيتهم، ولا تجالس العباثين وجالس أهل الصدق والوفاء، واصدق اللقاء، ولا تجبن فيجبن الناس، واجتنب الغلول4؛ فإنه يقرب الفقر، ويدفع النصر، وستجدون أقوامًا حبسوا أنفسهم في الصوامع، فدعهم وما حبسوا أنفسهم له".
"تاريخ الكامل لابن الأثير2: 196".
1 من الريث: وهو الإبطاء.
2 عقبه تعقيبًا: جاء بعقبه.
3 لا تخذ: من خذا يخذو كنصر وخذي يخذي كرضي إذا استرخى، والمدقع: الملصق بالدقعاء أو الهارب أو أشد الهزلى هزالًا، أي ولا تضعف، ولا تجبن أمام تنفيذ العقوبة وهو مقابل لقوله: ولا تسرع إليها.
4 غل غلولًا: خان.