الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} 1، فقالوا له:"أو تجعل الحكم في الصيد، والحدث يكون بين المرأة وزوجها كالحكم في دماء المسلمين؟ " وقالت الخوارج: قلنا له: فهذه الآية بيننا وبينك، أعدل عندك ابن العاص وهو بالأمس يقاتلنا، ويسفك دماءنا؟ فإن كان عدلًا فلسنا بعدول، ونحن أهل حربه، وقد حكمتم في أمر الله الرجال، وقد أمضى الله عز وجل حكمه في معاوية وحزبه أن يقتلوا أو يرجعوا2، وقبل ذلك ما دعوناهم إلى كتاب الله عز وجل فأبوه، ثم كتبتم بينكم وبينه كتابًا، وجعلتم بينكم وبينه الموادعة والاستفاضة3 وقد قطع الله عز وجل الاستفاضة والموادعة بين المسلمين وأهل الحرب منذ نزلت براءة، إلا من أقر بالجزية".
"تاريخ الطبري 6: 36، والكامل للمبرد 2: 120".
1 الآية في حكم قاتل الصيد وهو محرم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} .
3 استفاض المكان استفاضة: اتسع، وهي هنا مرادفة للموادعة.
303-
مناظرة الإمام علي لهم:
ثم خرج إليهم علي حتى انتهى إليهم وهم يخاصمون ابن عباس، فقال: انته عن كلامهم ألم أنهك رحمك الله؟
ثم تكلم، فحمد الله عز وجل، وأثنى عليه، ثم قال:
"اللهم إن هذا مقام من أفلج1 فيه كان أولى بالفلج يوم القيامة، ومن نطق فيه وأوعث2 فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلًا، ثم قال لهم: من زعيمكم؟ قالوا: ابن الكواء، قال علي: فما أخرجكم علينا؟ قالوا: حكومتكم يوم صفين. قال: أنشدكم بالله أتعلمون أنهم حيث رفعوا المصاحف، فقلتم: نجيبهم إلى كتاب الله، قلت لكم: إني أعلم بالقوم منكم، إنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إني صحبتهم وعرفتهم أطفالًا ورجالًا، فكانوا شر أطفال وشر رجال، امضوا على حقكم وصدقكم، فإنما رفع القوم هذه المصاحف خديعة وإدهانًا3 ومكيدة، فرددتم علي رأيي، وقلتم: لا، بل نقبل منهم، فقلت لكم: اذكروا قولي لكم ومعصيتكم إياي، فلما أبيتم إلا الكتاب، اشترطت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن، وإن يميتا ما أمات القرآن، فإن حكما بحكم القرآن، فليس لنا أن نخالف حكمًا يحكم بما في القرآن، وإن أبيا فنحن من حكمها برآء، قالوا له: فخبرنا أتراه عدلًا تحكيم الرجال في الدماء؟ فقال: إنا لسنا حكمنا الرجال، إنما حكمنا القرآن، وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق، إنما يتكلم به الرجال، قالوا: فخبرنا عن الأجل لم جعلته فيما بينك وبينهم؟ قال: ليعلم الجاهل، ويتثبت العالم، ولعل الله عز وجل يصلح في هذه الهدنة هذه الأمة، ادخلوا مصركم رحمكم الله، فدخلوا من عند آخرهم".
"تاريخ الطبري 6: 37، الكامل للمبرد 2: 128".
1 الفلج والإفلاج: الظفر والفوز.
2 أوعث: وقع في الوعث "الوعث بالسكون: المكان السهل الدهس تغيب فيه الأقدام والطريق العسر".
3 الإدهان: الغش.
304-
صورة أخرى:
وروى صاحب العقد المناظرة بين علي وبين الخوارج بصورة أخرى وهاكها:
"قالوا: إن عليًأ لما اختلف عليه أهل النهروان والقرى وأصحاب البرانس، ونزلوا قرية يقال لها حروراء -وذلك بعد وقعة الجمل- رجع إليهم علي بن أبي طالب، فقال لهم: يا هؤلاء من زعيمكم! قالوا: ابن الكواء، قال: فليبرز إلي، فخرج إليه ابن الكواء، فقال له علي: يابن الكواء، ما أخرجكم علينا بعد رضاكم بالحكمين، ومقامكم بالكوفة؟ قال: قاتلت بنا عدوا لا نشك في جهاده، فزعمت أن قتلانا في الجنة، وقتلاهم في النار، فبينما نحن كذلك إذ أرسلت منافقًا، وحكمت كافرًا، وكان من شكك في أمر الله أن قلت للقوم حين دعوتهم: كتاب الله بيني وبينكم، فإن قضى علي بايعتكم، وإن قضى عليكم بايعتموني، فلولا شكك لم تفعل هذا، والحق في يدك. قال علي: يابن الكواء، إنما الجواب بعد الفراغ، أفرغت فأجيبك؟ قال: نعم، قال علي: أما قتالك معي عدوا لا نشك في جهاده فصدقت، ولو شككت فيهم لم أقاتلهم، وأما قتلانا وقتلاهم، فقد قال الله في ذلك ما يستغنى به عن قولي، وأما إرسالي المنافق وتحكيمي الكافر، فأنت أرسلت أبا موسى مبرنسًا، ومعاوية حكم عمرًا، أتيت بأبي موسى مبرنسًا، فقلت: لا نرضى إلا أبا موسى، فهلا قام إلي رجل منكم فقال: يا علي لا تعط هذه الدنية؛ فإنها ضلالة؟ وأما قولي لمعاوية: إن جرني إليك كتاب الله تبعتك، وإن جرك إلي تبعتني. زعمت أني لم أعطَ ذلك إلا من شك، فقد علمت أن أوثق ما في يديك هذا الأمر، فحدثني ويحك عن اليهودي والنصراني ومشركي العرب، أهم أقرب إلى كتاب الله أم معاوية وأهل الشأم؟ قال: بل معاوية وأهل الشأم أقرب، قال علي: أفرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أوثق بما في يديه من كتاب الله أو أنا؟ قال: بل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أفرأيت الله تبارك وتعالى حين يقول: {قُلْ فَأْتُوا}
{بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} . أما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أنه لا يؤتى بكتاب هو أهدى في يديه؟ قال: بلى، قال فلم أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم ما أعطاهم؟ قال: إنصافًا وحجة، قال: فإني أعطيت القوم ما أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن الكواء: فإني أخطأت. هذه واحدة. زدني، قال علي: فما أعظم ما نقمتم علي؟ قال: تحكيم الحكمين، نظرنا في أمرنا، فوجدنا تحكيمهما شكًّا وتبذيرًا، قال علي: فمتى سمي أبو موسى حكمًا، حين أرسل، أو حين حكم؟ قال: حين أرسل، قال: أليس قد سار وهو مسلم، وأنت ترجو أن يحكم بما أنزل الله؟ قال: نعم، قال علي: فلا أرى الضلال في إرساله، فقال ابن الكواء: سمي حكمًا حين حكم، قال: نعم إذن فإرساله كان عدلًا، أرأيت يا بن الكواء لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث مؤمنًا إلى قوم مشركين يدعوهم إلى كتاب الله، فارتد على عقبه كافرًا، كان يضر نبي الله شيئًا؟ قال: لا، قال علي: فما كان ذنبي إن كان أبو موسى ضل، هل رضيت حكومته حين حكم، أو قوله إذ قال؟ قال ابن الكواء: لا، ولكنك جعلت مسلمًا وكافرًا يحكمان في كتاب الله، قال علي: ويلك يا بن الكواء! هل بعث عمرًا غير معاوية؟ وكيف أحكمه وحكمه على ضرب عنقي، إنما رضي به صاحبه، كما رضيت أنت بصاحبك، وقد يجتمع المؤمن والكافر يحكمان في أمر الله، أرأيت لو أن رجلًا مؤمنًا تزوج يهودية أو نصرانية، فخافا شقاق بينهما، ففزع الناس إلى كتاب الله، وفي كتابه:{فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} فجاء رجل من اليهود، أو رجل من النصارى، ورجل من المسلمين، اللذين يجوز لهما أن يحكما في كتاب الله فحكما. قال ابن الكواء: وهذه أيضًا، أمهلنا حتى ننظر، فانصرف عنهم علي.
فقال له صعصعة بن صوحان: يا أمير المؤمنين، ائذن لي في كلام القوم، قال: نعم ما لم تبسط يدًا، فنادى صعصعة ابن الكواء، فخرج إليه فقال: أنشدكم الله يا معشر