الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن عواقب المساءة؟ فما يدرك بكم ثأر، ولا يبلغ بكم مرام؟ دعوتكم إلى نصر إخوانكم فجرجرتم1 جرجرة الجمل الأسر2 وتثاقلتم تثاقل النضو3 الأدبر، ثم خرج إلي منكم جنيد متذائب4 ضعيف؛ كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون".
"نهج البلاغة 1: 46".
1 الجرجرة: صوت يردده البعير في حنجرته، وأكثر ما يكون ذلك عند الإعياء والتعب.
2 المصاب بداء السرر "بالتحريك"، وهو وجع في الكركرة "رحى زور البعير".
3 النضو: البعير المهزول، والأدبر: المدبور أي المجروح.
4 جنيد: تصغير جند، ومتذائب: أي مضطرب من قولهم: تذاءت الريح، أي اضطرب هبوبها، ومنه سمي الذئب ذئبًا لاضطراب مشيته.
324-
خطبة الإمام وقد أغار الضحاك بن قيس على الحيرة
1:
ووجه معاوية الضحاك بن قيس فأغار على الحيرة وغنم أموال أهلها، وبلغ ذلك عليًًّا فاستصرخ الناس، فتقاعدوا عنه، فقام فيهم خطيبًا فقال:
"أيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصم2 الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء، تقولون في المجالس كيت وكيت3؛ فإذا جاء القتال قلتم حيدي حياد4، ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، أعاليل بأضاليل5، دفاع ذي الدين المطول6، هيهات لا يمنع الضيم الذليل، ولا يدرك
1 شمالي الكوفة.
2 يوهي: يشق ويخرق، والصم: جمع أصم، وهو الحجر الصلب المصمت.
3 بفتح آخرهما ويكسر: أي كذا كذا.
4 حيدي حياد: كلمة يقولها الهارب الفار، من حاد حيدانًا بمعنى مال وانحرف، أي ابعدي وتنحي عني أيتها الحرب، وهي نظيرة قولهم "فيحى فياح" أي اتسعي.
5 الأضاليل: جمع أضلولة بالضم، وهي الضلال، وفي كتب اللغة: العلالة ""بالضم" والتعلة "كتحية"، والعلة "بالفتح" ما يتعلل به"، ولم أجد فيها كلمة أعاليل ولا مفردها ولا بد أن تكون جمع أعلولة بالضم: كأضاليل وأعاجيب وألاعيب
…
إلخ. والمعنى إن أقوالكم هذه تعلل بأباطيل لا جدوى لها.
6 مبالغة في ماطل.
الحق إلا بالجد، أي دار بعد داركم تمنعون؟ ومع أي إمام بعدي تقاتلون؟ المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم؛ فقد فاز والله بالسهم الأخيب، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل1، وأصبحت والله لا أصدق قولكم، ولا أطمع في نصركم، ولا أوعد العدو بكم، ما بالكم؟ ما دواؤكم؟ ما طبكم؟ القوم رجال أمثالكم! أقولًا بغير علم، وغفلة من غير ورع، وطمعًا في غير حق! ".
وزاد ابن قتيبة في الإمامة والسياسة:
"فرق الله بيني وبينكم، وأعقبني بكم من خير لي منكم، وأعقبكم بعدي من شر لكم مني، أما إنكم ستلقون بعدي ذلًّا شاملًا، وسيفًا قاتلًا، وأثرة يتخذها الظالمون بعدي فيكم سنة، تفرق جماعتكم، وتبكي عيونكم، وتدخل الفقر بيوتكم، تمنون والله عندها أن لو رأيتموني ونصرتموني، وستعرفون ما أقول لكم عما قليل.
استنفرتكم فلم تنفروا! ونصحت لكم فلم تقبلوا! وأسمعتكم فلم تعوا؛ فأنتم شهود كأغياب، وصم ذوو أسماع، أتلو عليكم الحكمة، وأعظكم بالموعظة النافعة، وأحثكم على جهاد المحلين2، الظلمة الباغين؛ فما آتي على آخر قولي، حتى أراكم متفرقين، وإذا تركتكم عدتم إلى مجالسكم حلقًا3 عزين4، تضربون الأمثال، وتناشدون الأشعار، تربت5 أيديكم، وقد نسيتم الحرب واستعدادها، وأصبحت قلوبكم فارغة عن ذكرها، وشغلتموها بالأباطيل والأضاليل".
"نهج البلاغة 1: 39، والإمامة والسياسة 2: 111، والبيان والتبيين 2: 26".
1 سهم أفوق مكسور الفوق "بضم الفاء" والفوق: مدخل الوتر من السهم، والناصل: العاري عن النصل.
2 أي الذين خرجوا على إمامهم واستحلوا قتاله.
3 الحلق: محركة جمع حلقة "بسكون اللام" وحلقة القوم: الذين يجتمعون مستديرين.
4 جمع عزة "بالكسر": وهي الطائفة من الناس.
5 دعاء عليهم: أي خسرتم ولا أصبتم خيرًا، وأصله من ترب الرجل: أي افتقر كأنه لصق بالتراب.