الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
325-
خطبة الإمام:
وقد أغار سفيان بن عوف الغامدي على الأنبار.
ووجه معاوية سفيان بن عوف الغامدي في جيش، فأغاروا على الأنبار1 وقتلوا عامل علي عليها وهو حسان بن حسان البكري، واحتملوا ما كان في الأنبار من الأموال وأموال أهلها، وانتهى الخبر إلى علي فخرج مغضبًا حتى أتى النخيلة، واتبعه الناس فرقي رباوة2 من الأرض؛ فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم قال:
"أما بعد: فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنته3 الوثيقة؛ فمن تركه رغبة عنه، ألبسه الله ثوب الذل، وشمله البلاء، وديث4 بالصغار والقماءة5، وضرب على قلبه بالإسهاب6، وأديل7 الحق منه بتضييع الجهاد، وسيم الخسف8، ومنع النصف9، ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلًا ونهارًا، وسرًّا وإعلانًا، وقلت لكم اغزوهم من قبل أن يغزوكم؛ فوالله ما غزي قوم قط في عقر10 دارهم إلا ذلوا؛ فتخاذلتم
1 بلد على الفرات.
2 الربوة والرباوة مثلثتين: ما ارتفع من الأرض.
3 وقايته
4 ذلل، وأصله من داث الشيء من باب باع: لان وسهل ومنه الديوث، وهو الرجل الذي لا غيرة له على أهله، والصغار: الذل.
5 قمأ: كجمع وكرم، قماءة: ذل وصغر.
6 هكذا في رواية ابن أبي الحديد، من أسهب بالضم: أي ذهب عقله، وفي نهج البلاغة:"طبع الشام" بالأسداد.
7 من أداله الله من عدوه: أي نصره عليه، والباء في قوله "بتضييع الجهاد" للسببية.
8 أي أولي الذل والضيم، وفي رواية المبرد "وسيمي الخسف" بالإضافة، والسيمي: العلامة. قال المبرد: هكذا حدثونا وأظنه سيم الخسف، من قول الله عز وجل:{يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} .
9 النصف بالكسر ويثلث، والنصف والنصفة محركين الإنصاف.
10 وسطها وأصلها.
وتواكلتم وثقل عليكم قولي، واتخذتموه وراءكم ظهريًّا؛ حتى شنت1 عليكم الغارات، وملكت عليكم الأوطان، هذا أخو غامد2 قد وردت خيله الأنبار، وقتل حسان بن حسان البكري، ورجالًا منهم كثيرًا ونساء، وأزال خيلكم عن مسالحها3.
والذي نفسي بيده، لقد بلغني أنه كان يدخل على المرآة المسلمة، والأخرى المعاهدة4، فينتزع حجلها5 وقلبها6، وقلائدها ورعثها7، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع8 والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين9، ما نال رجلًا منهم كلم10، ولا أريق لهم دم؛ فلو أن امرأ مسلمًا مات من دون هذا أسفًا، ما كان عندي فيه ملومًا؛ بل كان به عندي جديرًا.
يا عجبًا كل العجب! عجب يميت القلب، ويشغل الفهم، ويكثر الأحزان! من تضافر11 هؤلاء القوم على باطلهم، وفشلكم عن حقكم، حتى أصبحتم غرضًا12 ترمون ولا ترمون، ويغار عليكم ولا تغيرون، ويعصى الله عز وجل فيكم وترضون: إذا قلت لكم اغزوهم في الشتاء؛ قلتم هذا أوان قر13 وصر، وإن قلت لكم اغزوهم
1 شن الغارة عليهم: صبها من كل وجه، من شن الماء على رأسه إذا صبه.
2 يريد سفيان بن عوف الغامدي قائد الحملة على الأنبار.
3 جمع مسلحة بالفتح: وهي الثغر.
4 المعاهدة: ذات العهد، وهي الذمية.
5 الحجل بالفتح: الخلخال، وسمي القيد حجلًا؛ لأنه يكون مكان الخلخال.
6 القلب: سوار المرأة.
7 الرعثة بالفتح: القرط، والجمع رعاث بالكسر، وجمع الجمع رعث بضمتين.
8 قول: إنا لله وإنا إليه راجعون.
9 أي تامين، وفي رواية المبرد:"موفورين" أي لم ينل أحدًا منهم بأن يرزأ في بدن ولا مال.
10 جرح.
11 تعاون وتناصر.
12 وفي رواية نهج البلاغة: "فقبحًا لكم وترحا حين صرتم غرضًا يرمى" وزادت رواية الجاحظ بعد ذلك: "وفيئًا ينهب" والترح: محركة الهم، والغرض: الهدف.
13 القر مثلثة القاف: البرد، والصر: شدة البرد. وفي النهج: "وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء؛ قلتم هذه صبارة القر، أمهلنا: ينسلخ عنا البرد" وصبارة الشتاء بتشديد الراء: شدة برده.
في الصيف، قلتم حمارة1 القيظ، أنظرنا2 ينصرم الحر عنا؛ فإذا كنتم من الحر والبرد تفرون؛ فأنتم والله من السيف أفر! يا أشباه الرجال ولا رجال، ويا طغام3 الأحلام! ويا عقول ربات الحجال4، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم، معرفة والله جرت ندمًا، وأعقبت سدمًا5! قاتلكم الله! لقد ملأتم قلبي قيحًا6، وشحنتم صدري غيظًا، وجرعتموني نغب التهام أنفاسًا7، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان؛ حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا رأي له في الحرب! لله درهم8! ومن ذا يكون أعلم بها مني، أو أشد لها مراسًا؟ فوالله لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، ولقد نيفت9 اليوم على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع "يقولها ثلاثًا".
فقام إليه رجل ومعه أخوه10 فقال:
"يا أمير المؤمنين أنا وأخي هذا، كما قال الله تعالى: {رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي
1 شدة الحر.
2 أي أمهلنا حتى ينسلخ الحر، وفي رواية النهج "أمهلنا يسبخ عنا الحر" بتشديد الباء المفتوحة: أي يخف ويسكن، وكل من خفف عنه شيء فقد سبخ عنه، ومنه قولهم: اللهم سبخ عني الحمى: أي خففها.
3 أوغاد الناس ومن لا عقل له ولا معرفة عنده. والأحلام العقول: جمع حلم بالكسر، ويجمع أيضًا على حلوم، وفي رواية النهج:"حلوم الأطفال".
4 الحجال: جمع حجلة بالتحريك، وهي القبة، وموضع يزين بالستور والثياب للعروس -كناية عن النساء.
5 السدم: الهم، أو مع ندم، أو غيظ مع حزن.
6 القيح: ما يكون في القرحة من صديدها، وشحنتم: ملأتم، وفي رواية الكامل:"ولقد ملأتم جوفي غيظًا".
7 النغب: جمع نغبة بالفتح والضم، وهي الجرعة، والتهمام: الهم، وأنفاسًا أي جرعة بعد جرعة، يقال: اكرع في الإناء نفسين أو ثلاثة.
8 لله دره: أي عمله، والدر أيضًا: اللبن، أي لله الثدي الذي رضعه، وهو تعجب أريد به التهكم، وفي رواية النهج:"لله أبوهم"!
9 نيفت: زدت ورواية النهج: "وهأنذا قد ذرفت على الستين" أي زدت أيضًا.
10 الرجل وأخوه: يعرفان بابني عفيف من الأنصار.