الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يخلص منه إلا الحق، فعود نفسك ومن معك الخير واستفتح به، واعلم أن لكل عادة عتادًا1، فعتاد الخير الصبر، فالصبر الصبر على ما أصابك أو نابك، يجتمع لك خشية الله، واعلم أن خشية الله تجتمع في أمرين: في طاعته، واجتناب معصيته، وإنما أطاعه من أطاعه ببغض الدنيا وحب الآخرة، وعصاه من عصاه بحب الدنيا وبغض الآخرة، وللقلوب حقائق ينشئها الله إنشاء، منها السر، ومنها العلانية. فأما العلانية فأن يكون حامده وذامه في الحق سواءً، وأما السر فيعرف بظهور الحكمة من قلبه على لسانه وبمحبة الناس، فلا تزهد في التحبب، فإن النبيين قد سألوا محبتهم، وإن الله إذا أحب عبدًا حببه، وإذا أبغض عبدًا بغضه، فاعتبر منزلتك عند الله تعالى بمنزلتك عند الناس ممن يشرع معك في أمرك".
"تاريخ الطبري 4: 85".
1 العتاد: العدة.
94-
وصية أخرى كتبها إلى سعد بن أبي وقاص:
وكتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما ومن معه من الأجناد.
"أما بعد: فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال؛ فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسًا من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصبة عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية، كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا، فاعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله،
ولا تقولوا إن عدونا شر منا؛ فلن يسلط علينا، فرب قوم سلط عليهم شر منهم كما سلط على بني إسرائيل "لما عملوا بمساخط الله" كفار المجوس، فجاسوا خلال الديار وكان وعدًا مفعولًا، واسألوا الله العون على أنفسكم، كما تسألونه النصر على عدوكم. أسأل الله تعالى ذلك لنا ولكم. وترفق بالمسلمين في مسيرهم، ولا تجشهم مسيرًا يتعبهم، ولا تقصر بهم عن منزل يرفق بهم، حتى يبلغوا عدوهم "والسفر لم ينقص قوتهم" فإنهم سائرون إلى عدو مقيم، حامي الأنفس والكراع1، وأقم بمن معك في كل جمعة يومًا وليلة، حتى تكون لهم راحة يحيون فيها أنفسهم، ويرمون2 أسلحتهم وأمتعتهم، ونح منازلهم عن قرى أهل الصلح والذمة، فلا يدخلها من أصحابك إلا من تثق بدينه، ولا يرزأ3 أحدًا من أهلها شيئًا؛ فإن لهم حرمة وذمة ابتليتم بالوفاء بها، كما ابتلوا بالصبر عليها، فما صبروا لكم فتولوهم خيرًا، ولا تستنصروا على أهل الحرب بظلم أهل الصلح، وإذا وطئت أرض العدو فأذك4 العيون بينك وبينهم، ولا يخف عليك أمرهم، وليكن عندك من العرب، أو من أهل الأرض من تطمئن إلى نصحه وصدقه، فإن الكذوب لا ينفعك خبره، وإن صدقك في بعضه، والغاش عين عليك، وليس عينًا لك، وليكن منكم عند دنوك من أرض العدو أن تكثر الطلائع، وتبث السرايا5 بينك وبينهم، فتقطع السرايا أمدادهم ومرافقهم، وتتبع الطلائع عوراتهم، وتنق6 للطلائع أهل الرأي والبأس من أصحابك، وتخير لهم سوابق الخيل؛ فإن لقوا عدوًّا كان أول ما تلقاهم القوة من رأيك، واجعل أمر السريا إلى أهل الجهاد، والصبر على الجلاد، ولا تخص بها أحدًا بهوى، فتضيع من رأيك وأمرك، أكثر مما حابيت به أهل
1 الكراع من كل شيء: طرفه واسم يجمع الخيل.
2 رمه يرمه: أصلحه.
3 رزأه ماله: أصاب منه شيئًا.
4 أذكى عليه العيون: إذا أرسل عليه الطلائع.
5 جمع سرية، وهي من خمسة أنفس إلى ثلثمائة أو أربعمائة.
6 تنقاه وانتقاه: اختاره.