الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"يا صعصعة إنك جئت تشتري مني كبدي، وأرحم ولدي عندي، منعتك، أو بعتك، النكاح خير من الأيمة1، والحسيب كفء الحسيب والزوج الصالح أب بعد أب، وقد أنكحتك خشية ألا أجد مثلك، أفر من السر إلى العلانية، أنصح ابنا، وأودع ضعيفًا قويًّا، ثم أقبل على قومه فقال:
"يا معشر عدوان: أخرجت من بين أظهركم كريمتكم، على غير رغبة عنكم، ولكن من خط له شيء جاءه، رب زارع لنفسه حاصد سواء، ولولا قسم الحظوظ على قدر الجدود، ما أدرك الآخر من الأول شيئًا يعيش به؛ ولكن الذي أرسل الحيا2، أنبت المرعى، ثم قسمه أكلًا3 لكل فم بقلة، ومن الماء جرعة، إنكم ترون ولا تعلمون، لن يرى ما أصف لكم إلا كل ذي قلب واع4، ولك شيء راعٍ، ولك رزق ساع، إما أكيس وإما أحمق، وما رأيت شيئًا إلا سمعت حسه، ووجدت مسه، وما رأيت موضعًا إلا مصنوعًا، وما رأيت جائيًا إلى داعيًا، ولا غانمًا إلا خائبًا، ولا نعمة إلا ومعها بؤس، ولو كان يميت الناس الداء؛ لأحياهم الدواء؛ فهل لكم في العلم العليم؟ قيل ما هو؟ قد قلت فأصبت، وأخبرت فصدقت، فقال: أمورًا شتى، وشيئًا شيًّا، حتى يرجع الميت حيًا، ويعود لا شيء شيًا؛ ولذلك خلقت الأرض والسموات، فتولوا عنه راجعين، فقال: ويلمها5 نصيحة لو كان من يقبلها".
"مجمع الأمثال 1: 211، البيان والتبيين 2: 37، والعقد الفريد 3: 223".
1 الأيامى: الذي لا أزواج لهم من الرجال والنساء الواحد مهنما أيم كجيد، سواء كان تزوج من قبل أم لم يتزوج، وامرأة أيم بكرًا كانت أو ثيبًا، وقد آمنت تئيم أيمًا وأيمة وأيومًا، وفي الحديث:"أنه كان يتعوذ من الأيمة".
2 الحيا: المطر.
3 الأكل: ما يؤكل والرزق.
4 حافظ.
5 يقال للمستجاد ويلمه. أي ويل لأمه، لأب لك يريدون لا أب لك فركبوه وجعلوه كالشيء الواحد.
10-
حديث بعض مقاول حمير مع ابنيه:
وما دار بينه وبينهما من المساءلة حين كبرت سنه:
كان لرجل من مقاول حمير ابنان، يقال لأحدهما عمرو، وللآخر ربيعة، وكانا قد
برعا في الأدب والعلم؛ فلما بلغ الشيخ أقصى عمره، وأشقى1 على الفناء، دعاهما ليبلو2 عقولهما، ويعرف مبلغ علمهما؛ فلما حضرا: قال لعمرو -وكان الأكبر- أخبرني عن أحب الرجال إليك، وأكرمهم عليك. قال:"السيد الجواد، والقليل الأنداد، والماجد الأجداد، الراسي الأوتاد، الرفيع العماد، العظيم الرماد، الكثير الحساد، الباسل الذواد3، الصادر الوراد" قال: ما تقول ياربيعة؟ قال: ما أحسن ما وصف! وغيره أحب إلي منه، قال: ومن يكون بعد ذا؟ قال: "السيد الكريم، المانع للحريم، المفضال الحليم، القمقام4 الزعيم، الذي إن هم فعل، وإن سئل بذل".
قال: أخبرني يا عمرو بأبغض الرجال إليك؟ قال: البرم5 اللئيم، المستخذي6 للخصيم، المبطان7 النهيم، العي البكيم، الذي إن سئل منع، وإن هدد خضع، وإن طلب جشع8. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: غيره أبغض إلي منه. قال: ومن هو؟ قال: النئوم الكذوب، الفاحش الغضوب، والرغيب عند الطعام، الجبان عند الصدام.
قال: أخبرني يا عمرو: أي النساء أحب إليك؟ قال: الهركولة9 اللفاء10، الممكورة11 الجيداء، التي يشفي السقيم كلامها، ويبري الوصب12 إلمامها، التي إن أحسنت إليها شكرت، وإن أسأت إليها صبرت، وإن استعتبتها13 أعتبت، الفاترة الطرف، الطفلة14 الكف، العميمة الردف. قال: ما تقول ياربيعة؟ قال: نعت فأحسن! وغيرها أحب إلي منها. قال: ومن هي؟ قال: "الفتانة العينين،
1 أشفى عليه: أشرف.
2 ليختبر.
3 من ذاد عنه: إذا دفع.
4 السيد "ويضم".
5 البرم: من لا يدخل مع القوم في الميسر.
6 الخاضع المستكين، والخصيم: المخاصم.
7 من همه بطنه، أو الرغيب لا ينتهي من الأكل.
8 الجشع: أسوأ الحرص.
9 المرتجة الأرداف.
10 الملتفة الجسم.
11 المطوية الخلق من النساء والمستديرة الساقين، والجيداء: من الجيد بالتحريك، وهو طول الرقبة، أو دقتها مع طول.
12 المريض.
13 استعتبه: طلب إليه العتبى "الرضا" وأعتبه أعطاه العتبى.
14 الناعمة.
الأسيلة1 الخدين، الكاعب2 الثديين، الرداح3 الوركين، الشاكرة للقليل، المساعدة للحليل4، الرخيمة5 الكلام، الجماء6 العظام، الكريمة الأخوال والأعمام، العذبة اللثام7.
قال: فأي النساء إليك أبغض يا عمرو؟ قال: القتاته8 الكذوب، الظاهرة العيوب، الطوافة الهبوب9، العابسة القطوب، السبابة الوثوب، التي إن ائتمنها زوجها خانته، وإن لان لها أهانته، وإن أرضاها أغضبته، وإن أطاعها عصته، قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: بئس والله المرأة ذكر! وغيرها أبغض إلي منها. قال: وأيتهن التي هي أبغض إليك من هذه؟ قال: السليطة10 اللسان، والمؤذية للجيران، والناطقة بالبهتان، التي وجهها عابس، وزوجها من خيرها آيس، التي إن عاتبها زوجها وترته11، وإن ناطقها انتهرته. قال ربيعة: وغيرها أبغض إلي منها. قال: ومن هي؟ قال: التي شقي صاحبها، وخزي خاطبها، وافتضح أقاربها. قال: ومن صاحبها؟ قال: مثلها في خصالها كلها، لا تصلح إلا له، ولا يصلح إلا لها. قال: فصفه لي. قال: الكفور غير الشكور، اللئيم الفجور، العبوس الكالح12، الحرون الجامح، الراضي بالهوان، المختال المنان، الضعيف الجنان، الجعد13 البنان، الفثول غير الملول غير الوصول، الذي لا يرع14 عن المحارم، ولا يرتدع عن المظالم.
قال: أخبرني يا عمرو: أي الخيل أحب إليك عند الشدائد، إذا التقى الأقران للتجالد؟ قال: الجواد الأنيق، الحصان العتيق، الكفيت15 العريق، الشديد الوثيق، الذي يفوت إذا هرب، ويلحق إذا طلب. قال: نعم الفرس والله نعت! قال: فما تقول
1 الأسيل من الخدود: الطويل المسترسل.
2 كعب الثدي: نهد.
3 الثقيلة العجيزة الضخمة الوركين.
4 الزوج.
5 اللينة الكلام.
6 التي ليس لعظامها حجم.
7 المراد موضوع اللثام؛ فهو على حذف مضاف.
8 النمامة.
9 الكثيرة الانتباه، والهبوب: الريح المثيرة للغبار.
10 الطويلة.
11 أحفظته وأغضبته.
12 كلج: تكشر في عبوس.
13 كناية عن البخل.
14 ورع: كورث كف.
15 السريع.
يا ربيعة؟ قال: غيره أحب إلي منه. قال: وما هو؟ قال: الحصان الجواد، السلس القياد، الشهم الفؤاد، الصبور إذا سرى، السابق إذا جرى.
قال: فأي الخيل أبغض إليك يا عمرو؟ قال: الجموح الطموح، النكول1 الأنوح2، الصئول3، الضعيف، الملول العنيف، الذي إن جاريته سبقته، وإن طلبته أدركته. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: غيره أبغض إلي منه. قال: وما هو؟ قال: البطيء الثقيل، الحرون الكليل، الذي إن ضربته قمص، وإن دنوت منه شمس4، يدركه الطالب، ويفوته الهارب، ويقطع بالصاحب. قال ربيعة: وغيره أبغض إلي منه. قال: وما هو؟ قال: الجموح الخبوط5، الركوض الخروط6، الشموس الضروط7، القطوف8 في الصعود والهبوط، الذي لا يسلم الصاحب، ولا ينجو من الطالب.
قال: أخبرني يا عمرو أي العيش ألذ؟ قال: عيش في كرامة، ونعيم وسلامة، واغتباق9 مدامة. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: نعم العيش والله وصف! وغيره أحب إلي منه. قال: وما هو؟ قال: عيش في أمن ونعيم، وعز وغنى عميم، في ظل نجاح، وسلامة مساء وصباح، وغيره أحب إلي منه. قال: وما هو؟ قال: غنى دائم وعيش سالم وظل ناعم.
قال: فما أحب السيوف إليك يا عمرو؟ قال: الصقيل الحسام، الباتر المجذام10، الماضي السطام11 المرهف12 الصمصام13، الذي إن هززته لم يكب14، وإذا ضربت به لم ينب15. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: نعم السيف نعت! وغيره أحب
1 النكول: الذي ينكل عن قرنه.
2 الكثير الزحير.
3 كثير الصئيل: وصيئل الفرس: صهيله.
4 شمس الفرس، منع ظهره: فهو شامس وشموس.
5 الكثير الخبط: وهو السير على غير هدى.
6 الخروط: الدابة الجموح تجتذب وسنها من يد ممسكها ثم تمضي.
7 الكثير الضراط.
8 قطفت الدابة: صاق مشيها فهي قطوف.
9 اغتبق: شرب الغبوق، وهو ما يشرب بالعشي، والمدامة: الخمر كالمدام.
10 من الجذم: وهو القطع.
11 الحد.
12 رهف السيف، وأرهفه: رقفه.
13 السيف لا ينثني كالصمصامة.
14 لم يعثر.
15 لم يكل عن الضريبة.
إلي. قال: وما هو؟ قال: الحسام القاطع، ذو الرونق اللامع، الظمآن الجائع، الذي إن هززته هتك1، وإذا ضربت به بتك2. قال: فما أبغض السيوف إليك يا عمرو؟ قال: الفطار3 الكهام4، الذي إن ضرب به لم يقطع، وإن ذبح به لم ينخع5. قال: فما تقول ياربيعة؟ قال: بئس السيف والله ذكر! وغيره أبغض إلي منه. قال: وما هو؟ قال: الطبع6 الددان7، والمعضد8 المهان.
قال: فأخبرني يا عمرو: أي الرماح أحب إليك عند المراس، إذا اعتكر الباس، واشتجر الدعاس9؟ قال: أحبها إلي المارن10 المثقف، المقوم المخطف11، الذي إذا هززته لم ينعطف وإذا طعنت به لم ينقصف. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: "نعم الرمح نعت! وغيره أحب إلي منه. قال: وما هو؟ قال: الذابل12 العسال، المقوم النسال، الماضى إذا هززته، النافذ إذا همزته.
قال: فأخبرني يا عمرو عن أبغض الرماح إليك. قال: الأعصل13 عند الطعان، المثلم السنان، الذي إذا هززته انعطف، وإذا طعنت به انقصف. قال: ما تقول يا ربيعة؟ قال: بئس الرمح ذكر! وغيره أبغض إلي منه. قال: وما هو؟ قال: الضعيف المهز14؛ اليابس الكز15 الذي إذا أكرهته انحطم، وإذا طعنت به انقصم قال: انصرفا، الآن طاب لي الموت". "الأمالي 2: 152".
1 مزق.
2 قطع.
3 الذي لا يقطع، وهو مع ذلك حديث الطبع.
4 سيف كهام: كليل.
5 لم يبلغ النخاع.
6 من الطبع: أي الصدأ.
7 الذي لا يقطع.
8 القصير الذي يمتهن في قطع الشجر غيرها.
9 الطعان: دعسه إذا طعنه.
10 المارن: ما لان من الرمح، والمثقف: المسوى بالثقاف، وهو ما تسوى به الرماح؟
11 الخطف بضم فسكون: الضمر، وإخطاف الحشى: انطواؤه، ومنه فرس مخطف الحشى: أي ضامر، ورجل مخطف كذلك، ورمح مخطف أي دقيق.
12 قنا ذابل: أي دقيق لاصق بالليط "بكسر اللام، والليطة: قشر القناة"، والعسال: الشديد الاضطراب إذا هززته ومنه العسلان بالتحرك، وهو عدو فيه اضطراب، والنسلان قريب منه.
13 الملتوي: المعوج.
14 مهزه كمنعه: دفعه.
15 الكزازة: اليبس والانقباض كز فهو كز.