الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحسن، وقبح القبيح كله؛ فإن أبيتم فأمر من الشر، هو أهون من آخر شر منه، الجزاء1؛ فإذا أبيتم فالمناجزة، فإن أجبتم إلى ديننا خلفنا فيكم كتاب الله، وأقمناكم عليه، على أن تحكموا بأحكامه، ونرجع عنكم وشأنكم وبلادكم، وإن اتقيتمونا بالجزاء قبلنا ومنعناكم، وإلا قاتلناكم".
فقال يزدجرد: إني لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عددًا، ولا أسوأ ذات بين منكم، قد نوكل بكم قرى الضواحي فيكفونناكم، لا تغزوكم فارس، ولا تطمعون أن تقوموا لهم، فإن كان غرور لحقكم، فلا يغرنكم منا، وإن كان الجهد دعاكم، فرضنا لكم قوتًا إلى خصبكم، وأكرمنا وجوهكم، وكسوناكم، وملكنا عليكم ملكًا يرفق بكم، فقام المغيرة بن زرارة فقال:
1 الجزاء: جمع جزية.
112-
خطبة المغيرة بن زرارة:
أيها الملك: إن هؤلاء رءوس العرب ووجوههم، وهم أشراف يستحيون من الأشراف؛ وإنما يكرم الأشراف الأشراف، ويعظم حقوق الأشراف الأشراف، ويفخم الأشراف الأشراف، وليس كل ما أرسلوا به جمعوه لك، ولا كل ما تكلمت به أجابوك عليه، وقد أحسنوا ولا يحسن بمثلهم إلا ذلك؛ فجاوبني لأكون الذي أبلغك، ويشهدون على ذلك، إنك قد وصفتنا صفة لم تكن بها عالمًا، فأما ما ذكرت من سوء الحال، فما كان أسوأ حالًا منا، وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع، كنا نأكل الخنافس، والجعلان1 والعقارب والحيات فنرى ذلك طعامنا، وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض، ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل، وأشعار الغنم، ديننا أن يقتل بعضنا
1 جمع جعل بضم ففتح: وهو الحرباء.
بعضًا، ويغير بعضنا على بعض، وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل من طعامنا؛ فكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرت لك، فبعث الله إلينا رجلًا معروفًا نعرف نسبه، ونعرف وجهه ومولده، فأرضه خير أرضنا، وحسبه خير أحسابنا، وبيته أعظم بيوتنا، وقبيلته خير قبيلتنا، وهو بنفسه كان خيرنا في الحال التي كان فيها أصدقنا وأحلمنا، فدعانا إلى أمر، فلم يجب أحد أول من ترب كان له، وكان الخليفة من بعده، فقال وقلنا، وصدق وكذبنا، وزاد ونقصنا فلم يقل شيئًا إلا كان، فقذف الله في قلوبنا التصديق له واتباعه، فصار فيما بيننا وبين رب العالمين، فما قال لنا فهو قول الله، وما أمرنا فهو أمر الله، فقال لنا: إن ربكم يقول: إني أنا الله وحدي لا شريك لي، كنت إذ لم يكن شيء، وكل شيء هالك إلا وجهي، وأنا خلقت كل شيء، وإلي يصير كل شي، وإن رحمتي أدركتكم، فبعثت إليكم هذا الرجل، لأدلكم على السبيل التي بها أنجيكم بعد الموت من عذابي، ولأحلكم داري دار السلام، فنشهد عليه أنه جاء بالحق من عند الحق، وقال: من تابعكم على هذا، فله ما لكم وعليه ما عليكم، ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم، ومن أبى فقاتلوه، فأنا الحكم بينكم، فمن قتل منكم أدخلته جنتي، ومن بقي منكم أعقبته النصر على من ناوأه؛ فاختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر، وإن شئت فالسيف أو تسلم فتنجي نفسك".
فقال يزدجرد: أتستقبلني بمثل هذا؟ لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكم، لا شيء لكم عندي، ثم قال: ائتوني بوقر1 من تراب، فقال احملوه على أشرف هؤلاء، ثم سوقوه حتى يخرج من باب المدائن.
"تاريخ الطبري 4: 92 والكامل لابن الأثير 2: 223".
1 الوقر: الحمل الثقيل أو أعم.