الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
265-
خطبة الحصين بن المنذر:
ثم قام الحصين بن المنذر وكان أحدث القوم سنًا، فقال:
"إنما بني هذا الدين على التسليم، فلا تدفعوه بالقياس، ولا تهدموه بالشبهة، وإنا والله لو أنا لا نقبل من الأمور إلا ما نعرف، لأصبح الحق في الدنيا قليلًا، ولو تركنا وما نهوى، لأصبح الباطل في أيدينا كثيرًا، وإن لنا راعيًا قد حمدنا ورده وصدره، وهو المأمون على ما قال وفعل، فإن قال: لا. قلنا: لا، وإن قال: نعم، قلنا: نعم".
266-
خطبة عثمان بن حنيف:
ثم قام عثمان بن حنيف، وكان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عاملًا لعلي على البصرة وله فضل، فقال:
"أيها الناس: اتهموا رأيكم، فقد والله كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية يوم أبي جندل1، وإنا لنريد القتال إنكارًا للصلح حتى ردنا عنه رسول الله
1 هو أبو جندل بن سهيل بن عمرو. وقصته: أنه لما كانت غزوة الحديبية "سنة ست للهجرة" بعثت قريش من قبلها سهيل بن عمرو ليكلم الرسول صلى الله عليه وسلم في المصالحة، وقد جرى بينهما الصلح وكتبت صحيفته، وكان من شروطه، وضع الحرب عن الناس عشر سنين يكف بعضهم عن بعض على أن من أتى محمدًا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشًا ممن مع محمد لم يردوه عليه، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب هو وسهيل إذ جاء أبو جندل بن سهيل يرسف في الحديد قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان المسلمون حين خرجوا لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع دخل عليهم من ذلك أمر عظيم، ولما رأى سهيل ابنه أبا جندل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بتلبيبه "بفتح التاء: ما في موضع اللبب "أي النحر" من الثياب" ثم قال: يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا، قال صدقت،=
صلى الله عليه وسلم، وإن أهل الشأم دعونا إلى كتاب الله اضطرارًا، فأجبناهم إليه إعذارًا، فلسنا والقوم سواء، إنا والله ما عدلنا الحي بالحي، ولا القتيل بالقتيل، ولا الشامي بالعراقي، ولا معاوية بعلي، وإنه لأمر منعه غير نافع، وإعطاؤه غير ضائر، وقد كلت البصائر التي كنا نقاتل بها، وقد حمل الشك اليقين الذي كنا نئول إليه، وذهب الحياء الذي كنا نماري به، فاستظلوا في هذا الفيء1، واسكنوا في هذه العافية، فإن قلتم نقاتل على ما كنا نقاتل عليه أمس، فهيهات هيهات ذهب والله قياس أمس وجاء غد".
= فجعل ينثره بتلبيبه ويجره ليرده إلى قريش، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني؟ فزاد الناس إلى ما بهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا أبا جندل، اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحًا، وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله وإنا لا نغدر بهم"، ووثب عمرو بن الخطاب مع أبي جندل يمشي إلى جنبه ويقول: اصبر يا أبا جندل فإنما هم المشركون. وإنما دم أحدهم دم كلب. ويدني قائم السيف منه. قال عمر: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه فضن الرجل بأبيه ونفذت القضية.
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه أبو بصير عتبة بن أسيد وكان ممن حبس بمكة، فبعثت قريش في أثره رجلين يطلبان تسليمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا أبا بصير إنا قد أعطينا القوم ما قد علمت، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا. فانطلق إلى قومك". قال: يا رسول الله أتردني إلى المشركين يفتنونني في ديني؟ قال: "يا أبا بصير انطلق"، فانطلق معهما حتى إذا كان في بعض الطريق عدا على أحدما فقتله وهرب الآخر، ورجع أبو بصير إلى المدينة، فقال: يا رسول الله وفت ذمتك، وأدى الله عنك، أسلمتني ورددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم، وخرج أبو بصير إلى ساحل البحر بطريق قريش التي كانوا يأخذون عليها إلى الشام، وخرج المسلمون، الذين كانوا حبسوا بمكة إليه، وانفلت إليه أبو جندل بن سهيل، فاجتمع إليه قريب من سبعين رجلًا منهم وضيقوا على قريش، لا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه، ولا تمر بهم عير إلا اقتطعوها، حتى كتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله بأرحامها إلا آواهم، فلا حاجة لهم بهم، فآواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدموا على المدينة.
1 الفيء: ما كان شمسًا فينسخه الظل.