الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طاعن، قال كسرى: فإن أتاك آت من جهة عينك العوراء ما أنت صانع؟ قال: ما هيبتي في قفاي بدون هيبتي في وجهي، وما أذهب عيني عيث1، ولكن مطاوعة العبث.
1 الإفساد.
خطبة عمرو بن معد يكرب الزبيدي
…
40-
خطبة عمرو بن معد يكرب الزيبدى:
ثم قام عمرو بن معد يكرب الزبيدي، فقال:
"إنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه؛ فبلاغ المنطق الصواب، وملاك النجعة1 الارتياد، وعفو الرأي خير من استكراه الفكرة، وتوقيف الخبرة خير من اعتساف الحيرة، فاجتبذ2 طاعتنا بلفظك، واكتظم بادرتنا بحلمك، وألن لنا كنفك يسلس لك قيادنا، وإنا أناس يوقس3 صفاتنا قراع مناقير4 من أراد لنا قضمًا5، ولكن منعنا حمانا من كل رام لنا هضمًا".
1 النجعة: طلب الكلأ في موضعه.
2 اجتذب.
3 الوقس: انتشار الجرب في البدن، والتوقيس: الإجراب، أي لم يخدش صفاتنا ويؤثر فيها.
4 جمع منقار، وهو حديد كالفأس ينقر بها.
5 أصله الأكل بأطراف الأسنان.
41-
خطبة الحارث بن ظالم المري:
ثم قام الحرث بن ظالم المري؛ فقال:
"إن من آفة المنطق الكذب، ومن لؤم الأخلاق الملق، ومن خطل الرأي خفة الملك المسلط؛ فإن أعلمناك أن مواجعتنا لك عن الائتلاف، وانقيادنا لك عن تصف، فما أنت لقبول ذلك منا بخليق، ولا للاعتماد عليه بحقيق؛ ولكن الوفاء بالعهود، وإحكام ولث العقود، والأمر بيننا وبينك معتدل، ما لم يأتِ من قبلك ميل أو زلل".
قال كسرى: من أنت؟ قال: الحارث بن ظالم، قال إن في أسماء آبائك لدليلًا على قلة وفائك، وأن تكون أولى بالقدر، وأقرب من الوزر. قال الحارث: إن في الحق مغضبة. والسرو التغافل1، ولن يستوجب أحد الحلم إلا مع القدرة؛ فلتشبه أفعالك مجلسك، قال كسرى: هذا فتى القوم
ثم قال كسرى: قد فهمت ما نطقت به خطباؤكم، وتفتن فيه متكلموكم، ولولا أني أعلم أن الأدب لم يثقف أودكم، ولم يحكم أمركم، وأنه ليس لكم ملك يجمعكم؛ فتنطلقون عنده منطق الرعية الخاضعة الباخعة؛ فنطقتم بما استولى على ألسنتكم، وغلب على طباعكم، لم أجز لكم كبيرًا مما تكلمتم به، وإني لأكره أن أجبه وفودي، أو أحنق صدورهم، والذي أحب من إصلاح مدبركم، وتألف شواذكم، والإعذار إلى الله فيما بيني وبينكم، وقد قبلت ما كان في منطقكم من صواب، وصفحت عما كان فيه من خلل؛ فانصرفوا إلى ملككم، فأحسنوا موازرته، والتزموا طاعته، واردعوا سفهاءكم وأقيموا أودهم، وأحسنوا أدبهم؛ فإن في ذلك صلاح العامة.
"العقد الفريد 1: 101".
1 السرو: المروءة في شرف.