الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى بني شيبان، فأتوا مرة بن ذهل بن شبيان "أبا جساس" وهو في نادي قومه" فقالوا له:
"إنكم أتيتم عظيمًا بقتلكم كليبًا بناب1 من الإبل؛ فقطعتم الرحم، وانتهكتم الحرمة، وإنا كرهنا العجلة عليكم دون الإعذار إليكم، ونحن نعرض عليكم خلالًا أربعًا، لكم فيها مخرج، ولنا فيها مقنع؛ فقال مرة: وما هي؟ قالوا: تحيي لنا كليبًا، أو تدفع إلينا جساسًأ قاتله فنقتله به، أو همامًا2 فإنه كفء له، أو تمكننا من نفسك؛ فإن فيك وفاء من دمه، فقال:" أما إحيائي كليبًا؛ فهذا ما لا يكون، وأما جساس؛ فإنه غلام طعن طعنة على عجل، ثم ركب فرسه؛ فلا أدري أي البلاد احتوى عليه، وأما همام فإنه أبو عشر، وأخو عشرة، وعم عشرة، كلهم فرسان قومهم؛ فلن يسلموه لي، فأدفعه إليكم يقتل بجريرة3 غيره. وأما أنا فهل هو إلا أن تجول الخيل جولة غدًا؛ فأكون أول قتيل بينهما؟ فما أتعجل الموت؛ ولكن لكم عندي خصلتان: أما إحداهما فهؤلاء بني الباقون، فعلقوا في عنق أيهم شئتم نسعة؛ فانطلقوا به إلى رحالكم، فاذبحوه ذبح الجزور، وإلا فألف ناقة سود الحدق، حمر الوبر، أقيم لكم بها كفيلًا من بني وائل؛ فغضب القوم وقالوا: لقد أسأت، تبذل لنا ولدك، وتسومنا اللبن من دم كليب؟ " ونشبت الحرب بينهم.
"العقد الفريد3: 78، والكامل لابن الأثير1: 190، والأغاني4: 141".
1 الناقة المسنة.
2 هو همام بن مرة أخو جساس، وكان نديمًا لمهلهل.
3 الجريرة: الجريمة.
25-
منافرة علقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل العامريين:
لما أسن أبو براء: عامر بن مالك بن جعفر بن ملاعب الأسنة، تنازع في الرياسة عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر، وعلقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر.
فقال علقمة: كانت لجدي الأحوص؛ وإنما صارت لعمك بسببه، وقد قعد عمك عنها، وأنا استرجعتها؛ فأنا أولى بها منك، فشرى1 الشر بينهما، وسار إلى المنافرة. فقال علقمة: إن شئت نافرتك؛ فقال عامر قد شئت. والله إني لأكرم منك حسبًا2، وأثبت منك نسبًا، وأطول منك قصبًا3.
فقال علقمة: والله لأنا خير منك ليلًا ونهارًا؛ فقال عامر: والله لأنا أحب إلى نسائك أن أصبح فيهم منك، أنا أنحر منك للقاح4، وخير منك في الصباح، وأطعم منك في السنة الشياح5.
فقال علقمة: أنا خير منك أثرًا، وأحد منك بصرًا، وأعز منك نفرًا، وأشرف منك ذكرًا؛ فقال عامر: ليس لبني الأحوص فضل على بني مالك في العدد، وبصري ناقص، وبصرك صحيح؛ ولكني أنافرك، إني أسمى منك سمة6، وأطول منك قمة، وأحسن منك لمة7، وأجعد منك جمة8، وأسرع منك رحمة، وأبعد منك همة؛ فقال: علقمة: أنت رجل جسيم؛ فقال عامر. آباؤك أعمامي، ولم أكن لأنافرك بهم لكني أنافرك، أنا خير منك عقبًا، وأطعم منك جدبًا. فقال علقمة: قد علمت أن لك عقبًا، وقد أطعمت طيبًا، ولكن أنافرك، إني خير منك، وأولى بالخيرات منك.
فخرجت أم عامر -وكانت تسمع كلامهما- فقالت: يا عامر نافره، أيكما أولى الخيرات. قال عامر: إني والله لأركب منك في الحماة، وأقتل منك للكماة.10،
1 استطار.
2 الحسب: ما تعده من مفاخر آبائك، أو الشرف الثابت في الآباء، أو الكرم، أو الشرف في الفعل أو الفعال الصالح.
3 القصب عظام اليدين والرجلين ونحوهما، كناية عن طول قامته.
4 الإبل: واحدتها لقوح.
5 الشياح: القحط.
6 السمة: القرابة، ويروى أنا أنشر منك أمة، أي أكثر قومًا.
7 اللمة: الشعر المجارز شحمة الأذن.
8 مجتمع شعر الرأس.
9 نحيف من القضف، وهو النحافة.
10 جمع كمي، وهو الشجاع.
وخير منك لمولى والمولاة: فقال له علقمة: والله إني لبر، وإنك لفاجر، وإني لولود، وإنك لعاقر1، وإني لعف، وإنك لعاهر، وإني لوفي، وإنك لغادر؛ ففيم تفاخرني يا عامر؟ فقال عامر: والله إني لأنزل منك للقفرة2، وأنحر منك للبكرة3 وأطعم منك للهبرة4، وأطعن منك للثغرة؛ فقال علقمة: والله إنك لكليل البصر، نكد النظر، وثاب على جاراتك بالسحر.
فقال بنو خالد بن جعفر -وكانوا يدًا مع بني الأحوص على بني مالك بن جعفر- لن تطيق عامرًا؛ ولكن قل له أنافرك وأقر بنا إلى الخيرات؛ فقال له علقمة هذا القول، فقال عامر: عير5 وتيس، وتيس وعنز. فذهبت مثلًا. نعم، على مائة من الإبل إلى مائة من الإبل يعطاها الحكم، أينا نفر عليه صاحبه أخرجها؛ ففعلوا ذلك، ووضعوا بها رهنًا من أبنائهم على يدي رجل يقال له خزيمة بن عمرو بن الوحيد؛ فسمي "الضمين".
وخرج علقمة ومن معه من بني خالد، وخرج عامر فيمن معه من بني مالك، وجعلا منافرتهما إلى أبي سفيان بن حرب بن أمية؛ فلم يقل بينهما شيئًا، وكره ذلك لحالهما وحال عشيرتهما، وقال: أنتما كركبتي البعير الأدرم6، قالا: فأينا اليمين؟ قال كلا كما يمين، وأبى أن يقضي بينهما؛ فانطلقا إلى أبي جهل بن هشام فأبى أن يحكم بينهما -وقد كانت العرب تحاكم إلى قريش- فأتيا عيينة بن حصن بن حذيفة،
1 رجل عاقر: لم يولد ولد.
2 القفر: القفر. الخلاء من الأرض.
3 البكرة: الفتية من الإبل.
4 الهبرة: قطعة مجتمعة من اللحم. هبره قطعه قطعًا كبارًا، وهبر له من اللحم هبرة قطع قطعة.
5 العير: الحمار وغلب على الوحشي، وهو أقوى من التيس، أي مثلي وإياك كالعير والتيس، أو على الأقل كالتيس والعنز؛ إذ التيس أقوى على النطاح من العنز، وفي المثل:"كان عنزًا فاستتيس" أي صار تيسًا. يضرب الذليل الضعيف يصير عزيزًا قويًّا.
6 درم العظم: واراه اللحم حتى يبن له حجم، وامرأة درماء لا تستبين كهوبها ومرافقها، وكل ما غطاه الشحم واللحم وخفي حجمه فقد درم.
فأبى أن يقول بينهما شيئًا؛ فأتيا غيلان بن سلمة الثقفي؛ فردهما إلى حرملة بن الأشعر المري، فردهما إلى هرم بن قطبة بن سنان الفزاري؛ فانطلقا حتى نزلا به، وقد ساقا الإبل معهما حتى أشتت وأربعت، لا يأتيان أحدًا إلا هاب أن يقضي بينهما؛ فقال هرم: لعمري لأحكمن بينكما ثم لأفضلن؛ فأعطياني موثقًا أطمئن إليه أن ترضيا بما أقول، وتسلما لما قضيت بينكما، وأمرهما بالإنصراف، ووعدهما ذلك اليوم من قابل، فانصرفا، حتى إذا بلغ الأجل خرجا إليه، وأقام القوم عنده أيامًا.
فأرسل هرم إلى عامر فأتاه سرًا لا يعلم به علقمة؛ فقال يا عامر: قد كنت أرى لك رأيًا، وأن فيك خيرًا. وما حبستك هذه الأيام إلا لتنصرف عن صاحبك، أتنافر رجلًا لا تفخر أنت وقومك إلا بآبائه! فما الذي أنت به خير منه؟ فقال عامر: نشدتك الله والرحم أن لا تفضل علي علقمة، فوالله لئن فعلت لا أفلح بعدها أبدًا. هذه ناصيتي فاجزرها واحتكم في مالي؛ فإن كنت لابد فاعلًا، فسو بيني وبينه، قال: انصرف فسوف أرى رأيي. فخرج عامر وهو لا يشك أنه ينفره1 عليه، ثم أرسل إلى علقمة سرًا لا يعلم به عامر، فأتاه، وقال له مثل ما قال لعامر، فرد عليه علقمة بما رد به عامر، وانصرف وهو لايشك أنه سيفضل عليه عامرًا. ثم إن هرمًا أرسل إلى بنيه وبني أبيه: إني قائل غدًا بين هذين الرجلين مقالة؛ فإذا فعلت فليطرد بعضكم عشر جزائر، فينحرها عن علقمة، ويطرد بعضكم عشر جزائر، ينحرها عن عامر، وفرقوا بين الناس لا تكون لهم جماعة، وأصبح هرم فجلس مجلسه، وأقبل الناس، وأقبل علقمة وعامر حتى جلسا، فقام هرم فقال: يا بني جعفر، قد تحاكمتما عندي، وأنتما كركبتي
1 أنفره عليه ونفره عليه: قضى له عليه بالغلبة.