الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11-
خطبته يوم فتح مكة:
وقف على باب الكعبة ثم قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا كل مأثرة1 أو دم أو مال يدعى؛ فهو تحت قدمي هاتين، إلا سدانة البيت2، وسقاية الحاج، ألا وقتل الخطأ مثل العمد بالسوط والعصا، فيهما الدية مغلظة، منها أربعون خلفة3 في بطونها أولادها، يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية، وتعظمها4 بالآباء، الناس من آدم، وآدم خلق من تراب، ثم تلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] الآية يا معشر قريش "أو يأهل مكة" ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء".
"تاريخ الطبري 3: 120، وإعجاز القرآن ص112، والكامل لابن الأثير 2: 121، وسيرة ابن هشام 2: 273".
1 المأثرة: المكرة.
2 خدمة الكعبة.
3 الخلفة: الحامل من النياق.
4 تعظم: تكبر.
12-
خطبته في الاستسقاء:
روي أن أعرابيًّا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله في عام جدب؛ فقال: أتيناك يارسول الله، ولم يبق لنا صبي يرتضع، ولا شارف5 تجتر ثم أنشده:
أتيناك والعذراء بدمي لبابها6
…
وقد شغلت أم الرضيع عن الطفل
وألقى بكفيه الفتى لاستكانةٍ
…
من الجوع حتى ما يمر ولا يحلي7
1 المأثرة: المكرة.
2 خدمة الكعبة.
3 الخلفة: الحامل من النياق.
4 تعظم: تكبر.
5 الشارف من النوق: المسنة الهرمة كالشارفة.
6 أي يدمى صدرها لامتهانها نفسها في الخدمة حيث لا تجد ما تعطيه من يخدمها من الجدب وشدة الزمان.
7 أي ما يضر وما ينفع، أو ما يأتي بكلمة ولا فعلة مرة ولا حلوة.
ولاشيء مما يأكل الناس عندنا
…
سوى الحنظل العامي والعلهز الفسل1
وليس لنا إلا إليك فرارنا
…
وأين فرار الناس إلا إلى الرسل؟
فقام النبي صلى الله عليه وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبر، فحمد الله وأنثى عليه، وقال: "اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا، مريئًا هنيئًا مريعًا2، سحًّا سجالًا3، غدقًا4 طبقًا 5، ديمًا دررًا6، تحيي به الأرض وتنبت به الزرع، وتدر به الضرع، واجعله سقيًا نافعة، عاجلًا غير رائث7.
فوالله مارد رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله يده إلى نحره؛ حتى ألقت السماء أروافها8، وجاء الناس يضجون: الغرق الغرق يا رسول الله، فقال: اللهم حوالينا ولا علينا! ما فانجاب9 السحاب عن المدينة؛ حتى استدار حولها كالإكليل، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجده10.
"شرح ابن الحديدم 3 ص316".
1 العامي: الذي أتى عليه عام، قال الشاعر: "من أن شجاك طلل عامي: والعلهز: طعام من الدم والبر كان يتخذ في المجاعة، والفسل: الريء الرذل من كل شيء.
2 المربع الخصيب، أي تخصب به الأرض التي ينزل عليها.
3 أي متداولًا بين البلاد، ينال كل منها نصيبه منه، والسجل بالفتح: النصيب والدلو المماوءة العظيمة، ويقال الحرب سجال: أي نصرتها بين القوم متداولة سجل منها على هؤلاء وآخر على هؤلاء.
4 الغدق: الماء الكثير.
5 أي مالئًا للأرض مغطيًا لها، يقال غيث طبق: أي عام واسع يطبق الأرض.
6 هو جمع درة بالكسر، يقال للسحاب درة: أي صب واندفاق، وقيل الدرر: الدار، كقوله تعالى:"دِيْنًا قَيِّمًا" أي قائمًا.
7 أي غير بطيء.
8 ألقت السحابة أرواقها: أي مطرها ووبلها.
9 انكشف.
10 النواجذ: أقصى الأضراس.
عباد الله بتقوى الله، وأحثكم على طاعته، وأستفتح1 بالذي هو خير، أما بعد: أيها الناس اسعموا مني أبين لكم؛ فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا. أيها الناس: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد! فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وإن ربا الجاهلية موضوع، وإن أول ربًا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب2، وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب2، وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية، والعمد قود3، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير؛ فمن زاد، فهو من أهل الجاهلية.
أيها الناس: إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه4 قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك ما تحقرون من أعمالكم، أيها الناس: {إِنَّمَا النَّسِيء5 زِيَادَةٌ
1 الاستفتاح: الافتتاح والاستنصار.
2 وكان مسترضعًا في بني ليث فقتلته بنو هذيل.
3 القود: القصاص، أي من قتل عمدًا يقتل.
4 في رواية الكامل لابن الأثير: "إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه أبدًا، ولكنه يطاع فيما سوى ذلك، وقد رضي بما تحقرون من أعمالكم".
5 أي تأخير حرمة شهر إلى آخر، وذلك أن العرب في الجاهلية كانوا إذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه، وحرموا مكانه شهرًا آخر فيحلون المحرم، ويحرمون صفرًا؛ فإن احتاجوا أحلوه وحرموا ربيعًا الأول، وهكذا حتى استدار التحريم على الشهور السنة كلها، وكانوا يعتبرون في التحريم مجرد العدد لاخصوصية الأشهر المعلومة، وأول من أحدث ذلك جنادة بن عوف الكناني، كان يوم على جمل في الموسم فينادي: إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه، ثم ينادي في القبائل: إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم؛ فحرموه -زيادة في الكفر، أي كفر آخر ضموه إلى كفرهم. ليواطئوا: أي يوافقوا عدة الأشهر الأربعة المحرمة، وكانوا ربما زادوا في عدد الشهور بأن يجعلوها ثلاثة عشر أو أربعة عشر ليتسع لهم الوقت ويجعلوا أربعة أشهر من السنة حرامًا أيضًا، ولذا نص على العدد المبين في الكتاب والسنة، وكان وقت حجهم يختلف من أجل ذلك، وكان في السنة التاسعة التي حج فيها أبو بكر بالناس في ذي القعدة، وفي حجة الوداع في ذي الحجة، وهو الذي كان على عهد إبراهيم الخليل ومن قبله من الأنبياء، ولذا قال عليه الصلاة السلام "إن الزمان قد استدار
…
إلخ" - راجع تفسير الألوسي جـ3 ص305.
فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ} ، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله، يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات، وواحد فرد: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب1 الذي بين جمادى وشعبان، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد!
أيها الناس: إن لنسائكم عليكم حقًّا، ولكم عليهن حق، لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم غيركم ولا يدخلن أحدًا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، ولا يأتين بفاحشة؛ فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن2 وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربًا غير مبرح؛ فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالعروف، وإنما النساء عندكم عوان3 لا يملكن لأنفسهن شيئًا، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيرًا، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد!
أيها الناس: إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه؛ ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد! فلا ترجعن بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا بعده، كتاب الله، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد!
أيها الناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى؛ ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد! قالوا نعم. قال: فليبلغ الشاهد الغائب.
1 قالوا في تثنية رجب وشعبان رجبان للتغليب.
2 العضل: الحبس والتضييق.
3 جمع عانية من عنا، أي خضع وذل، والعاني: الأسر.