الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
58-
شافع بن كليب الصدفي يتكهن بظهور النبي صلى الله عليه وسلم:
قدم على تبع الآخر ملك اليمن، قبل خروجه لقتال المدينة1، شافع بن كليب الصدفي2، وكان كاهنًا؛ فقال له تبع: هل تجد لقوم ملكًا يوازي ملكي؟ قال: لا، إلا ملك غسان، قال: فهل تجد ملكًا يزيد عليه؟ قال: "أجده لبارٍّ مبرور، ورائد3 بالقهور4، ووصف في الزبور، فضلت
1 قال ابن إسحق: "كان تبع الآخر حين أقبل من المشرق بعد أن ملك البلاد جعل طريقه على المدينة، وكان حين مر بها في بدايته لم يهج أهلها، وخلف بين أظهرهم ابنًا له؛ فقلت غيلة، فقدمها وهو مجمع على تخريبها واستئصال أهلها؛ فجمع له الأنصار حين سمعوا ذلك وخرجوا لقتاله، فتزعم الأنصار أنهم كانوا يقاتلون بالنهار ويقرونه بالليل؛ فيعجبه ذلك منهم، ويقول: والله إن قومنا لكرام؛ فبينا هو على ذلك داءه حبران من أحبار اليهود من بني قريظة عالمان راسخان في العلم؛ فقالا له: قد سمعنا ما تريد أن تفعل، وإنك إن أبيت إلا ذلك، حيل بينك وبينه، ولم نأمن عليك عاجل العقوبة؛ فقال: ولم ذلك؟ قالا: إنها مهاجر "بفتح الجيم" نبي يخرج من هذا الحرم من قريش تكون داره وقراره؛ فانتهى عما كان يريد، وأعجبه ما سمع منهما، واتبعها على دينهما، وكان هو وقومه أصحاب أوثان، وخرج متوجهًا إلى اليمن فدعا قومه إلى اليهودية فأبوا عليه، ثم أطبقوا على دينه؛ فمن هنالك وعن ذلك كان أصل اليهودية باليمن "سيرة ابن هشام 1: 11، والكامل لابن الأثير 1: 146".
2 الصدفي نسبة إلى صدف ككتف: بطن من كندة.
3 الرائد في الأصل: المرسل في طلب الكلأ من الرواد وهو الطلب، يعني به نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان رائدًا لأمته يرتاد لها الخير قال عليه الصلاة والسلام في أول خطبة خطبها بكمة حين دعا قومه:"إن الرائد لا يكذب أهله".
4 جاء في معجم البلدن: "القهر "كشمس" أسافل الحجاز مما يلي نجدًا من قبل الطائف. وأنشد لخداش بن زهير:
دعوا جانبي، إني سأنزل جانبًا
…
لكم واسعًا بين اليمامة والقهر
وأقول: هذا الوصف ينطبق على مكة فهي واقعة جنوبي الحجاز
…
إلخ؛ فالمعنى: أجد ملكًا يزيد على ملكك لرائد يظهر بتلك البقاع" أما كلمة القهور فلم أجدها في معجم، ولعل الكاهن جمع "القهر" على قهور؛ لإقامة الفاصلة، أو هو على حد قوله امرئ القيس:
يزيد الغلام الخف عن صهواته
…
كما زلت الصفواء المتنزل
أمته في السفور1، يفرج الظلم بالنور، أحمد النبي، طوبى لأمته حين يجي، أحد بني لؤي، ثم أحد بني قصي".
فنظر تبع في الزبور؛ فإذا هو يجد صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
"تاريخ الكامل لابن الأثير 1: 164".
1 السفر "كحمل" الكتاب الكبير، أو جزء من أجزاء التوارة، وفي كتب اللغة أنها تجمع على أسفار، ولعله جمعها على سفور للمحافظة على السجع أيضًا.
59-
سطيح الذئبي 1 يعبر رؤيا ربيعة بن نصر اللخمي:
ورأى ربيعة بن نصر اللخمي ملك اليمن -وقد ملك بعد تبع الآخر- رؤيا هالته؛ فلم يدع كاهنًا، ولا ساحرًا، ولا عائفًا، ولا منجمًا من أهل مملكته إلا جمعه إليه؛ فقال لهم: إني قد رأيت رؤيا هالتني وفظعت2 بها، فأخبروني بها وبتأويلها، قالوا له: اقصصها علينا نخبرك بتأويلها، قال: إني إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم عن تأويلها؛ فإنه لا يعرف تأويلها إلا من عرفها قبل أن أخبره بها؛ فقال له رجل منهم: فإن كان الملك يريد هذا؛ فليبعث إلى سطيح وشق؛ فإنه ليس أحد أعلم منهما فيها، يخبرانه بما سأل عنه، فبعث إليهما، فقدم عليه سطيح قبل شق، فقال له: إني قد رأيت رؤيا
1 اسمه ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن غسان، وكان يقال له الذئبي نسبة إلى ذئب بن عدي، وكان من المعمرين قيل عاش ثلثمائة سنة وقيل سبعمائة، وزعموا أنه لم يكن له رأس ولا عنق، وأن وجهه كان في صدره، وأنه كان جسدًا ملق لا جوارح له، وكان لا يقدر على الجلوس إلا إذا غضب؛ فإنه ينتفخ فيجلس، وكان له سرير، وإذا أريد استخباره ليخبر عن المغيبات يحرك كما يحرك سفاء اللبن فينتفخ ويمتلئ ويعلوه النفس؛ فيسأل فيخبر عما يسأل عنه، "كذا" وأن كاهنة بني سعد بن هذيم وكانت بأعالى الشأم لما حضرتها الوفاة طلبت سطيحًا وشقًا "وسيأتي ذكره" وتفلت في فهما، وذكرت أن سطيحًا يخلفها في كهانتها، ثم ماتت في يومها ذلك.
2 فظع بالأمر كفرح فظاعة: إذا هاله وغلبه.
هالتني وفظعت بها، فأخبرني بها؛ فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها. قال: أفعل "رأيت حممة1، خرجت من ظلمة2؛ فوقعت بأرض تهمة3، فأكلت منها كل ذات جمجمة4"؛ فقال له الملك: ما أخطأت منها شيئًا يا سطيح، فما عندك في تأويلها؟ فقال:"أحلف بما بين الحرتين5 من حنش، ليهبطن أرضكم الحبش؛ فليملكن ما بين أبين6 إلى جرش7" فقال له الملك: وأبيك يا سطيح. إن هذا لنا لغائظ موجع؛ فمتى هو كائن، أفي زماني هذا أم بعده؟ قال:"لا؛ بل بعده بحين، أكثر من ستين أو سبعين، يمضين من السنين" قال: أفيدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع؟ قال: "لا، بل ينقطع لبضع وسبعين من السنين، ثم يقتلون بها أجميعن، ويخرجون منها هاربين" قال: ومن يلي ذلك من قتلهم وإخراجهم؟ قال: " يليه إرم8 ذي يزن، يخرج عليهم من عدن، فلا يترك أحدًا منهم باليمن" قال: أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع؟ قال: "بل ينقطع" قال: ومن يقطعه؟ قال: "نبي زكي، يأتيه الوحي من قبل العلي" قال: وممن هذا النبي؟ قال: "رجل من ولد غالب بن فهر، بن مالك بن النضر، يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر" قال: وهل للدهر من آخر؟ قال:
1 الحممة وتجمع على حمم: الفحمة والرماد وكل ما احترق من النار، وتطلق الحممة على الجمر مجازًا باعتبار ما يتول إليه وهو المراد هنا.
2 الظلمة: الظلام، وسترى في تعبير الرؤيا أنها إشارة إلى الأحباش السود.
3 التهمة بالتحريك: الأرض المنصوبة إلى البحر، كالتهم محركة أيضًا كأنهما مصدران من تهامة؛ لأن التهائم منصوبة إلى البحر ويقال أيضًا: أرض تهمة كفرحة أي شديدة الحر، من التهم بالتحريك وهو شدة الحر وفي ابن الأثير "بهمة" بالباء يقال: أرض بهمة كفرحة أي كثيرة البهمي، والبهمي بالضم اسم نبت، والضبط الأول عندي أرجح.
4 أي كل نفس
5 الحرة: أرض ذات حجارة سود نخرة.
6 مخلاف باليمن منه مدينة عدن.
7 مخلاف باليمن من جهة مكة.
8 الإرم كعنب وكتف: العلم "بالتحريك" أو خاص بعاد، والعلم سيد القوم، أي يتولاه سيد نبي ذي يزن، وهو سيف بن ذي يزن.
"نعم. يوم يجتمع فيه الأولون والآخرون، يسعد فيه المحسنون، ويشقى فيه المسيئون". قال: أحق ما تخبرنا يا سطيح؟ قال: "والشفق، والغسق1، والفلق2 إذا انشق، إن ما أنبأتك به لحق".
1 الشفق: الحمرة في الأفق إلى قريب العتمة، والغسق: ظلمة أول الليل.
2 الفلق: الصبح أو ما انفلق من عموده.
60 شق أنمار 1 يعبر رؤيا ربيعة بن نصر أيضًا:
ثم قدم عليه شق، فقال له كقوله لسطيح، وكتمه ما قال سطيح، لينظر أيتفقان أم يختلفان، قال:"نعم، رأيت حممة، خرجت من ظلمة؛ فوقعت بين روضة وأكمة فأكلت منها كل ذات نسمة"؛ فلما سمع الملك ذلك قال: ما أخطأت يا شق منها شيئًا، فما عندك في تأويلها؟ قال:"أحلف بما يبن الحرتين من إنسان، لينزلن أرضكم السودان؛ فليغلبن على كل طفلة2 البنان. وليملكن ما بين أبين إلى نجران3" فقال له الملك: وأبيك يا شق، إن هذا لنا لغائط موجع؛ فمتى هو كائن، أفي زماني أم بعده؟ قال:"لا، بعده بزمان، ثم يستنقذكم منهم عظيم ذو شان، ويذيقهم أشد الهوان" قال: ومن هذا العظيم الشأن؟ قال: "غلام بدني ولا مدن4، يخرج عليهم من بيت ذي يزن5" قال أفيدون سلطانه أم ينقطع؟ قال: "بل ينقطع برسول
1 هو شق بن مصعب بن يشكر بن رهم بن أقزل بن قيس بن عبقر بن أنمار بن نزار، وزعموا أنه كان شق إنسان "أي نصفه" له يد وحدة ورجل واحدة وعين واحدة.
2 مؤنث طفل: وهو الرخص الناعم من شيء.
3 مخلاف شمالي اليمن.
4 الدني: مسهل عن دنيء، والمدني: المقصر عما ينبغي له أن يفعله، وفي ابن الأثير "مزن" بالزاى والمزن: المتهم، من أزنته بكذا أي اتهمته به.
5 وخبر ذلك أن زرعة بن كعب الملقب بذي نواس أحد ملوك التباعية باليمن "وكان قد تهود وتعصب لليهودية وحمل عليها قبائل اليمن" اضطهد نصارى نجران؛ لأن يهوديًّا بنجران عدا أهلها على ابنين له فقتلوهما ظلمًا؛ فتوسل إلى ذي نواس باليهودية، واسنتصره عليهم؛ فحمي له ولدينه وغزاهم، ويقال إن رجلًا من أهل نجران أفلت من القتل، وسار إلى قيصر الروم يستنجده على ذي نواس؛ فبعث قيصر إلى نجاشي الحبشة يأمره بنصرة النصارى؛ فجهز جيشًا إلى اليمن، فركبوا البحر إليها، ولقيهم ذو نواس فيمن معه فدارت الدائرة عليه، وملكت الحبشة اليمن، ولما طال البلاء من الحبشة على أهلها خرج سيف بن ذي يزن الحميري وقدم على قيصر يوستنيان يستنجده على الحبشة فأبى، وقال: الحبشة على دين النصارى؛ فرجع إلى كسرى أنوشروان واستعانه، فأمده بجيش ممن كانوا في سجونه، فقاتلوا الأحباش وهزموهم؛ فرجع إلى كسرى عرش آبائه على فريضة يؤديها كل عام للفرس حتى قتل؛ فأرسل كسرى عاملًا على اليمن واستمرت عماله إلى أن كان آخرهم بإذان فأسلم، وصارت اليمن إلى الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.