الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
235-
خطبة أخرى للإمام:
وخطب الإمام علي ذلك اليوم أيضًا، فقال:
"أيها الناس: إن الله تعالى ذكره، قد دلكم على تجارة تنجيكم من العذاب، وتشفي1 بكم على الخير، إيمان بالله ورسوله، وجهاد في سبيله، وجعل ثوابه مغفرة الذنوب، ومساكن طيبة في جنات عدن، ورضوان من الله أكبر، وأخبركم بالذي يحب فقال:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص، وقدموا الدارع، وأخروا الحاسر، وعضوا على الأضراس، فإنه أنبى للسيوف عن الهام، وأربط للجأش، وأسكن للقلوب، وأميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل، وأولى بالوقار، والتووا في أطراف الرماح، فإنه أمْوَر2 للأسنة، ورايتكم فلا تميلوها، ولا تزيلوها، ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم، المانعي الذمار3، والصبر عند نزول الحقائق، أهل الحفاظ الذين يخفرون4 برايتكم ويكنفونها يضربون خلفها وأمامها، ولا يضيعونها، أجزأ كل امرئ مسلم قرنه5، وواسى أخاه بنفسه، ولم يكل قرنه إلى أخيه، فيجمع عليه قرنه وقرن أخيه، فيكسب بذلك اللائمة، ويأتي به دناءة، أنى هذا، وكيف يكون هذا؟ هذا يقاتل اثنين، وهذا ممسك يده، قد خلى قرنه إلى أخيه هاربًا منه، أو قائمًا ينظر إليه؟ من يفعل هذا مقته الله، فلا تعرضوا لمقت الله، فإنما مردكم إلى الله، قال الله تعالى لقوم عابهم: {لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا
1 أشفى عليه: أشرف.
2 اسم تفضيل من مار، سهم مائر: أي خفيف نافذ داخل في الأجسام.
3 ما يلزمك حفظه وحمايته.
4 خفره وبه وعليه يخفر بكسر الفاء وضمها: أجاره ومنعه وآمنه.
5 القرن: كفؤك في الشجاعة "أو عام" وأجزأه: أغناه وكفاه.
قَلِيلاً} وايم الله إن فررتم من سيف الله العاجلة، لا تسلمون من سيف الآخرة، استعينوا بالصدق والصبر، فإنه بعد الصبر ينزل النصر".
"شرح ابن أبي الحديد م 1: ص 483 وتاريخ الطبري 6: 9".
236-
خطبة للإمام علي:
ومر الإمام علي كرم الله وجهه على جماعة من أهل الشأم، فيها الوليد بن عقبة وهم يشتمونه، فخبر بذلك، فوقف فيمن يليهم من أصحابه، فقال:
"انهدوا1 إليهم، عليكم السكينة والوقار، وقار الإسلام وسيمى الصالحين، فوالله لأقرب قوم من الجهل قائدهم ومؤذنهم2 معاوية وابن النابغة3 وأبو الأعور السلمي، وابن أبي معيط، شارب الخمر، المجلود حدًّا في الإسلام، وهم أولى من يقومون، فينقصونني ويجدبونني4، وقبل اليوم ما قاتلوني، وأنا إذ ذاك أدعوهم إلى الإسلام، وهم يدعونني إلى عبادة الأصنام، الحمد لله قديمًا عاداني الفاسقون، فعبدهم5 الله، ألم يفنخوا6؟ إن هذا لهو الخطب الجليل، إن فساقا كانوا غير مرضيين، وعلى الإسلام وأهله متخوفين، خدعوا شطر هذه الأمة، وأشربوا قلوبهم حب الفتنة، واستمالوا أهواءهم بالإفك والبهتان، قد نصبوا لنا الحرب في إطفاء نور الله عز وجل، اللهم فافضض خدمتهم7، وشتت كلمتهم، وأبسلهم8 بخطاياهم، فإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت"،
"تاريخ الطبري 6: 24".
1 نهد الرجل: نهض، ونهد لعدوه: صمد له.
2 الأذين والمؤذن: الزعيم.
3 هو عمرو بن العاص، والنابغة: لقب أمه سلمى بنت حرملة.
4 الجدب بالتسكين: العيب.
5 ذللهم. المعبد: المذلل من الطريق وغيره.
6 الفنخ بالسكون: القهر، والغلبة والتذليل كالتفنيخ "وفي الأصل:"ألم يفتحوا" وهو تصحيف".
7 يقال: فض الله خدمتهم، أي فرق جماعتهم، الخدمة بالتحريك سير غليظ مضفور مثل الحلقة يشد في رسغ البعير، ثم يشد إليه سرائح النعل "أي سيورها: جمع سريحة" فإذا انفضت الخدمة انحلت السرائح وسقطت النعل، فضرب ذلك مثلًا لذهاب ما كانوا عليه وتفرقه، وشبه اجتماع أمرهم واتساقه بالحلقة المستديرة.
8 أبسله: أسلمه للهكلة، أي أهلكهم.