الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخارجين أن لا تكونوا عارًا على من يغزو لغيره1، وأن لا تخرجوا بأرض تسمون بها بعد اليوم، ولا تستعجلوا ضلال العام قابل، فقال له ابن الكواء: إن صاحبك لقينا بأمر، قولك فيه صغير، فأمسك.
قالوا: إن عليًّا خرج بعد ذلك إليهم، فخرج إليه ابن الكواء، فقال له علي: يابن الكواء: إنه من أذنب في هذا الدين ذنبًا يكون في الإسلام حدثًا، استتبناه من ذلك الذنب بعينه، وإن توبتك أن تعرف هدى ما خرجت منه، وضلال ما دخلت فيه. قال ابن الكواء: إننا لا ننكر أنا قد فتنا، فقال له عبد الله بن عمرو بن جرموز: أدركنا والله هذه الآية {الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} -وكان عبد الله من قراء أهل حروراء، فرجعوا فصلوا خلف علي الظهر، وانصرفوا معه إلى الكوفة، ثم اختلفوا بعد ذلك في رجعتهم ولام بعضهم بعضًا، ثم خرجوا على علي، فقتلهم بالنهروان.
"العقد الفريد 2: 240".
1 أي لغير منفعته الشخصية بل للم شعث المسلمين وجمع كلمتهم؛ يعني عليًّا وأصحابه.
305-
مناظرة ابن عباس لهم:
فلما استقروا بالكوفة أشاعوا أن عليًّا رجع عن التحكيم، وتاب منه، ورآه ضلالًا، فأتى الأشعث بن قيس عليًّا، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الناس قد تحدثوا أنك رأيت الحكومة ضلالًا، والإقامة عليها كفرًا وتبت، فخطب علي الناس فقال:
"من زعم أني رجعت عن الحكومة فقد كذب، ومن رآها ضلالًا فهو أضل منها، فخرجت الخوارج من المسجد فحكمت، فقيل لعلي: إنهم خارجون، فقال: لا أقاتلهم حتى يقاتلوني، وسيفعلون، فوجه إليهم عبد الله بن العباس.
فلما سار إليهم رحبوا به وأكرموه، فرأى منهم جباها قرحت لطول السجود،
وأيديا كثفنات1 الإبل، وعليهم قمص مرحضة2 وهم مشمرون. قالوا: ما جاء بك يابن عباس؟ قال: جئتكم من عند صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه، وأعلمنا بربه وسنة نبيه، ومن عند المهاجرين والأنصار، فقالوا: إنا أتينا عظيما حين حكمنا الرجال في دين الله، فإن تاب كما تبنا، ونهض لمجاهدة عدونا رجعنا، فقال ابن عباس: نشدتكم الله إلا ما صدقتم أنفسكم. أما علمتم أن الله أمركم بتحكيم الرجال في أرنب تساوي ربع درهم تصاد في الحرم، وفي شقاق امرأة ورجلها، فقالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم الله هل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عن القتال، للهدنة بينه وبين الحديبية3، قالوا: نعم ولكن عليًّا محا نفسه من خلافة المسلمين، قال ابن عباس: أذلك يزيلها عنه؟ وقد محا رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه من النبوة، قال سهيل4 بن عمرو: لو علمت أنك رسول الله ما حاربتك، فقال للكاتب5: اكتب محمد بن عبد الله وقد أخذ على الحكمين أن لا يجورا، فعلي أولى من معاوية وغيره، قالوا: إن معاوية يدعي مثل دعوى علي، قال: فأيهما رأيتموه أولى فولوه، قالوا: صدقت، قال ابن عباس: ومتى جار الحكمان فلا طاعة لهما، ولا قبول لقولهما".
فاتبعه منهم ألفان وبقي أربعة آلاف، فلم يزالوا على ذلك حتى اجتمعوا على البيعة لعبد الله بن وهب الراسبي.
"العقد الفريد 1: 212".
1 ثفنة البعير: ركبته.
2 قمص جمع قميص، ورحض الثوب: غسله.
3 أي وبين أهل الحديبية. والحديبية بئر قرب مكة، وكانت غزوة الحديبية سنة ست هجرية.
4 النائب عن قريش في عقد الصلح مع المسلمين.
5 وكان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.