الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن جناة الحرب للحين عرضة
…
تفوقهم منها الذعاف المقشما1
حذار؛ فلا تستنبثوها؛ فإنها
…
تغادر الأنف الأشم مكشما2
فقالا: لا، أيها الملك. بل نقبل نصحك، ونطيع أمرك، ونطفئ النائرة3، ونحل الضغائن، ونثوب إلى السلم.
1 تفوقهم: تسقيهم الفواق بالضم "وهو مابين الحلبتين" والذعاف: السم، أو سم ساعة "وسم ذعاف" والمقشم: المخلوط.
2 هو مثل: أي لا تخرجوا نبيثتها، وهو ما يخرج من البئر إذا حفرت: يريد لا تثيروا الحرب، ومكثما: مقطوعًا.
3 العداوة والشحناء.
1-
طريف بن العاصي والحارث بن ذبيان يتفاخران
عند بعض مقاول حمير:
اجتمع طريف بن العاصى الدوسى، والحارث بن ذبيان -وهو أحد المعمرين- عند بعض مقاول1 حمير، فتفاخرا. فقال الملك للحارث: يا حارث! ألا تخبرني بالسبب الذي أخرجكم عن قومكم حتى لحقتم بالنمر بن عثمان؟ فقال: أخبرك أيها الملك. خرج هجينان2 منا يرعيان غنمًا لهما؛ فتشاولا3 بسيفيهما؛ فأصاب صاحبهم عقب صاحبنا، فعاث4 فيه السيف، فنزف5، فمات، فسألونا أخذ دية صاحبنا دية الهجين، وهي نصف دية الصريح6، فأبى قومي، وكان لنا رباء7 عليهم؛ فأبينا إلا دية الصريح، وأبوا إلا دية الهجين؛ فكان اسم هجيننا ذهين بن زبراء، واسم صاحبهم عنقش بن مهيرة، وهي سوداء أيضًا8، فتفاقم الأمر بين الحيين، فقال رجل منا:
1 جمع مقول، والمقول والقيل هو الذي دون الملك الأعظم.
2 الهجين: عربي ولد من أمة، أو من أبوه خير من أمه "والمقرف: الذي أمه عربية، وأبوه ليس بعربي".
3 تضاربا.
4 أفسد.
5 نزف الرجل إذا سال دمه حتى يضعف.
6 الصريح: الخالص النسب.
7 زيادة.
8 كذا في الأصل، ولم يتقدم لكم الحكم على شيء بالسواد؛ فلعل الأصل:"ذهين بن زبراء وهي سوداء".
حلومكم يا قوم لا تعزبنها1
…
ولا تقطعوا أرحامكم بالتدابر
وأدوا إلى الأقوام عقل ابن عمهم
…
ولا ترهقوهم سبئة في العشائر2
فإن ابن زيراء الذي فاد لم يكن
…
بدون خليف أو أسيد بن جابر3
فإن لم تعاطوا الحق؛ فالسيف بيننا
…
وبينكم، والسيف أجور جائر
فتظافروا4 علينا حسدًا، فأجمع ذوو الحجى منا أن نلحق بأمنع بطن من الأزد؛ فلحقنا بالنمر بن عثمان، فوالله مافت5 في أعضادنا، فأبنا عنهم، ولقد أثارنا6 صاحبنا وهم راغمون.
فوئب طريف بن العاصى من مجلسه، فجلس بإزاء الحرث، ثم قال:
تالله ما سمعت كاليوم قولًا أبعد من صواب، ولا أقرب من خطل7، ولا أجلب لقدع8 من قول هذا، والله أيها الملك ما قتلوا بهجينهم بذجًا9، ولا رقوا به درجًا، ولا أنطوا10 به عقلًا، ولا أجتفئوا11 به خشلًا12، ولقد أخرجهم الخوف عن أصلهم، وأجلاهم عن محلهم، حتى استلانوا خشونة الإزعاج، ولجئوا إلى أضيق الولاج13: قلا وذلا.
فقال الحارث: أتسمع يا طريف، إني والله ما إخالك كافًا غرب14 لسانك، ولا منهنهًا15 شرة نزوانك، حتى أسطو بك سطوة تكف طماحك، وترد
1 لا تبعدنها - وأعزب: بعد وأبعد.
2 العقل: الدية، يقال: عقلت فلانًا إذا غرمت دينه، وعلقت عن فلان إذا غرمت عنه دية جنايته. وأرهقته عسرًا: كلفته ذلك.
3 فاد يفود: مات "وفاد يفيد: تبختر".
4 تظاهروا.
5 أوهن وأضعف.
6 اثأرت: أدركت منه ثأرى "وأصله اثتأر".
7 خطأ.
8 الكلام القبيح، أفذع له إذا أسمعه كلامًا قبيحًا.
9 البذج: الخروف، فارسي معرب.
10 لغة في أعطوا.
11 صرعوا.
12 الخشل: شجرة المقل "الدوم" وهذه أمثال كلها، يريد أنهم لم ينالوا ثأره.
13 الولاج الباب، وجمعه الولج، وهي أيضًا النواحي والأزقة.
14 غرب الشيء: حده.
15 نهنهه عن الأمر فتنهنه: كفه وزجره فكف، والشرة: الحدة، والنزوان: الوثوب.
جماحك، وتكبت تترعك1، وتقمع تسرعك.
فقال طريف: مهلًا يا حارث، لا تعرض لطحمة2 استناني، وذرب3 سناني، وغرب شبابي، وميسم4 سبابي، فتكون كالأظل5 الموطوء، والعجب الموجوء6.
فقال الحارث: إياي تخاطب مثل هذا القول؟ فو الله وطئتك لأسختك7، ولو وهصتك8 لأوهطتك9، ولو نفحتك10 لأفدتك.
فقال طريف متمثلًا:
وإن كلام المرء في غير كهه
…
لكالنبل تهوى ليس فيها نصالها
أما والأصنام المحجوبة، والأنصاب11 المنصوبة، لئن لم تربع على ظلمك12، وتقف عند قدرك، لأدعن حزنك سهلًا، وغمرك ضحلًا13، وصفاك14 وحلًا.
فقال الحارث: أما والله لو رمت ذلك لمرغت بالحضيض15، وأغصصت بالجريض16، وضاقت عليك الرحاب، وتقطعت بك الأسباب، ولألفيت لقى17
1 التسرع إلى الشر.
2 طحمة السيل دفعته، واستن الفرس قص وعدا لمرحه ونشاطه شوطًا أو شوطين، والاستنان: النشاط، استن الفرس: جرى في نشاطه على سننه في جهة واحدة.
3 الذرب: الحدة، وكذا الغرب.
4 المكواة.
5 الأظل: أسفل خف البعير.
6 العجب: أصل الذنب والموجوء: المدقوق "من وجأ التيس: دق عروق خصييه بين حجرين ولم يخرجهما شبيهًا بالخصاء".
7 أساخه: جعله يسيخ "أو يسوخ في الأرض" أي يغوص.
8 كسرتك.
9 صرعتك صرعة لا تقوم منها.
10 نفحه بسيفه: تناوله.
11 الأنصاب: حجارة كانت حوله الكعبة تنصب فيهل عليه ويذبح لغير الله تعالى، وقيل الأنصاب حجارة نصبت وعبدت من دون الله جمع نصب، وقيل النصب جمع نصاب.
12 ربع يربع: كف، وظلع ظلمًا غمز في مشيه، وأربع على ظلعك أي إنك ضعيف فانته عما لا تطيقه وكف.
13 الغمر: الماء الكثير، والضحل: الماء القليل "وكذا الضحضاح".
14 الصفا: جمع صفاة وهي الحجر الصلد الضخم أو الصفا بمعنى الصفو.
15 أسفل الجبل.
16 الحريض. الغصة من الحرض، وهو الريق يغص به يقال جرض بريقه يجرض ابتلعه بالجهد على هم وحزن، وفي المثل: حال الجريض دون القريض، يضرب للأمر يقدر عليه أخيرًا حين لاينفع. قاله جوشن الكلابي حين منعه أبوه من الشعر فرض حزنًا حتى أشرف على الهلاك، فرق له وقال انطق بما أحببت؛ فقال ذلك.
17 اللقى: الملقى المطروح.
تهاداه الرواس1. بالسهب الطامس2.
فقال طريف: دون ما ناجتك به نفسك مقارعة أبطال، وحياض أهوال، وحفزة3 إعجال، يمنع معه تطامن الإمهال.
فقال الملك: إيهًا4 عنكما! فما رأيت كاليوم مقال رجلين لم يقصبا5، ولم يثلبا6،ولم يلصوا7، ولم يقفوا8.
"الأمالي 1: 73".
1 الرواس: الرياح التي ترمس أي تدفن.
2 المستوى من الأرض، والطامس: الدارس "كالطاسم".
3 الحفز: الدفع.
4 إيها: كلمة زجر بمعنى حسبك "وإيه: أمر. كلمة استزادة واستنطاق".
5 لم يشتما. قصبه إذا وقع فيه وأصله القطع.
6 ثلبه: عابه.
7 لصاه: قذفه.
8 قفاه: قذفه بأمر عظيم.