الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمنزلة والي اليتيم، إن استغنيت عففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، تقرم1 البهمة2 الأعرابية، القضم لا الخضم3".
"عيون الأخبار م 2 ص 235، والعقد الفريد2: 132".
1 تقرم الصبي أكل أكلًا ضعيفًا، وذلك في أول أكله.
2 البهمة: أولاد الضأن والمعز والبقر.
3 القضم: الأكل بأطراف الأسنان والخضم الأكل بأقصى الأضراس.
77-
خطبة له:
ذكر الطبري أنه خطب فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم ذكر الناس بالله عز وجل واليوم الآخر، ثم قال:
"يأيها الناس: إني قد وليت عليكم، ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم، وأقواكم عليكم، وأشدكم استضلاعًا1 بما ينوب من مهم أموركم؛ ما توليت ذلك منكم، ولكفى عمر مهمًّا محزنًا انتظار موافقة الحساب بأخذ حقوقكم كيف آخذها، ووضعها أين أضعها، وبالسير فيكم كيف أسير، فربي المستعان، فإن عمر أصبح لا يثق بقوة ولا حيلة إن لم يتداركه الله عز وجل برحمته وعونه وتأييده".
"تاريخ الطبري 5: 25، وشرح ابن أبي الحديد م 3 ص124".
1 الذي في كتب اللغة "اضطلاع" يقال هو مضطلع بهذا الأمر، أي قوي عليه.
78-
خطبة له:
م خطب فقال:
"إن الله عز وجل قد ولاني أمركم، وقد علمت أنفع ما بحضرتكم لكم، وإني أسأل الله أن يعينني عليه، وأن يحرسني عنده كما حرسني عند غيره، وأن يلهمني العدل
في قسمكم كالذي أمرني به، وإني امرؤ مسلم وعبد ضعيف؛ إلا ما أعان الله عز وجل، ولن يغير الذي وليت من خلافتكم من خلقي شيئًا إن شاء الله؛ نما العظمة لله عز وجل، وليس للعباد منها شيء، فلا يقولن أحد منكم إن عمر تغير منذ ولي، أعقل الحق من نفسي، وأتقدم وأبين لكم أمري؛ أيما رجل كانت له حاجة، أو ظلم مظلمة، أو عتب علينا في خلق فليؤذني؛ إنما أنا رجل منكم، فعليكم بتقوى الله في سركم وعلانيتكم وحرماتكم وأعراضكم، وأعطوا الحق من أنفسكم، ولا يحمل بعضكم بعضًا على أن تحاكموا إلي، فإن ليس بيني وبين أحد من الناس هوادة، وأنا حبيب إلي صلاحكم، عزيز علي عنتكم، وأنتم أناس عامتكم حضر في بلاد الله، وأهل بلد لا زرع فيه ولا ضرع، إلا ما جاء الله به إليه، وإن الله عز وجل قد وعدكم كرامة كثيرة، وأنا مسئول عن أمانتي وما أنا فيه، ومطلع على ما بحضرتي بنفسي إن شاء الله، لا أكله إلى أحد، ولا أستطيع ما بعد منه إلا بالأمناء وأهل النصح منكم للعامة، ولست أجعل أمانتي إلى أحد سواهم إن شاء الله".
"تاريخ الطبري 5: 26، وشرح ابن أبي الحديد م 3: 124".
79-
خطبة أخرى:
قال ابن عبد ربه: وخطب إذ ولي الخلافة: صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:
"يأيها الناس، إني داع فأمنوا، اللهم فلَيِّنِي لأهل طاعتك، بموافقة الحق، ابتغاء وجهك والدار الآخرة، وارزقني الغلظة والشدة على أعدائك، وأهل الدعارة1 والنفاق، من غير ظلم مني لهم، ولا اعتداء عليهم، اللهم إني شحيح، فسخني
1 الفجور.
في نوائب المعروف، قصدًا من غير سرف ولا تبذير ولا رياء ولا سمعة، واجعلني أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة، اللهم ارزقني خفض الجناح، ولين الجانب للمؤمنين، اللهم إني كثير الغفلة والنسيان؛ فألهمني ذكرك على كل حال، وذكر الموت في كل حين. اللهم إني ضعيف عن العمل بطاعتك، فارزقني النشاط فيها، والقوة عليها، بالنية الحسنة التي لا تكون إلا بعزتك وتوفيقك، اللهم ثبتني باليقين والبر والتقوى، وذكر المقام بين يديك، والحياء منك، وارزقني الخشوع فيما يرضيك عني، والمحاسبة لنفسي، وإصلاح الساعات والحذر من الشبهات، اللهم ارزقني التفكر والتدبر لما يتلوه لساني من كتابك، والفهم له، والمعرفة بمعانيه، والنظر في عجائبه، والعمل بذلك ما بقيت، إنك على كل شيء قدير".
"العقد الفريد 2: 133".
80-
خطبة له:
وخطب أيضًا، فقال بعد ما حمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس، إن بعض الطمع فقر، وإن بعض اليأس غنى، وإنكم تجمعون ما لا تأكلون، وتأملون ما لا تدركون، وأنتم مؤجلون في دار غرور، كنتم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤخذون بالوحي؛ فمن أسر شيئًا أخذ بسريرته، ومن أعلن شيئًا أخذ بعلانيته؛ فأظهروا لنا أحسن أخلاقكم، والله أعلم بالسرائر؛ فإنه من أظهر لنا قبيحًا وزعم أن سريرته حسنة لم نصدقه، ومن أظهر لنا علانية حسنة ظننا به حسنًا، واعلموا أن بعض الشح شعبة من النفاق؛ فأنفقوا خيرًا لأنفسكم، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون، أيها الناس أطيبوا مثواكم، وأصلحوا أموركم، واتقوا الله ربكم، ولا تلبسوا نساءكم القباطي1؛ فإنه إن لم يشف فإنه يصف أيها الناس: إني لوددت
1 القُبَاطي "بضم الأول وتشديد الآخر، أو القَبَاطي بفتح الأول وتخفيف الآخر" ثياب كتان بيض رقاق كانت تعمل في مصر جمع قبطية "بضم القاف نسبة إلى القبط على غير قياس وقد تكسر" وشف الثوب يشف رق فحكى ما تحته، وقوله: فإنه يصف أي ما تحته من أجزاء البدن ويحددها لرقته وطراوته.
أن أنجو كفافًا لا لي ولا علي، وإني لأرجو إن عمرت فيكم يسيرًا أو كثيرًا أن أعمل بالحق فيكم إن شاء الله، وأن لا يبقى أحد من المسلمين وإن كان في بيته إلا أتاه حقه ونصيبه من مال الله وإن لم يعمل إليه نفسه، ولم ينصب إليه بدنه، وأصلحوا أموالكم التي رزقكم الله، ولقليل في رفق خير من كثير في عنف، والقتل حتف من الحتوف، يصيب البر والفاجر، والشهيد من احتسب نفسه، وإذا أراد أحدكم بعيرًا؛ فليعمد إلى الطويل العظيم فليضر به بعصًا، فإن وجده حديد الفؤاد فليشتره".
"تاريخ الطبري 5: 26، وشرح ابن أبي الحديد م 3: ص125".
81-
خطبة له:
وخطب أيضًا فقال:
"إن الله سبحانه وبحمده قد استوجب عليكم الشكر، واتخذ عليكم الحجيج فيما آتاكم من كرامة الآخرة والدنيا من غير مسألة منكم له، ولا رغبة منكم فيه إليه؛ فخلقكم تبارك وتعالى ولم تكونوا شيئًا، لنفسه وعبادته، وكان قادرًا أن يحعلكم لأهون خلقه عليه؛ فجعل لكم عامة خلقه، ولم يجعلكم لشيء غيره، وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، وحملكم في البر والبحر، ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون، ثم جعل لكم سمعًا وبصرًا، ومن نعم الله عليكم نعم عم بها بني آدم، ومنها نعم اختص بها أهل دينكم، ثم صارت تلك النعم خواصها وعوامها في دولتكم وزمانكم وطبقتكم، وليس من تلك النعم نعمة وصلت إلى امرئ خاصة إلا لو قسم ما وصل إليه منها بين الناس كلهم أتعبهم شكرها، وفدحهم حقها إلا بعون الله مع الإيمان بالله ورسوله، فأنتم مستخلفون في الأرض، قاهرون لأهلها، قد نصر الله دينكم، فلم تصبح أمة مخالفة لدينكم إلا أمتان، أمة مستعبدة للإسلام وأهله،
يتجرون لكم، تستصفون1 معايشهم وكدائحهم ورشح جباههم، عليهم المئونة ولكم المنفعة، وأمة تنتظر وقائع الله وسطواته في كل يوم وليلة، قد ملأ الله قلوبهم رعبًا؛ فليس لهم معقل يلجئون إليه، ولا مهرب يتقون به، قد دهمتهم جنود الله عز وجل، ونزلت بساحتهم مع رفاغة2 العيش، واستفاضة المال، وتتابع البعوث، وسد الثغور بإذن الله في العافية الجليلة العامة، التي لم تكن هذه الأمة على أحسن منها مذ كان الإسلام، والله المحمود مع الفتوح العظام في كل بلد؛ فما عسى أن يبلغ مع هذا شكر الشاكرين، وذكر الذاكرين، واجتهاد المجتهدين، مع هذه النعم التي لا يحصى عددها، ولا يقدر قدرها، ولا يستطاع أداء حقها؛ إلا بعون الله ورحمته ولطفه. فنسأل الله الذي لا إله إلا هو، الذي أبلانا هذا، أن يرزقنا العمل بطاعته، والمسارعة إلى مرضاته. فاذكروا عباد الله بلاء الله عندكم، واستتموا نعمة الله عليكم، وفي مجالسكم مثنى وفرادى فإن الله عز وجل قال لموسى {أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم:{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ} فلو كنتم إذ كنتم مستضعفين محرومين خير الدنيا على شعبة من الحق تؤمنون بها، وتستريحون إليها، مع المعرفة بالله ودينه، وترجون بها الخير فيما بعد الموت لكان ذلك؛ ولكنكم كنتم أشد الناس معيشة، وأعظم الناس بالله جهالة. فلو كان هذا الذي ابتلاكم به لم يكن معه حظ في دنياكم؛ غير أنه ثقة لكم في آخرتكم، التي إليها المعاد والمنقلب، وأنتم من جهد المعيشة على ما كنتم عليه، كنتم أحرياء أن تشحوا على نصيبكم منه، وأن تظهروه على غيره فبله3 ما أنه قد جمع لكم فضيلة الدنيا، وكرامة الآخرة، أو لمن شاء أن يجمع له ذلك منكم، فأذكركم الله الحائل بينكم وبين قلوبكم، إلا ما عرفتم حق الله
1 استصفى الشيء: أخذ منه صفوه.
2 رفغ عيشه ككرم رفاغة: اتسع، والرفاغة والرفاغية: سعة العيش والخصب والسعة.
3 بله: اسم فعل بمعنى دع واترك، فما بعدها منصوب، ومصدر بمعنى الترك، فما بعدها مجرور بالإضافة، واسم مرادف لكيف فما بعدها مرفوعة بالإبتداء.
فعملتم له، وقسرتم أنفسكم على طاعته، وجمعتم مع السرور بالنعم خوفًا لزوالها ولانتقالها، ووجلًا من تحويلها،؛ فإنه لا شيء أسلب للنعمة من كفرانها، وإن الشكر أمن للغير، ونماء للنعمة، واستجلاب للزيادة، وهذا لله على من أمركم ونهيكم واجب".
"تاريخ الطبري 5: 27 وشرح ابن أبي الحديد م 3 ص125".
82-
خطبة له:
وخطب أيضًا؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
"أيها الناس: من أراد أن يسأل عن القرآن؛ فليأت أبي بن كعب، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض؛ فليأت زيد بن ثابت، ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل. ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني، فإن الله جعلني له خازنًا وقاسمًا، إني بادئ بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعطيهن، ثم المهاجرين الأولين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم أنا وأصحابي، ثم بالأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم، ثم من أسرع إلى الهجرة أسرع إليه العطاء، ومن أبطأ عن الهجرة أبطأ عنه العطاء؛ فلا يلومن رجل إلا مناخ راحلته، إني قد بقيت فيكم بعد صاحبي، فابتليت بكم، وابتليتم بي، وإني لن يحضرني من أموركم شيء فأكله إلى غير أهل الجزاء والأمانة؛ فلئن أحسنوا لأحسنن إليهم، ولئن أساءوا لأنكلن بهم".
"العقد الفريد 2: 132".
83-
خطبة له:
وخطب أيضًا فقال:
"الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وأكرمنا بالإيمان، ورحمنا بنبيه صلى الله عليه وسلم؛ فهدانا به من الضلالة، وجمعنا به من الشتات، وألف بين قلوبنا، ونصرنا على
عدونا، ومكن لنا في البلاد، وجعلنا به إخوانًا متحابين؛ فاحمدوا الله على هذه النعمة، واسألوه المزيد فيها والشكر عليها؛ فإن الله قد صدقكم الوعد، بالنصر على من خالفكم، وإياكم والعمل المعاصي، وكفر النعمة؛ فقلما كفر قوم بنعمة، ولم ينزعوا إلى التوبة، إلا سلبوا عزهم، وسلط عليهم عدوهم. أيها الناس: إن الله قد أعز دعوة هذه الأمة، وجمع كلمتها، وأظهر فلجها1 ونصرها وشرفها، فاحمدوه عباد الله على نعمه، واشكروه على آلائه، جعلنا الله وإياكم من الشاكرين".
"العقد الفريد 2: 132".
1 الفلج: الظفر والفوز.
84-
خطبة له:
وخطب عمر الناس فقال:
"والذي بعث محمدًا بالحق لو أن جملًا هلك ضياعًا بشط الفرات، خشيت أن يسأل الله عنه آل الخطاب".
قال أبو زيد "آل الخطاب" يعني نفسه ما يعني غيرها.
"تاريخ الطبري 5: 18".
85-
خطبة له:
وخطب أيضًا فقال:
"أيها الناس: إنه أتى علي حين، وأنا أحسب أن من قرأ القرآن إنما يريد به الله وما عنده، ألا وإنه قد خيل إلي أن أقوامًا يقرءون القرآن يريدون به ما عند الناس؛ ألا فأريدوا الله بقراءتكم، وأريدوه بأعمالكم؛ فإنما كنا نعرفكم إذ الوحي ينزل، وإذ النبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، فقد رفع الوحي، وذهب النبي صلى الله عليه وسلم، فإنما أعرفكم بما أقول لكم، ألا فمن أظهر لنا خيرًا ظننا به خيرًا، وأثنينا به عليه،
ومن أظهر لنا شرًّا ظننا به شرًّا، وأبغضناه عليه، اقدعوا1 هذه النفوس عن شهواتها؛ فإنها طلعة2 وإنكم إلا تقدعوها تنزع بكم إلى غاية، إن هذا الحق ثقل مريء3، وإن الباطل خفيف وبيء4، وترك الخطيئة خير من معالجة التوبة، ورب نظرة زرعت شهوة، وشهوة ساعة أورثت حزنًا طويلًا".
وفي رواية صاحب العقد: "ألا وإني إنما أبعث عمالي ليعلموكم دينكم وسنتكم، ولا أبعثهم ليضربوا ظهوركم، ويأخذوا أموالكم، ألا من رابه شيء من ذلك فليرفعه إلي؛ فوالذي نفسي بيده لأقصنكم منه، فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين، أرأيت إن بعثت عاملًا من عمالك، فأدب رحالًا من رعيتك فضربه، أتقصه منه؟ قال: نعم والذي نفس عمر بيده لأقصنه منه؛ فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه".
وفي رواية الطبري:
وخطب عمر الناس يوم الجمعة فقال:
"اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار، أني بعثتهم ليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم، وأن يقيموا فيهم فيئهم، وأن يعدلوا، فإن أشكل عليهم شيء رفعوه إلي".
"يأيها الناس: إني والله ما أرسل إليكم عمالًا ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكني أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إلي، فوالذي نفس عمر بيده لأقصنه منه".
فوثب عمرو بن العاص فقال:
يا أمير المؤمنين: أرأيتك إن كان رجل من أمراء المسلمين على رعية فأدب بعض رعيته إنك لتقصنه منه؟ قال: إي والذي نفس عمر بيده إذن لأقصنه منه، وكيف
1 قدعه كمنعه: كفه.
2 نفس طلعة: تكثر التطلع إلى الشيء.
3 حميد العاقبة.
4 وخيم العاقبة.