الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحارث فوهبهم له. وقد أطلق النعمان بن جبلة الكلبي سبيَ بني مرة قوم النابغة وفيهم عقرب ابنة النابغة، وسبي غطفان إكرامًا للنابغة؛ إذ كانت ابنته فيهم، ولم يكن النابغة حاضرًا". (ص 160 شرح أبي جعفر). وفي ذلك قال قصيدتَه التي أولها:"أهاجك من سعداك مغنى المعاهد".
وكان ملجأً لقومه وجيرتهم في مُهِمَّاتِ أمورهم وحروبهم.
دين النابغة:
توهَّم الراهبُ لويس شيخو اللبناني في كتابه الذي سماه "شعراء النصرانية" أن النابغةَ الذبياني كان نصرانيًّا، فعده في شعراء نجد والحجاز والعراق الذين كانوا يدينون بالنصرانية (1). وهو معذورٌ في وهمه هذا، غرته عبارةٌ وقعت في "تاج العروس"، فقال لويس شيخو: "وما لا ينكر أن شاعرَها (قبيلة ذبيان) النابغة الذبياني كان نصرانيًّا بشهادة تاج العروس (ص 337 جزء 1) نقلًا عن الصغاني (كذا، وليس في تاج العروس نقلُ ذلك عن الصغاني) والأصمعي قال في بيان معاني الصليب: والصليب العلم، قال النابغة:
ظَلَّتْ أَقَاطِيعُ أَنْعَامٍ مُؤَبَّلَةً
…
لَدَى صَلِيبٍ عَلَى الزَّوْرَاءِ مَنْصُوبِ
وقيل سَمَّى النابغةُ العلم صليبًا؛ لأنه كأنه على صليب، لأنه كان نصرانيا". (2)
وهذا الكلامُ الذي في "تاج العروس" وقع فيه اختصارٌ بإجحاف من صاحب "تاج العروس". وهذه عبارة الأصمعي بنصها من شرح أبي جعفر على ديوان النابغة (3): "قال الأصمعي: الزَّوراء هي الرُّصافة، وهي رصافة هشام وكانت
(1) ص 640 المجلد 2 من كتاب شعراء النصرانية. - المصنف.
(2)
ص 134 من كتاب "النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية". - المصنف. وانظر البيت في ديوان النابغة الذبياني، ص 53 (نشرة ابن عاشور).
(3)
مخطوط عدد 4543 بالخزنة الأحمدية بجامع الزيتونة. - المصنف.
للنعمان، وفيها كان يكون، وإليها كانت تنتهي غنائمُه، وكان عليها صليب؛ لأنه كان نصرانيًّا". فتعين أن ضمير "لأنه" عائدٌ إلى النعمان بن الحارث، وقد صرح عاصم بن أيوب البطليوسي في شرحه لهذا البيت إذ قال: "والصليبُ صليب النصارى، وكان النعمان نصرانيا". (1)
وأقول: إن النصرانيةَ ما دخلت بلادَ العرب إلا مُبَقَّعَةً في أفراد من قبائل، وغلبت في بعض قبائل مثل تغلب وغسان وكلب. وليست قبيلةُ النابغة من القبائل التي تفشت فيها النصرانية، ولا كان النابغةُ معدودًا فيمن تنصر بمفرده مثل ورقة بن نوفل. وكانت ديارُ ذبيان تحت حكم ملوك الحيرة، وهم أتباعٌ لملوك فارس، ودينُهم الشرك أو المجوسية دون النصرانية. وليس في شعر النابغة ما يُستروَح منه أنه كان نصرانيًّا، بل بعكس ذلك فيه دلائلُ على أنه كان على دين الجاهلية كقوله في القسم:
فَلَا لَعَمْرُ الَّذِي يَمَّمْتُ كَعْبَتَهُ
…
وَمَا هُرِيقَ عَلَى الأَنْصَابِ مِنْ جَسَدِ (2)
وقوله:
فَلَا عَمْرُ الَّذِي أَثْنَى عَلَيْهِ
…
وَمَا حَجَّ الْحَجِيجُ إِلَى إِلَالِ (3)
إلال: اسم الموقف من عرفة.
وقوله في الدعاء:
حَيَّاكِ وُدٌّ فَإِنَّا لَا يَحِلُّ لَنَا
…
لَهْوُ النِّسَاءِ وَإِنَّ الدِّينَ قَدْ عَزَمَا
مُشَمِّرِينَ عَلَى خُوصٍ مُزَمَّمَةٍ
…
نَرْجُو الإِلَهَ وَنَرْجُو الْبِرَّ وَالطُّعَمَا
(1) ص 11 بالمطبعة الوهبية سنة 1293 هـ. - المصنف.
(2)
ديوان النابغة الذبياني، ص 85. وفيه "مسَّحْتُ" عوض "يَمَّمْتُ".
(3)
المصدر نفسه، ص 205. وفيه "وما دفع، بدل "حج".