الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخليفة حكمُ الوكيل إلا في امتناع العزل بدون سبب من الأسباب المبينة في مواضعها من كتب الفقه وأصول الدين (1). ثم نظّر في صحيفة 11 بين اختلاف المسلمين (الموهوم) وبين اختلاف الأورباويين، وهو تنظير ليس بمستقيم.
الباب الثاني: في حكم الخلافة:
أطال المؤلف في هذا الباب الترديد والتشكيك في أن الكتاب والسنة لا دليلَ فيهما على وجوب نصب الخليفة، ثم أفصح عن ذلك في صحائف 13 - 14 - 15. فإن كان ينحو بذلك إلى مذهب الخوارج من إنكار وجوب نصب الأمراء، فليذكر أن الأدلة الشرعية غير منحصرة في الكتاب والسنة؛ فإن الإجماع والتواتر وتظاهر الظواهر الشرعية هي دلائل قاطعة تربو على دلالة الكتاب والسنة إذا كانت ظنية.
وقد تواتر بعثُ النبي صلى الله عليه وسلم الأمراءَ والقضاة للبلدان النائية، وأمر بالسمع والطاعة بل وأمر القرآن بذلك أيضًا، فحصل من مجموع ذلك ما أوجب إجماعَ الأمة من عهد الصحابة رضي الله عنهم على إقامة الخليفة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعوا أبا بكر رضي الله عنه وأطاعه المسلمون في سائر الأقطار ولم ينكر بيعته أحد. وإنما خرج مَنْ خرج إما
= من علماء الإمامية في العصر الحديث، وخاصة بعد الثورة الإيرانية بقيادة آية الله الخميني. راجع على سبيل المثال شمس الدين، محمد مهدي: نظام الحكم والإدارة في الإسلام (بيروت: المؤسسة الدولية للدراسات والنشر، ط 2، 1411/ 1991) وكذلك: في الاجتماع السياسي الإسلامي: المجتمع السياسي الاسلامي محاولة تأصيل فقهي وتاريخي (بيروت: المؤسسة الدولية للدراسات والنشر، ط 1، 1412/ 1992)؛ العوا، محمد سليم: في النظام السياسي للدولة الإسلامي (القاهرة: دار الشروق، ط 1، 1427/ 2006)، ص 254 - 296.
(1)
انظر في ذلك مثلًا: الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب: الأحكام السلطانية والولايات الدينية، تحقيق أحمد مبارك البغدادي (الكويت: مكتبة دار ابن قتيبة، ط 1، 1409/ 1989)، ص 24 - 29؛ الجويني، إمام الحرمين: الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، تحقيق محمد يوسف موسى وعلي عبد المنعم عبد الحميد (القاهرة: مكتبة الخانجي، 1369/ 1950)، ص 425 - 426. وانظر تحليلًا وعرضًا مستفيضًا للمسألة في: عثمان، محمد رأفت: رئاسة الدولة في الفقه الإسلامي (دبي: دار القلم، ط 2، 1406/ 1486)، ص 394 - 422.
للارتداد عن الدين، وإما لمنع دفع الزكاة، ولم يغفل علماء الإسلام عن هاته الأدلة. وإنما الغفلة لمن غفل عن خطة السعد في المقاصد، فإنه كغيره من علماء الكلام بصدد إثبات الأدلة القطعية المقنعة في الردّ على الخوارج وأضرابهم (1).
والأحاديث الواردة في هذا الشأن لا دلالة في آحادها على ذلك، لأن كلّ دليل منها فيه احتمال قد يمنع الخصمُ بسببه الاستدلالَ به عند المناظرة، ولهذا أدرج علماء الكلام مسألة الخلافة في المسائل الاعتقادية تسامحًا، لمشابهتها بمسائل الاعتقاد في قطعية الأدلة وفي ترتب الضرر على الغلط فيها كما بينوه في كتبهم.
وقد أفصح عن ذلك إمام الحرمين رحمه الله إذ قال في كتاب الإرشاد: "الكلام في هذا الباب (الإمامة) ليس من أصول الدين، والخطر على من يزل فيه يربي على الخطر من يجهل أصلًا من أصول الدين، ويعتوره نوعان محظوران عند ذوي الحجاج: أحدهما ميلُ كل فئة إلى التعصب وتعدي حدّ الحق، والثاني عدّ المحتملات التي لا مجال للقطع فيها من القطعيات". (2) فلما تطلبوا الأدلة القطعية وجدوها في الإجماع، والمراد من الإجماع أعلى مراتبه وهو إجماع الأمة من العصر الأول استنادًا للأدلة القاطعة القائمة مقامَ التواتر، وهو في الحقيقة مظهر من مظاهر التواتر المعنوي. وأيُّ دليل على اعتبارهم الخلافة من قواعد الدين أعظمُ من اتفاق الصحابة عليه وهرعهم يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك من غير مخالف؟
على أن القرآن قد شرع أحكامًا كثيرة ليست من الأفعال التي يقوم بها الواحد، فتعين أن المخاطبَ بها ولاةُ الأمور، نحو قوله:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: 9]، ونحو
(1) سعد الدين التفتازاني، مسعود بن عمر: شرح المقاصد، نشرة بعناية إبراهيم شمس الدين (بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، 1422/ 2001)، ج 3، ص 471 - 479.
(2)
الجويني: الإرشاد، ص 410. وكلمة "عد" ساقطة من الكتاب.
قوله: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35]، وقوله:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5]، إلخ.
وهذا النوع من الإجماع هو الذي تثبتُ به قواطعُ الشريعة المعبَّرُ عنها بالمعلومات ضرورة. ولو اقتصرنا على مفردات آيات القرآن والسنة لما ثبتت المعلوماتُ الضرورية من الدين إلا نادرًا؛ لأن معظمَ تلك الأدلة لا تعدو الظنية كما هو مقرر في الأصول عند الكلام على الفرق بين كون المتن قطعيًّا وكون الدلالة قطعية.
فقول المؤلف في صحيفة 16: "ولو وجدوا لهم في الحديث دليلًا لقدموه في الاستدلال على الإجماع"، كلامٌ يُتعجَّب من صدوره عن ممارس لعلوم الشريعة حتى يعتقد أن دلالةَ أخبار الآحاد أقوى من دلالة الإجماع، على أنهم كيف يحتاجون للاستدلال مع عدم الاختلاف؟ ولم يُعرفْ خلافُ أحدٍ من المسلمين في وجوب نصب الإمام إلا ما رمز إليه الحرورية يوم التحكيم بعد وقعة صفين، إذ قالوا لما سمعوا التحكيم:"لا حكم إلا لله" كلمة مموهة مجملة، فقال الإمام علي رضي الله عنه حين سمعها:"كلمة حق أريد بها باطل"(1).
ولهذا اقتصر إمام الحرمين في الإرشاد على دلالة الإجماع في أمر الإمامة فقال: "ومما تترتب عليه الإمامة القطعُ بصحة الإجماع، وهذا لا مطمعَ في تقريره ها هنا، [وقد ذكرنا في كتاب التلخيص في أصول الفقه ما يدل على صحة الإجماع (2)]. ولكنا
(1) هذه العبارة جزء من خطبة رد بها علي كرم الله وجهه على الخوارج جاء فيها: "كلمة حق يُراد بها باطل. نعم إنه لا حُكمَ إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون: لا إِمرةَ إلا لله. وإنه لا بدَّ للناس من أمير بَرٍّ أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويُجمعُ به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويُؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح به برٌّ، ويُستراحَ من فاجر". نهج البلاغة (وهو ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه)، شرح الشيخ محمد عبده (بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، 1428/ 2007)، ص 58.
(2)
انظر: الجويني، إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف: كتاب التلخيص في أصول الفقه، تحقيق عبد الله جولم النيبالي وشبير أحمد العمري (بيروت: دار البشائر الإسلامية/ =
نعضد هذا المعتقد بقاطع في صحة الإجماع، [جريًا على ما التزمناه من إيراد القواطع]، فنقول: إذا أجمع علماء الأمصار على حكم شرعي وقطعوا به، فلا يخلو ذلك الحكم إما أن يكون مظنونًا لا يُتوصل إلى العلم به، وإما أن يكون مقطوعًا به على حسب اتفاقهم. فإن كان مقطوعًا به [على حسب اتفاقهم]، فهو المقصود. وإن كان مظنونًا [لا سبيلَ إلى العلم به]، فيستحيل في مستقِرِّ العادة أن يحسب العلماء بطرق الظنون والعلوم الظنَّ علمًا مطبقين عليه، من غير أن يختلج لطائفة شكٌّ أو يخامرهم ريب. وتقرير ذلك خرق للعادة". (1)
وأعجب من هذا أن المؤلف حاول في صحائف 17 - 18 - 19 أن يجيب عن الأحاديث التي استدل بها العلماء على وجوب نصب الإمام بما حاصله بعد نخله: أن ذكر القرآن لطاعة أولياء الأمور وذكر الأحاديث للخلافة أو الإمامة أو السمع والطاعة - وقال بعد أن شك في صحة ما هو معلوم الصحة منها: "إن معنى ذلك أنه إن وقع ذلك وقدره الله فإننا نقابله بما أمرنا به لا على معنى أنا ملزمون بإيجاد ذلك"، ثم نظره لما حكته الأناجيل أن "أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، فما دل ذلك على أن حكومة قيصر من شريعة الله. قال:"على أننا أمرنا بطاعة البغاة والعصاة، فما كان ذلك دليلًا على مشروعية البغي" إلخ.
وهذا الكلام ضغث من أغلاط، وكان للناظر اللبيب غنى عن التوقيف على ما فيه. وملاك ذلك أن الأوامر النبوية دلائلُ على مشروعية الخلافة؛ إذ النبي لا يأمر بالمنكر ولا يؤيد أمرًا غير معتبر شرعًا. وقد احتج الفقهاء في الإسلام بدلالات الألفاظ النبوية حتى بدلالة الإشارة وحتى بما يضرب فيها من الأمثال، وتنظيره بما في الإنجيل خروج عن جادة القيل. وقوله: إنا أمرنا بطاعة البغاة كلامٌ باطل، بل قد
= مكة المكرمة: مكتبة دار الباز، ط 1، 1417/ 1996)، ج 3، ص 10 - 38؛ وانظر له كذلك: البرهان في أصول الفقه، ج 1، ص 670 - 717.
(1)
الجويني: الإرشاد، ص 418.