الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الواضح في مشكلات شعر المتنبي
(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الكتابُ - الذي سماه مؤلفُه "الواضح في مشكلات شعر المتنبي" - كتابٌ مغفول عنه أزمنةً طوالًا بين أهل الآداب والنقد، وفي تراجم الأدباء والتصانيف. لم يذكره الشيخُ كاتب جلبي في "كشف الظنون"، ولا الذين ذيَّلوا كتابَه، وقلَّ مَنْ تعرَّضَ لاسمه من الذين اعتنَوْا بشعر المتنبي شرحًا وتعليقًا ونقدا. وجدتُ هذا الكتاب في خزنة كتب جامع الزيتونة بتونس، فأُعجبتُ به، واستنسختُ مَنْ أخرج لي نسخة.
وليس في كلام مؤلِّفِه في ديباجته سوى أن كنيتَه أبو القاسم، وأنه كان من أهل النصف الأخير من القرن الرابع والربع الأول من القرن الخامس. ولم أعثر على أكثر من ذلك، سوى أني وجدتُ جريدةً بخط العلامة الشيخ محمد الطيب ابن العلامة الشيخ إبراهيم الرياحي التونسي (2) ذكر فيها أسماءَ كتب اشتراها، فكان
(1) الأصفهاني، أبو القاسم عبد الله بن عبد الرحمن: الواضح في مشكلات شعر المتنبي، ويليه سرقات المتنبي ومشكل معانيه لابن بسام النحوي، تحقيق سماحة الأستاذ الإمام الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور (تونس: دار سحنون/ القاهرة: دار السلام، ط 1، 1430/ 2009، مصور عن طبعة الدار التونسية للنشر، 1968)، ص: ز - يب (مقدمة المحقق في 6 صفحات).
(2)
الشيخ إبراهيم الرياحي هو إبراهيم بن عبد القادر بن أحمد الرياحي، قدم جده الأعلى إبراهيم المحمودي الطرابلسي من ليبيا إلى تونس واستقر بالمنطقة المعروفة ببلاد رياح التابعة لولاية باجة وتعرف الآن بمجاز الباب وتبعد عن تونس العاصمة بمسافة ستين كيلومترا، وإلى رياح يُنسب المترجم له. ولد إبراهيم الرياحي بمدينة تستور من نفس المنطقة عام 1180/ 1767، وبعد أن حفظ القرآن في مسقط رأسه انتقل إلى حاضرة تونس حيث تتلمذ على نخبة من كبار علماء =
منها "الأصفهاني على مشكل المتنبي". وقد كانت النسخةُ التي عثرتُ عليها ملكًا للشيخ الطيب المذكور، وعليها خطه في مواضع، فتحصل لنا أن المؤلف أبو القاسم الأصفهاني. فإذا ضُمَّ ذلك إلى قول صاحب "الصبح المنبي" في عد أسماء الذين اعتنوا بشرح شعر المتنبي:"وكتاب أبي القاسم عبد الله عبد الرحمن الأصفهاني"(1)، حصل الظنُّ بأنه يعني هذا الكتاب، وحصل الظنُّ بمعرفة اسم المؤلف وكنيته ونسبته.
ثم وقفتُ في كتاب "خزانة الأدب" للبغدادي - في شرحه لبيت للمتنبي ساقه الرضيُّ شارح الكافية - على ما فيه مقنعٌ من التعريف بهذا الكتاب لمَّا ترجم للمتنبي، قال:"وهذه ترجمةُ المتنبي نقلتُها من كتاب إيضاح المشكل لشعر المتنبي، من تصانيف أبي القاسم عبد الله بن عبد الرحمن الأصفهاني"، وساق ما في ديباجة هذا الكتاب من التعريف بالمتنبي، مبتدئًا بقولِ صاحب الكتاب:"وقد بدأتُ بذكر المتنبي ومنشئه [ومُغتربَه] "، إلى آخر ما في الديباجة (2).
فتتبعتُ ما ساقه البغداديُّ، فإذا هو نصُّ ما ذكره صاحبُ هذا الكتاب في ديباجته (3)، عدا كلماتٍ قليلة محذوفة. ومن العجب أن البغداديَّ سماه "الإيضاح"،
= جامع الزيتونة، منهم حمزة الجباس، وصالح الكواش، ومحمد الفاسي، وعمر بن قاسم المحجوب، وحسن الشريف، وأحمد بو خريص، وإسماعيل التميمي، والطاهر بن مسعود. وبعد أن أجازه شيوخه تصدر للتدريس بجامع الزيتونة وغيره من جوامع حاضرة تونس، وما زال صيته يسمو ومنزلته تعلو حتى جمع بين الإمامة الكبرى بجامع الزيتونة ورئاسة الفتوى، مما لم يحصل قبله لأحد من علماء الزيتونة. كانت دروسه في تفسير القرآن وشرح الحديث والفقه موضع إقبال كبير عليها لما امتازت به طريقته من تحقيق وعمق وشمول. ولم يقتصر الشيخ إبراهيم الرياحي على التدريس والإفادة، بل نهض بمسؤوليات ذات شأن تمثلت في سفارات رسمية بين تونس وعاصمة الخلافة العثمانية وسلطنة المغرب، كما كان أول من تبع الطريقة التجانية في تونس. توفي الشيخ الرياحي سنة 1266/ 1850 بحاضرة تونس ودفن بها، مخلفًا وراءه تراثًا علميًّا وأدبيًّا ما يزال أكثرُه ينتظر نفضَ الغبار عنه وإخراجَه للناس محققًا تحقيقًا علميًّا رصينا.
(1)
البديعي: الصبح المنبي، ص 269.
(2)
البغدادي: خزانة الأدب، ج 2، ص 347.
(3)
الأصفهاني: الواضح في مشكلات شعر المتنبي، ص 6.
فخالف تسميتَه المصرَّح بها في الديباجة (1)، وهي نصب عينه، فلا أدري أكان ذلك سبقَ قلم أم متابعةً لنسخة أخرى من الكتاب. فحدا بي ذلك إلى مراجعة كتاب "الصبح المنبي"(2) للشيخ يوسف البديعي (3)، فإذا هو يقول:"وأما من تكلم على أبيات منه مشكلة أو صنف فيه مآخذ. . ." إلخ، وعد أسماء كتب إلى أن قال:"وكتاب أبي القاسم عبد الله بن عبد الرحمن الأصفهاني". (4)
فيظهرُ أنه وجد اسمَ صاحب هذا الكتاب فقط، وأنه لم يطلع على الكتاب، ولا عرفَ مرماه؛ لأنه لم يذكر أنه ردٌّ على ابن جني، مع أنه وصف بذلك غيرَه مِمَّنْ ردُّوا على ابن جني، مثل ابن فورَّجه (5)، والربعي (6)، وسعد الأزدي المعروف بالوحيد (7)، ولا ذكرَ مرجعَه فيه فإنه قال في آخر مبحثه:"سوى الشروح التي لم نسمع بذكرها"(8)، فأشار إلى أن مرجعَه إلى المسموع سواء كان مرئيًّا أم لم يكن
(1) قال الأصفهاني: "فأمللتُ كتابًا ترجمته بالواضح. . ." إلخ. الواضح في مشكلات شعر المتنبي، ص 5.
(2)
مخطوط بالمكتبة العاشورية، ومطبوع بمطبعة الاعتدال بدمشق 1350 هـ. - المصنف.
(3)
المتوفَّى سنة 1037 هـ. - المصنف.
(4)
هذه الفقرة منقولة من النسخة المخطوطة، وهي ناقصة من المطبوعة. انظر صفحة 161 طبع الاعتدال، على نقص كلمات كملناها من النسخة المخطوطة. - المصنف. انظر: البديعي: الصبح المنبي، ص 268 - 269.
(5)
هو محمد بن حَمَد بن محمد بن عبد الله بن محمود بن فورجه البروجردي، ولد سنة 380/ 990 في نهاوند، وكانت إقامته بالري، وتوفي نحو سنة 455/ 1063. عالم بالأدب، وله شعر. من كتبه "التجني على ابن جني" و"الفتح على أبي الفتح" انتقد فيهما شرح ابن جني لشعر المتنبي.
(6)
هو أبو الحسن علي بن عيسى بن الفرج بن صالحٍ الربعي الزهيري النحوي، أحد أئمة النحويين وحذاقهم، أخذ عن أبي سعيد السيرافي في بغداد، ورحل إلى شيراز فأخذ عن أبي عليٍ الفارسي ولازمه عشرين سنة، ثم رجع إلى بغداد فأقام بها حتى وفاته سنة 420 هـ. من تصانيفه كتاب "التنبيه على خطأ ابن جنيٍ في تفسير شعر المتنبي"، شرح "الإيضاح" لأستاذه أبي علي الفارسي، شرح مختصر الجرمي، البديع في النحو، كتاب "ما جاء من المبني على فعال".
(7)
بحاء مهملة ودال في آخره، وبعض حرفه "الوجيه" بجيم وهاء. - المصنف.
(8)
البديعي: الصبح المنبي، ص 269.