الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شكر الأمة التونسية
(1)
فما تزال عموم الأوساط الإسلامية تبدي لنا من المعاضدة والتأييد، ما بعث الأملَ إلى مدى بعيد، وبشر بالفوز في عملنا بخير مزيد، وأوجب عليَّ أن أصرح في هذا الجمع الجليل على لسان الزيتونيين بفائق الشكر وعظيم الامتنان لعموم الأمة التونسية وبخاصة لقادتها ومثقفيها وصحافتها وجمعياتها، على ما وجهوه للهيئة العلمية في شخصي من مظاهر الثقة والاعتبار. فكان هذا الجو المستنير المختص بمعهدنا المقدس دافعًا على مواصلة الجهد في إبلاغه نحو الغايات السلمية التي يرجوها له الجميع.
شكر الطلبة الزيتونيين:
وهذا العام الدراسي الذي نطوي اليومَ بساطَه قد كان عامَ عزمٍ، وجهود، وطموح، وانكباب على البحث في حل المشاكل والعقد التي تعترض العاملين في سبيل الإصلاح الزيتوني. ومع ذلك، فقد مر على التلامذة مرورًا مرًّا؛ إذ كان حلولُه عقب عُضوض ناب الحرب، فوردوا لطلب العلم، وقد قلت الأزواد، ورقت الثياب. ولكنهم تجلدوا على ذلك، وصابروا، فكنتَ تراهم صُفْرَ الوجوه، ولكنك تلقاهم أيقاظَ القلوب، حديدي البصائر، مؤمنين بمصيرهم السعيد في الحياتين، فهم جديرون منا بالثناء والشكر، وأحقاءُ لو خارت عزائمهم بالعذر، آملين منهم أن يتلقوا العام القابل بمظاهر الفتوة فيحيي من عزائمهم ما يأخذ الكتاب بقوة.
(1) درج كثير من الكتاب والخطباء من أهل العلم والفكر والسياسة في تونس على استخدام مصطلح "الأمة" في الحديث عن شعب تونس، وهو حصر وتضييق لمعنى هذا المصطلح ذي الدلالة الأوسع والأشمل، استيعابًا لأبناء العروبة وأهل الإسلام. والأولى في مثل السياق الوطني استعمال لفظ شعب، وإن كان المصنف عليه رحمة الله قد تواتر عنده استعمال لفظة "الجامعة الإسلامية" أداءً لتلك الدلالة الكلية.
إصلاح مدارس (1) الطلبة:
وأنا لا أهمل تقديرَ سيرتهم نحونا حقَّ قدرها: من خطة التعقل والرصانة، والطاعة للمقررات، والتفهم للصالح العلمي، مما دلني على أنهم قد استودعوني ثقتَهم بأني أبذل الوسعَ فيما يؤول إلى سعاد مستقبلهم، جاعلًا في مقدمة ذلك النظرَ في مدارس سكناهم، وهي مشكلةٌ عظيمة في حياة الطلبة من جهة قلتها وضعف مرافقها. وحسب السامع أن يعلم أن أكثر من نصف عدد التلاميذ يلاقون عناء قاسيًا من ذلك، وأيضًا فإن نظام المدارس مرتبط بنظام التلامذة في قرن (2)؛ إذ لا يستطاع ضبط أحوال التلامذة، وصونهم، وتوفير راحة بالهم في مدة الطلب إلا بإبلاغ نظام المدارس الغاية التي تقتضيها أمثالها، وذلك يتوقف على إصلاح الموجود وإيجاد المفقود.
وقد سددنا الجانبَ الأول بايجاد دائرة خاصة تابعة للمشيخة تختص بالنظر في تنظيم شؤون المدارس، وأما الجانب الثاني فأرى حقًّا على الأمة أن تجعل للاعتماد على نفسها الحظَّ الأوفر في إقامة مصالح ناشئتها. لذلك بادرنا بتوجيه الدعوة لنخبة من أفاضل الأمة فكوَّنوا لهذا الغرض المهم جمعيةً تم تشكيلها القانوني تحت رئاسة فضيلة شيخ الإسلام المالكي، الذي كان من قبل باذر نواتها، وستبتدئ هذه الجمعيةُ إنجاز برنامجها الرامي إلى إيجاد بناية ضخمة تأوي أكثرية من التلامذة في نظام محكم.
وقد سبق للتهمم بهذه المهمة سابقون سبق الجياد، فعرض علي أحد الأفاضل من أهل السخاء أنه أعد مليون فرنك لبناء مدرسة على النظام الكامل (ورغب أن يكتم اسمه)، كما فاتحني الفاضلُ الخير السيد الديماسي أنه قد اقتنى منزلًا ضخمًا لجعله مدرسة تامة المرافق، وهو بصدد تصميم مثال لإقامته، وفاتحني الفاضل الغيور السيد المختار الصالحي باستعداده لإنشاء مدرسة كاملة.
(1) المقصود بالمدارس هنا محلات السكن الجماعي للطلبة.
(2)
القَرَن: الحبل يقرن - يجمع - به البعيران، أي: هناك رابط بين نظام المدارس ونظام التلامذة.