الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نظرة في الكتاب المعنون "
مقدمة
في النحو" المنسوب إلى الإمام خلَف الأحمر
(1)
[مقدمة]
أهدتني وزارةُ الثقافة والإرشاد بالجمهورية السورية ثلةً من منشوراتها المفيدة، فشكرًا جزيلًا لها. وكان من بين هذه الطائفة من المنشورات نسخةٌ من كتاب عنوانه "مقدمة في النحو"، منسوبةٌ إلى خلف الأحمر (2)، نشره وعلّق عليه الأستاذ
(1) نشر نجمين في مجلة المجمع العربي العلمي بدمشق، المجلد 38، الجزء 4، جمادى الأولى 1383/ أكتوبر 1963 (ص 576 - 590) والمجلد 39، الجزء 1، شعبان 1383/ يناير 1964 (ص 152 - 162).
(2)
هو أبو محرز خلف بن حيان مولى أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، أعتقه وأعتق أبويه، وكانا فَرْغانيين. كان من أهل البصرة، عالمًا باللغة والنحو والأخبار، شاعرًا كثير الشعر جيدَه، ولم يكن في نظرائه من أهل العلم أكثرَ شعرًا منه. له ديوان شعر وكتاب "جبال العرب" وكتاب "مقدمة في النحو"، توفي سنة 180 هـ. وقد رثاه أبو نواس الحسن بن هانئ بقصيدة جاء فيها:
بِتُّ أُعَزِّي الفُؤَادَ عَنْ خَلَفِ
…
وَبَاتَ دَمْعِي إِلَّا يَفِضْ يَكِفِ
أَنْسَى الرَّزَايَا مَيْتٌ فُجِعْتُ بِه
…
أَضْحَى رَهِينًا لِلتُّربِ فِي جَدفِ
كَانَ يُسَنَّى بِرفْقِهِ غَلَقُ الـ
…
أَفْهَامِ فِي لَا خَرقٍ وَلَا عُنفِ
يَجُوبُ عَنْكَ الَّتِي عَشِيتَ لَها
…
حَيْرَانَ، حَتَّى يَشْفِيَكَ فِي لُطفِ
لَا يَهِمُ الحاءَ فِي القِرَاءَةِ بِالـ
…
ـخَاءِ، وَلَا لَامَهَا مَعَ الأَلِفِ
وَلَا مُضلًّا سُبْلَ الكَلَامِ، وَلَا
…
يَكُونُ إِنْشَادُهُ عَنِ الصُّحُفِ
وَكَانَ مِمَّنْ مَضَى لَنَا خَلَفًا
…
فَلَيْسَ إِذْ مَاتَ عَنْهُ مِنْ خَلَفِ =
المحقق عز الدين التنوخي (1) - عضو المجمع العلمي العربي بدمشق - ذو المباحث الجمة القيمة. وإنه كتابٌ نادر في عصره، ومثالٌ لطور من أطوار التآليف النحوية.
= الجاحظ: كتاب الحيوان، ج 3، ص 493 - 494. وانظر القصيدة كاملة مع بعض الاختلاف في: ديوان أبي نواس، ص 431 - 432. وقد روى ابن قتيبة أبياتًا من أرجوزة معزوة إلى أبي نواس في رثاء خلف أيضًا. ابن قتيبة: الشعر والشعراء، ص 474.
(1)
هو عز الدين بن آمين علم الدين التنوخي، ولد سنة 1889 بدمشق، وفيها حصل تكوينه الأولي، فحفظ القرآن الكريم ودرس مبادئ العلوم واللغات العربية والتركية والفارسية والفرنسية. ثم رحل إلى مصر حيث درس في الجامع الأزهر لما يقرب من خمس سنوات. وفي سنة 1910 أوفد إلى فرنسا في بعثة دراسية عن طريق جمعية أهلية سورية ليدرس الزراعة في مدينة غرينيون (Grignon) مدة ثلاث سنوات حصل بعدها على شهادة في تطعيم الأشجار، ثم عُيِّن في بيروت معلّمًا للزراعة. وقبل ذلك أقام مدة بالآستانة، حيث اتصل ببعض الشبان العرب العاملين في الحركات القومية والتنظيمات الإصلاحية والتحررية، وانتسب إلى جمعية المنتدى الأدبي التي أسّسها عبد الكريم الخليل سنة 1909. لم يستمر عمل التنوخي في بيروت طويلًا، فقد دعي إلى الخدمة العسكرية مع اندلاع الحرب العالمية الأولى. ولكنه فر من الجيش التركي عندما بدأت السلطات التركية تلقي القبض على بعض رفاقه، واستطاع الوصول سالِمًا إلى العراق، بخلاف زملائه الذين توجهوا إلى الحجاز؛ إذ أُلقي عليهم القبض وحوكموا وأُعدموا سنة 1916. ثم غادر التنوخي العراق إلى الحجاز لينضم إلى ثورة الشريف حسين الذي عيّنه مديرًا للزراعة في حكومته، ولكنه ترك ذلك المنصب بعد وقت قصير ليلتحق بجيش الأمير فيصل، ويدخل معه دمشق سنة 1918. وفي عهد حكومة فيصل اختير عضوًا في "الشعبة الأولى للترجمة والتأليف" التي أعيد تكوينها وسميت "ديوان المعارف". وفي سنة 1919، صار هذا الديوانُ "المجمع العلمي العربي بدمشق"، الذي تولى رئاسته محمد كرد علي، وكان عز الدين التنوخي أصغر أعضائه المؤسسين الثمانية سنًّا. وفي دمشق أيضًا انتسب إلى "جمعية الرابطة الأدبية" إلى جانب عدد من الأدباء الأعلام. وتولى التنوخي إدارة المجلة التي أصدرتها الجمعية، ولكن لم يصدر منها إلا العدد الأول في أيلول 1921 حيث منعتهما معًا السلطات الاستعمارية الفرنسية. رحل التنوخي إلى العراق، وعمل مدرِّسًا في بعض المعاهد الثانوية والعالية ببغداد، كما اشتغل بتأليف بعض الكتب المدرسية، وتعاون مع ساطع الحصري على إصدار "مجلة التربية والتعليم". وفي عام 1931 عاد عز الدين التنوخي إلى دمشق، ليشغل أمانة سرّ المجمع العلمي العربي خلال 1934 - 1936، ثم عُيّن أستاذًا للعربية وآدابها في ثانويات حمص ودمشق سنة 1937، ثم مديرًا للمعارف في محافظة السويداء عام 1942، ثم مفتّشًا للمعارف بدمشق سنة 1947. وفيما بعد قام بتدريس علوم البلاغة في كلية الآداب بجامعة =
فشكرًا للأستاذ التنوخي على ما أحيا، وعلى ما غذّى وأنمي، كدأبه المشهور، في كل عمله المشكور.
وقد كان فيما حققه وعلّقه كفايةٌ لباحث، وكفاءةٌ لما أصَّله من المباحث. سوى أن مثل هذا العِلق يدعو الهمّةَ إلى زيادة الإمعان، وقد لاحت لي عند مطالعته معان، هي مخيم للذِّهن ومعان، وقديمًا قيل:"منهومان لا يشبعان"(1). لذلك رأيت أن
= دمشق من سنة 1948 حتى إحالته إلى التقاعد عام 1953، فتفرغ للعمل المجمعي والتأليف والتحقيق. وتقديرًا لإسهامه في خدمة اللغة العربية، انتخب في سنة 1957 عضوًا في لجنة المطبوعات ومجلة المجمع العربي العلمي بدمشق، وفي سنة 1961 انتخب عضوًا مراسلًا في المجمع العلمي العراقي، وفي سنة 1964 نائبًا لرئيس مجمع اللغة العربية بدمشق بعد وفاة رئيسه عبد القادر المغربي. وظل في هذا المنصب إلى أن تُوفِّي في 24 يونيو 1966، فكان آخر مؤسسي المجمع وفاة. ترك التنوخي سجلًّا حافلًا بالإنتاج العلمي في خدمة اللغة العربية والثقافة الإسلامية، إذ أربت مؤلفاته وتحقيقاته ومراجعاته على الثلاثين.
(1)
أخرج الحاكم عن أنس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ: منهوم في علم لا يشبع، ومنهوم في دنيا لا يشبع"، ثم قال النيسابوري:"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ولم أجد له علة". الحاكم النيسابوري: المستدرك على الصحيحين، "كتاب العلم"، الحديث 312، ج 1، ص 159. وأخرجه الدارمي - مع اختلاف وزيادة في ألفاظه (منها رواية بلفظ:"منهومان لا يشبعان: صاحب علم وصاحب دنيا") - عن الحسن وابن مسعود وابن عباس موقوفًا، والهيثمي وضعفه. الدارمي، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام: مسند الدارمي المعروف بـ سنن الدارمي، تحقيق حسين سليم أسد الداراني (الرياض: دار المغني للنشر والتوزيع، بدون تاريخ)، "المقدمة - باب في فضل العلم والعلماء"، الأحاديث 343 - 344 و 346، ج 1؛ ص 355 - 357؛ الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر: بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، تحقيق عبد الله محمد الدرويش (بيروت: دار الفكر، 1414/ 1994)، "كتاب العلم"، الحديثان 571 - 572، ج 1، ص 350. وانظر تخريجًا أكثرًا تفصيلًا وبيانًا لوجوه إعلاله وأسباب تصحيحه في: الغمري، السيد أبو عاصم نبيل بن هاشم: فتح المنان شرح وتحقيق كتاب الدارمي أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن المسمى بالمسند الجامع (بيروت: دار البشائر الإسلامية/ مكة المكرمة: المكتبة المكية، ط 1، 1419/ 1999)، ج 3، ص 269. قال السخاوي بعد أن ذكر رواياته المختلفة:"وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة، وهي وإن كانت مفرداتها ضعيفة، فبمجموعها تقوى". السخاوي، شمس الدين محمد بن عبد الرحمن: المقاصد الحسنة في =