الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسالة إلى مجمع اللغة العربية بالقاهرة بمناسبة تأبين الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور
(1)
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تحية مباركة طيبة أوجهها إلى السادة الأساتذة العلماء الجِلة رجال المجمع اللغوي، وإلى السيد الأمين العام الأستاذ الدكتور إبراهيم مدكور الذي ألبي طِلْبته - بكتابه رقم 105 - أن يكون لأسرة زميلهم الفقيد العزيز ابني الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور، كلمةٌ في حفل تأبينه الذي يقام هذا اليوم، جريًا على ما جرت عليه تقاليدُ المجمع من تأبين أعضائه الأشقاء في مؤتمره كلَّ عام، ونِعْمَتِ السنةُ للوفاء بالعهد.
وأما بعد، فلا أيمنَ ولا أبلغَ فيما يحق أن أفتتح به خطابي المتلُوَّ في هذا المقام، من الكلمة النبوية الجليلة:"تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب". (2) فإذا كانت تلك النفسُ المحمدية الزكية تعبر عن تمكن الحزن منها وتجدده لفقدان فلذة الكبد، فماذا يُظن أن يُقدر به تأثر نفسي الضعيفة من الأسى، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
(1) مجلة مجمع اللغة العربية، الجزء 28، رمضان 1391/ نوفمبر 1971 م، (ص 293 - 294).
(2)
أخرج ابن سعد عن أنس بن مالك قال: "رأيتُ إبراهيم وهو يكيد بنفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربَّنا، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون". وانظر عدة روايات أخرى في المعنى نفسه في: الزهري: كتاب الطبقات الكبير، ج 1، ص 114 - 116.
غير أني أجد سُلُوًّا بما روَّح على النفس من خالص تعزيات أسرة هذا المجمع الجليل، والتعبير عن صميم مشاركتهم لأسرة الفقيد في مصابنا الجَلل، وخاصة ما ألقاه ممثل المجمع الشاعر العبقري الأستاذ عزيز أباظة في حفل الأربعين الذي أقيم بتونس، من شعر يلوح منه برقُ صداقة لماعة، ووَدْقُ عهود محفوظة غير مضاعة.
واليوم أعاد إزجاءَ سحائبه ما هب عليها من لواقح هذه الحفل الجليل، مما دل على أنه ود لا ينضب ماؤه، ولا يرنق بمرور الزمان صفاؤه. وودِدْتُ لو كنتُ حاضرًا بينكم بجثماني ليتظاهر المقالُ مع شواهد الحال، بيد أني أرسلت كتابي هذا معبِّرًا عني، فما الكتاب إلا أثر القلم الذي أمسكته يدي إمساكَ الماتح بالعروة، ليفرغ سَجْلًا مما في الضمير من جزيل الشكر، والاعتراف بالجميل للسادة أسرة المجمع، مصداق ما وَدَّه أبو العلاء أن يكون به لقاؤه لأبي حامد الإسفرائيني بقوله:
يَمَّمْتُهُ وَبِوِدِّي أَنَّنِي قَلَمٌ
…
أَسْعَى إِليْهِ وَرَأْسِي تَحْتيَ السَّاعِي (1)
شكرًا أرجو أن يفي بحق ما أبدوه جماعات ووحدانًا من مشاطرتي وسائر أسرة الفقيد العزيز في الأسف والأسى، من مقاويل ومستمعين، مشاطرةً منبعثة عن صدق الأخوة، ورعي صفاء الخُلة، لفقيد كان ذكرُهم بالجميل هجّيرَا لسانه، والتحفز للقائهم أهم شانه.
وللأستاذ الجليل رئيس المجمع من ذلك الحظُّ الأوفر، ولكل من الأستاذين نائب الرئيس والأمين العام ما يوازنه.
وأبتهل إلى الله تعالى أن يجازيَ الفقيد العزيز أحسن الجزاء، على ما بذله من طاعة الله ورسوله، في تأييد الشريعة الإسلامية، والذب عن اللغة العربية: {وَمَنْ
(1) المعري: سقط الزند، ص 149. والبيت هو السادس في قصيدة من ثلاثة وثلاثين بيتًا من بحر البسيط بعث بها أبو العلاء إلى أبي حامد الإسفراييني حين كان ببغداد.
يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)} [النساء: 69].
وأعيد إليهم تحيةَ الختام وذكرى السلام، مني ومن أسرة الفقيد العزيز.