الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصيدة في مدح الشيخ محمد النخلي
(1)
ألقى ابن عاشور هذه القصيدة بمناسبة ختم أستاذه الشيخ محمد النخلي القيرواني درسَه على مختصر سعد الدين التفتازاني على تلخيص كتاب "المفتاح"(للسكاكي) بجامع الزيتونة يوم 17 محرم 1317 الموافق 29 مايو 1899، وهي تشتمل على أربعة وثلاثين بيتًا من بحر الكامل.
"الحمد لله
السَّعْدُ أَسْفَرَ بِالبَشَائِرِ يُعْرِبُ
…
وَأَرَاكَ فِي لُجَجِ الهَوَى تَتَقَلَّبُ
فَاسْمَعْ نِدَاهُ فَلَاتَ حِينَ تَغَزُّلٍ
…
فِي الكَاعِبَاتِ وَلَاتَ حِينًا تُطْرِبُ
حَتَّى مَتَى شَوْقٌ بِعَقْلِكَ يَذْهَبُ
…
فَتَنَتْكَ سُعْدَى وَالرَّبَابُ وَزَيْنَبُ
لَيْسَ النَّسِيبُ مُقَدَّمٌ مُسْتَمْلَحًا
…
إِنْ كَانَ خَوْضُكَ فِي الفَضَائِلِ أَعْذَبُ
فَاخْلُصْ إِلَى نَادِي الهَنَا بِمَدِيحِ مَنْ
…
يَتَهَلَّلُ البُشْرَى وَنَادٍ مُرَجَّبُ (2)
السَّيِّدُ الغِطْرِيفُ ذَاكَ المُرْتَضَى
…
بِمُهَنَّدِ الأَفْكَارِ أَمْسَى يَقْصِبُ (3)
سَمَّوْهُ بِاسْمِ الحمْدِ إِشْعَارًا بِهِ
…
وَتَوَسَّمُوا فيهِ العُلَا فَتَصَوَّبُوا
مُذْ قَدْ بَدَا حَمْدُ الأَنَامِ بِفَضْلِهِ
…
بِمُحَمَّدِ النَّخْلِيِّ صَارَ يُلَقَّبُ
(1) آثار الشيخ محمد النخلي، ص 313 - 314.
(2)
المرجب: المعظم، من الترجيب وهو التعظيم.
(3)
قصب الشيء واقتصبه قصبًا: اقتطعه.
إِنْ جِئْتَ عِلْمَ الدِّينِ فَالعُتَقِيُّ أَوْ
…
سُحْنُونُ بَحْرُ الفِقْهِ وَأَشْهَبُ (1)
أَمَّا البَلَاغَةُ فَهْيَ طَوْعُ زِمَامِهِ
…
وَلِغَيْرِهِ جَمَحَتْ وَلَيْسَتْ تُرْكَبُ
إِنْ شَدَّ أَطْرَافَ اليَرَاعِ بَنَانُهُ
…
سَجَدَتْ لَهُ الأَقْلَامُ إِذَا مَا يَكْتُبُ (2)
أَمَّا إِذَا مَا قَرَعَ المَسَامِعَ جَوْهَرٌ
…
مِنْ لَفْظِهِ سَحْبَانُ أَضْحَى يَرْهَبُ (3)
عُدِمَ النَّظِيرَ فَصَاحَةً فَاجْزِمْ بأَنْ
…
وَدِعَ الفَصَاحَةَ فِيهِ حَقًّا يَعْرُبُ
(1) العتقي هو أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة مولى زيد بن الحارث العتقي، أصله من الشام من فلسطين من مدينة الرملة، ولد سنة 128 هـ. من الطبقة الوسطى من فقهاء المذهب المالكي من المصريين، كان فقيهًا قد غلب عليه الرأي، وهو عالم مصر ومفتيها، صاحب مالكًا وروى عنه المسائل، وروايته للموطأ صحيحة قليلة الخطأ. توفي ابن القاسم سنة 191 هـ، وقيل 192 هـ. وسحنون هو أبو سعيد عبد السلام سحنون بن سعيد التنوخي، ولد سنة 160 هـ بالقيروان، قدم والده من حمص بالشام مع الجند. درس سحنون القرآن واللغة والفقه في القيروان وتونس وكان من أساتذته الإمام علي زياد التونسي الذي كان أول من أدخل كتاب الموطأ للإمام مالك إلى إفريقية. رحل سنة 188 هـ - وهو في الثامنة والعشرين من عمره - إلى المشرق (الحجاز والشام ومصر) وأخذ عن كبار العلماء هناك، وفي مقدمتهم ابن القاسم وأشهب بن عبد العزيز وعبد الله بن وهب وسفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن مهدي وأبي داود الطيالسي. وفي سنة 191 هـ عاد إلى القيروان وقد حقق أكبر إنجاز في حياته وفي تاريخ الفقه المالكي، ألا وهو جمعه لفقه الإمام مالك فيما أصبح يعرف بالمدونة. توفي الإمام سحنون سنة 240 هـ. أما أشهب فهو أبو عمرو أشهب بن عبد العزيز بن داوود بن إبراهيم القيسي، الفقيه المالكي الفقيه المصري، ولد سنة 140 هـ، وقيل سنة 150 هـ، وقيل سنة 145 هـ. رحل إلى الإمام مالك ولزمه وأخذ عنه، وصار واحدًا من أكبر أصحابه، وكانت بينه وبين ابن القاسم منافسة، وانتهت إليه الرياسة الفقه بمصر بعد ابن القاسم. توفي أشهب سنة 204 هـ.
(2)
اليراع: القلم يُتخذ من القصب.
(3)
سحبان هو سحبان بن زفر بن إياس بن وائل، من باهلة. وجدُّه الأكبر وائل هو ابن معن بن أعصر بن قيس عيلان. خطيب وفصيح وبليغ من بلغاء العرب. عاش سحبان ما بين الجاهلية والإسلام، وقيل إنه أسلم. ويبدو أنه ارتحل في حياته إلى غير مكان، فقد حضر إلى معاوية بن أبي سفيان - وهو في الشام - في وفد جاءه من خراسان.
إِنَّ البَلَاغَةَ هِيَ قُطْبُ مَدَارِهِ
…
مِنْ صَاحِبِ الكَشَّافِ أَوْ مِنْ قُطْرُبُ (1)
لَوْ أُبْلِغَتْ أَشْعَارُهُ لابْنِ الحُسَيْنِ
…
لَضَلَّ عَنْ دَعْوَى النُّبُوَّةِ يَرْغَبُ (2)
أَوْ أُنْهِيَتْ لأَبِي العَلَاءِ وَفَضْلِهِ
…
لَكَسَى المَعَرَّةَ لَفْظهَا إِذْ يُغْلَبُ
الدَّهْرُ قَدَّمَهُمْ عُصُورًا وَاقْتَنَا
…
هُ إِذَا أُقِيمَ مِنَ الجهَالَةِ غَيْهَبُ (3)
شَمْسًا بِهِ تُهْدَى العُقُولُ مُحَبَّذًا
…
وَالشَّمْسُ يَهْدِي الجِسْمَ هَذَا أَعْجَبُ
وَرِثَ المَفَاخِرَ فَارْتَدَى بِرِدَائِهَا
…
حَتَّى لِهمَّتِهِ الثُّرَيَّا تَرْقُبُ
مَا حَاوَلَ العَلْيَاءَ حَتَّى نَالَهَا
…
إِلَّا كَلَمْحِ العَيْنِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ
مَنْ قَالَ إِنِّي مُدْرِكٌ شَأْوَاهُ
…
فَلَقَدْ أَسَاءَ وَذَاكَ قَوْلٌ أَكْذَبُ
إِنْ هَمَّ لَمْ يَرْضَ الهُوَيْنَا خِلْقَةً
…
وَهْوَ المُهَنَّدُ مَا نَبَا إِذْ يَضْرِبُ
بِالغَرْبِ أَشْرَقَ نُورُ عِلْمِكَ طَالِعًا
…
بِمَقَامِكُمْ شَرْقٌ وَشَرْقٌ مَغْرِبُ
إِنْ رَامَ إِنْكَارًا لِشَأْنِكَ حَاسِدٌ
…
فَالشَمْسُ فِي أُفُقِ العُلَا لَا تَعْزُبُ
مَا قَصْدُ شَمْسِ الأُفْقِ عِنْدَ ظُهُورِهَا
…
إِخْفَاءُ نُورِكَ بَلْ شُعَاعَكَ تَطْلُبُ
أَمَّا الكَوَاكِبُ فَهْيَ أَقْصَرُ رُتْبَةً
…
عَنْ أَنْ تَلُوحَ فَضَوْءُ نُورِكَ يَحْجُبُ
(1) قطرب هو أبو علي محمد بن المستنير بن أحمد، النحوي اللغوي البصري، مولى سلم بن زياد. أخذ عن عيسى بن عمر، وعن سيبويه، وعن جماعة من العلماء البصريين. كان حريصًا على الاشتغال، كان يبكر إلى سيبويه قبل حضور التلاميذ إليه فقال له: ما أنت إلا قطرب ليل، فلزمه هذا اللقب. والقطرب دويبة لا تزال تدب ولا تفتر، وكان من أئمة عصره في علوم اللغة والنحو، وله تصانيف كثيرة من أشهرها ما يعرف بمثلث قطرب.
(2)
ابن الحسين هو أبو الطيب المتنبي علي بن الحسين. وفي البيت إشارة إلى ما نسب إلى أبي الطيب من ادعاء النبوة، وقد تصدى لتفنيد هذه التهمة وبيان بطلانها العلامة محمود شاكر في كتابه الشهير عن المتنبي، فراجعه.
(3)
الغَيْهَبُ: الظُّلْمَة. والغَيْهَبُ من الليل: الشديد الظلمة. والغَيْهَبُ من الخيل ونحوها: الشديد السواد.
وَالبَحْرُ أَضْحَى مِنْ يَمِينِكَ غَارِفًا
…
وَرَوَى عُلُومَكَ كُلُّ نَهْرٍ حَوْأَبُ (1)
قَدْ حُزْتَ فَخْرًا لَمْ يَسْبقْ نَيْلُهُ
…
حَتَّى يَصِيرَ المَدْحُ عَيْبًا يُحْسَبُ
وَبَخَتْمِكُمْ مَعْنًى يُشِيرُ لِخَتْمِكُمْ
…
كُلَّ الفَضَائِلِ فَهيَ تُسْتَوْعَبُ
هَذَا وَإِنِّي حُزْتُ كُلَّ مَفَاخِرٍ
…
إِذْ صِرْتُ عَنْ بَعْضِ الفَضَائِلِ أُعْرِبُ
وَيَحقُّ أَنْ أَطَأَ السِّمَاكَ بِمَدْحِكُمْ
…
إِنَّ السِّمَاكَ عَلَيَّ لَا يُسْتَصْعَبُ (2)
وَإِذَا القَصَائِدُ حَسْبَ هِمةِ رَبِّهَا
…
تَأْتِي فَمِنْ تَقْصِيرِهِ لَا تَعْجَبُوا
لَا زِلْتَ شَمْسًا فِي الهِدَايَةِ وَالعُلَا
…
سَلِمَتْ مِنَ الحَدَثَانِ بَلْ لَا تَغْرُبُ
بِدَوَامِكُمْ تُهْنَى العُلُومُ بِخُلْدِهَا
…
وَكَمَالَ بَدْرِكَ دَهْرُنَا يَتَطَلَّبُ
حررها محمد الطاهر بن عاشور غفر الله له".
وقد علق الشيخ النخلي على هذه القصيدة بالأبيات الآتية:
يُؤْمَلُ فِي هَذَا الهِلَالِ بِأَنْ يُرَى
…
كَبَدْرِ تَمَامٍ لَا يُخَالِطُهُ نَقْصُ
وَيُرْجَى لِهَذَا البَارعِ النَّابِغِ أَنَّهُ
…
سَيُحْيِي عُلَا الأَسْلَافِ وَالشَّاهِدُ النَّصُّ (3)
وَفِي شِعْرِهِ بَعْدَ التَّقْرِيضِ رُتْبَةُ
…
عُلَا لَيْسَ فِي تَنْوِيهِ مَفْخَرِهَا غَمْصُ (4)
(1) الحوْأب، كَكَوْكَب: الواسع من الأودية.
(2)
السماك: السقف. والسماكان نجمان نيران، أحدهما في الشمال وهو السماك الرامح، والآخر في الجنوب وهو السماك الأعزل، والمقصود في البيت هو النجم لا السقف.
(3)
إشارة إلى حديث: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد دينها"، وقد كتب عليه ابن عاشور شرحًا ضافيًا فانظره في القسم الأول من هذا المجموع.
(4)
الغمص: الاحتقار والاستصغار.