الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقالوا في صفة جنازته: إنها لم يسر وراءها "أحد إلا أمة له سوداء سندية". (1) وفي الموشح للمرزباني في ترجمة العباس بن الأحنف عن عمر بن شَبَّة قال: "رآني محمد بن بشار بن برد، وأنا أكتب شعرَ العباس بن الأحنف (2)، وكنت أقرأ عليه شعر أبيه، فقال: والله لا أقرأتك شعرَ أبِي وأنت تكتب هذا"(3). فدل على أنه كان له ولدٌ عاش بعده، فلعله تركه صغيرًا وشب، ثم مات ولم يخلف عقبًا؛ لأن العباس بن الأحنف نشأ بعد بشار.
مولده ونشأته ووفاته:
ولد بشار بالبصرة، وكان مولده سنة ست وتسعين تقريبًا. ونشأ بالبصرة واشتهر شعرُه فيها، وسكن حرّانَ مدة. وتنقل في البلاد مدة، ثم رجع إلى البصرة،
= ديوان بشار بن برد، ج 2/ 4، ص 35 - 36؛ الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج 3، ص 229 - 230 (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج 1/ 3، ص 705 (نشرة الحسين). وبت: انقطع عن العمل، ومنه قولهم: سكران بات، أي منقطع عن العمل بالسكر. ويقال أيضًا: بت الرجل يبت بتوتًا، هزل فلم يقدر على القيام. والبهت: الدهش والتحير أو التعب، واستعمالُ المصدر هنا مكانَ اسم الفاعل للمبالغة في الوصف. (من حاشية محقق كتاب الأغاني، نشرة القاهرة).
(1)
المصدر نفسه، ص 248.
(2)
هو أبو الفضل العباس بن الأحنف بن الأسود الحنفي، شاعر رقيق الغزل. قال عنه البحتري: إنه أغزل الناس. أصله من بني حنيفة، ولكن أهله كانوا يقيمون بالبصرة. نشأ في بغداد وفيها اشتهر. اتصل بهارون الرشيد ونال عنده حظوة. خالف الشعراء في طريقتهم فلم يتكسب بالشعر، وكان أكثرُ شعره في الغزل والنسيب والوصف، ولم يتجاوز ذلك إلى المديح والهجاء. وفي ذلك يقول الجاحظ فيما رواه عنه ابن أخته يموت بن المزرع:"لولا أنَّ العباس بن الأحنف أحذقُ الناس وأشعرُهم وأوسعُهم كلامًا وخاطرًا، ما قدر أن يَكْثُرَ شِعرُه في مذهب واحد لا يجاوزه؛ لأنه لا يهجو، ولا يمدح، ولا يتكسب ولا يتصرف. وما نعلم شاعرًا لزم فنًّا واحدًا فأحسن فيه وأكثر". ويقول: "ولقد شهدتهم (يعني رواة الشعر) وما هم على شيء أحرصُ منهم على نسيب العباس بن الأحنف، فما هو إلا أن أورد عليهم خلفٌ الأحمر بنسيب الأعراب فصار زهدهم في شعر العباس بقدر رغبتهم في نسيب الأعراب". البيان والتبيين، ج 2/ 4، ص 14. وانظر كذلك: الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج 8، ص 368 (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج 3/ 8، ص 466 - 484 (نشرة الحسين).
(3)
المرزباني: الموشح، ص 331.
كما سيأتي، ثم سكن بغداد. وتوُفِّيَ في بغداد سنة سبع، وقيل: ثمان وستين ومائة، على ما حققه الخطيب في تاريخ بغداد (1). وقيل: سنة ست وستين ومائة؛ قاله ابن الأثير في الكامل، ولا يصح (2).
وشاخ حتى ابيضَّ رأسُه ولحيته، قيل: نيف على التسعين (بتقديم التاء) وقيل على السبعين (بتقديم السين)، والأول تحريف من قلم الناسخ. ثم لا شك أن بشارًا حين تُوُفِّيَ تجاوز السبعين، يشهد لذلك قولُه في قصيدته التي طالعها:"أبَاهلَ إنِّي للحروب عدَادُ"، وهي في هجاء أبي هشام الباهلي، فقال فيها:
وَحَسْبُكَ أَنِّي مُنْذُ سِتِّين حِجَّةٍ
…
أَكِيدُ عَفَاريتَ العِدَا وأُكَادُ (3)
فلا شك أن يكون ابتداء كيده بعد بلوغ عشر سنين. ومهاجاته لأبي هشام الباهلي كانت في عصر المهدي العباسي، كما يدل عليه قولُه في قصيدته التي هجا بها أبا هشام الباهلي التي طالعها:"أباهلَ إنِّي حِينَ لَاحَ قَتِيرِي"؛ إذ يقول في إعراضه عن فُحش القول:
فَقُلْتُ مَعَاذَ الله لَسْتُ بِفَاعِلٍ
…
نَهَانِي أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَمِيرِي (4)
ومعروفٌ أن الذي نهاه هو المهدي. ومما يزيد تحديدَ عمر بشار ضبطًا أنه مدحَ المهدي سنة ثلاث من خلافته - أعني سنة إحدى ومائة - بالقصيدة التي قال فيها (على رواية الأغاني):
وأَخْرَجَنِي مِنْ وِزْرِ خَمْسِينَ حِجَّةٍ
…
فَتًى هَاشِمِيٌّ يَقْشَعِرُّ مِنَ الوِزْرِ (5)
(1) الخطيب البغدادي: تاريخ مدينة السلام، ج 7، ص 617.
(2)
ابن الأثير الجزري: الكامل في التاريخ، ج 5، ص 254.
(3)
ديوان بشار بن برد، ج 2/ 3، ص 102 (والقصيدة من بحر الطويل).
(4)
ديوان بشار بن برد، ج 2/ 3، ص 241 (والقصيدة من بحر الطويل).
(5)
الموجود في الديوان "من وزر سبعين حجة"، ورواية الأصفهاني أصح، ويعضدها البيت الذي من القصيدة الدالية. - المصنف. الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج 3، ص 220 (نشرة القاهرة)؛ =