الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي خلق الآيات. والظاهر أن الكلمات التي حجبها خاتم الوقف هي "فردّ على"، كما يدل عليه كلامُ المؤلف بعد ذلك.
34 -
وقال في ص 99: "وإذا أردت بكم أن تأتي بمعنى من نصبت" إلخ، هذا الكلام اعتراض بين قوله - قال الشاعر -، وقوله - بمعنى كم ورب - قصد به التنبيه على استعمال كم في الاستفهام، فلا يكون فيها معنى رب الذي عقد له الباب، فقوله:"بمعنى كم ورب" حال من قوله: "قال الشاعر"، وقوله:"هما يتعاقبن"، أي يرد أحدهما في موضع الآخر للتكثير والتقليل. فأما رب فهي موضوعة للتكثير والتقليل، فهي من حروف الأضداد. وأما كم فالخبرية موضوعة للتكثير، وإذا استُعملت للتكثير، كان ذلك مجازًا في مقام التهكم مثلًا، وأما كم الاستفهامية فلا يتصور فيها قصد التكثير أو التقليل.
تفسير الشواهد الشعرية الواردة في هذه المقدمة وهي غير معروفة في شواهد النحو
الشاهد الأول: في ص 75: "قال الشاعر في معناه:
يَا فَارِسَ المِيرَةِ بِاسْمِهِ
…
وَيَا حَيْوَةَ بْنِ عَقِيلِ (1)
يحتمل أنه شاهد واحد ساقه المؤلف على أنه بيت كامل، ولكن دخله اختلال في النسخة من سقوط بعضه من قلم الناسخ. وحينئذ فالشاهد في الجزء الأخير. ويحتمل - وهو الأظهرُ - أن المؤلف أتى بمصراع مفرد مقتصرًا عليه، ويكون قوله "ويا حيوة بن عقيل" عطفًا على جملة "قال الشاعر"، أي: وقولك يا حيوة بن عقيل. ويكون المصراع الأول سقطت منه كلمة ابن المغيرة. ولعل قوله: "باسمه" تحريف بأسه.
(1) قال عز الدين التنوخي: "لم نعرف هذا الشاعر (أي قائل البيت)، ولا وجدنا لبيته وزنًا ولا مبنًى ولا معنى، ويمكن ترميمه بأن يقال: "يا فارس المغيرة ** ويا حيوة بن عقيل". الأحمر: مقدمة في النحو، ص 75 (الحاشية 2).
الشاهد الثاني: قوله في ص 92: "قال الشاعر:
رَأَيْتُكَ أَمْسِ أَحْسَنَ مَنْ يُمَشِّي
…
وَأَنْتَ اليَوْمَ خَيْرُ بَنِي مَعَدِّ" (1)
وهذا الشاهد لا يُعرف في كتب النحو واللغة، ولا يعرف قائلُه. وكنَّى بمن يُمَشِّي عن الناس، كقول الحارث بن حلزة:
مَلِكٌ مُقْسِطٌ وَأَفْضَلُ مَنْ يَمْشِـ
…
ـي وَمِنْ دُونِ مَا لَدَيْهِ القَضَاءُ (2)
ومعنى البيت المدح بأنه قد نشأ أحسن الناس، وهو الآن سيد العرب. وهذا المعنى قريب من قول أبي تمام:
إِنَّ الهِلَالَ إِذَا رَأَيْتَ نُمُوَّهُ
…
أَيْقَنْتَ أَنْ سَيَكُونُ بَدْرًا كَامِلَا (3)
(1) لم أجد هذا البيت في أي من كتب اللغة والأدب والنحو التي أمكنني مراجعتها، ولكن وجدت في ترجمة أعشى بني ربيعة عبد الله بن خارجة عند أبي الفرج الأصفهاني بيتين قالهما هذا الشاعر في مدح عبد الملك بن مروان، أولهما قوله:
رَأَيْتُكَ أَمْسِ خَيْرَ بَنِي مَعَدٍّ
…
وَأَنْتَ اليَوْمَ خَيْرٌ مِنْكَ أَمْسِ
فلعل هذا البيت عرض له قلب وتصحيف فعمي أمره على محقق مقدمة خلف الأحمر، والله أعلم. انظر الأغاني، ج 6/ 18، ص 635 (نشرة الحسين). وقد ذكره أيضًا: الآمدي، أبو القاسم الحسن ابن بشر: المؤتلف والمختلف، تحقيق ف. كرونكو (بيروت: دار الجيل، ط 1، 1411/ 1991) ص 14. وهذا البيت نفسه يعزا إلى زياد الأعجم وهو الوحيد في قافية السين، ولم يخرجه جامع شعره. شعر زياد الأعجم، جمع يوسف حسين بكار (بيروت: دار المسيرة، ط 1، 1403/ 1983)، ص 78.
(2)
البيت هو الثامن والعشرون من المعلقة حسب ترتيب الزوزني ومحقق ديوان الشاعر. الزوزني، أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن الحسين: شرح المعلقات العشر (بيروت: منشورات دار مكتبة الحياة، 1983)، ص 270؛ ديوان الحارث بن حلزة اليشكري، صنعة مروان عطية (دمشق: دار الإمام النووي ودار الهجرة، ط 1، 1415/ 1994)، ص 83 (وفيهما:"الثناء" عوض "القضاء").
(3)
ديوان أبي تمام، ص 389. والبيت هو الرابع عشر من قصيدة يرثي فيها أبو تمام ابنين لعبد الله بن طاهر ماتا صغيرين.
ولعل قائلَ هذا الشاهد أخذه من ست زياد الأعجم الذي ذكره الأستاذ الناشر أو العكس، أو هو من توارد الخواطر، أو هو لزياد الأعجم من قصيدةٍ غير التي منها البيت الذي على قافية السين (1). وتشابهُ الأبيات في الشعر غير عزيز.
الشاهد الثالث: في ص 93: "وقال الشاعر:
إِذَا هَتَفَتْ حَمَامَتُهُمْ بِشَجْوٍ
…
جَرَى الدَّمَيَانَ وَاسْوَدَّ البِطَالَا"
وهذا البيت لا نعرفه، ولا نعرف قائلَه. والإهتاف الصوت، ويطلقونه كثيرًا على صوت الحمام، قال نصيب:
لَقَدْ هَتَفَتْ فِي جُنْحِ لَيْلٍ حَمَامَةٌ
…
عَلَى فَنَنٍ وَهْنًا وَإِنِّي لَنَائِمُ (2)
والشَّجْوُ يقال على الحزن وعلى الطرب، والعربُ يجعلون صوتَ الحمام مرةً غناءً ومرة نواحًا، قال أبو العلاء:
أَبَكَتْ تِلْكُمُ الحَمامَةُ أَمْ غَنَّـ
…
ـتْ عَلَى فَرْعِ غُصْنِهَا المَيَّادِ (3)
وقال النابغة:
دُعَاءَ حَمَامَةٍ تَدْعُو هَدِيلًا
…
مُطَوَّقَةً عَلَى فَنَنٍ تُغَنِّي (4)
(1) سبقت الإشارة إليه.
(2)
شعر نُصيب بن رباح، جمع داود سلوم (بغداد: مكتبة الإرشاد، 1967)، ص 124.
(3)
البيت هو الثالث من قصيدة في أربعة وستين بيتًا من بحر الخفيف يصور فيها أبو العلاء تأملاته في شؤون الحياة ومصائر الأحياء، ومطلعها:
غَيْرُ مُجْدٍ فِي مِلَّتِي وَاعْتِقَادِي
…
نَوْحُ بَاكٍ أَوْ تَرَنمُّ شَادِي
المعري: سقط الزند، ص 196.
(4)
ديوان النابغة الذبياني، ص 251 (نشرة ابن عاشور)، وص 125 (نشرة إبراهيم). وفيه:"بكاء" عوض "دعاء"، و"مفجَّعَة" بدل "مطوقة".
وقال أبو فراس:
أَقُولُ، وَقَدْ نَاحَتْ بِقُرْبِى حَمَامَةٌ،
…
أَيَا جَارَتَا هَلْ تَشْعُرِينَ بِحَالِي (1)
ثم يحتمل البيت معنيين: أحدهما أن يريد بالحمامة الكنايةَ عن المرأة، كما كنوا عنها بالسرحة، والنخلة، والشاة. فالمعنى إذا تكلمت امرأة منهم بالحب، اقتتل الحيان - حي المرأة وحي حبيبها. قال امرؤ القيس:
تَجَاوَزْتُ أَحْرَاسًا إِلَيْهَا وَمَعْشَرًا
…
عَلَيَّ حِراصًا يُسِرُّونَ مَقْتَلِي (2)
الاحتمال الثاني: أن تكون الحمامةُ حقيقة، والمعنى إذا هتف حمام الحي، أي أصبح الصباح حين تلغو الطيرُ بأصواتها. فيكون الكلام كنايةً عن ترقب حصول غارة بين حيين؛ لأنهم كانوا يغيرون عند الصباح. ولذلك كانت كلمة الإنذار بالعدوان أن يصرخ نذيرُ القوم قائلًا "يا صباحاه"، وعليه قوله تعالى:{فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177)} [الصافات: 177]، وقال عمرو بن كلثوم في تعجيل الغارة قبيل الصباح:
قَرَيْنَاكُمْ فَعَجَّلْنَا قِرَاكُمْ
…
قُبَيْلَ الصُّبْحِ مِرْدَاةً طَحُونَا (3)
والدَّمَيان دماء القبيلتين على كلا الاحتمالين.
(1) ديوان أبي فراس، ص 282. وفيه:"هل بات حالُك حالي".
(2)
البيت هو الرابع والعشرون من المعلقة، وهذه الرواية هي ما أورده الزوزني. وهناك رواية أخرى للبيت أثبتها محقق الديوان، وهي:
تَجَاوَزْتُ أَحْرَاسًا وَأَهْوَالَ مَعْشَرٍ
…
عَلَيَّ حِراصٍ لَوْ يُسِرُّونَ مَقْتَلِي
الزوزني: شرح المعلقات العشر، ص 45؛ ديوان امرئ القيس، ص 13. ومعنى "يشرون" يُظهرون.
(3)
ديوان عمرو بن كلثوم، تحقيق إميل بديع يعقوب (بيروت: دار الكتاب العربي، ط 2، 1416/ 1996)، ص 73. والبيت هو الثامن والثلاثون من المعلقة.
ومعنى اسودّ أنه أسود من قتام القتال الذي تثيره سنابك الخيل وأرجل الناس، فهو لكثرته يصير به الجوُّ قريبًا من الأسود، فعبر عنه بالسواد تشبيها بليغًا، قال بشار:
كَأَنَّ مُثَارَ النَّقْعِ فَوْقَ رُؤُوسِنَا
…
وَأَسْيَافِنَا لَيْلٌ تَهَاوَى كَوَاكِبُهْ (1)
"والبطال": قال المؤلف إنه اسم موضع، وقال الأستاذ التنوخي إنه لم يجده ووجد البطان؛ أي بنون في آخره. قلت: فلعل الذي باللام لغةٌ في الذي بالنون؛ لأن النونَ واللام قد يتبادلان، كما ذكر أبو علي القالي في أماليه (2). فمن ذلك إسرائين وإسماعين وجبرين وسجين في قول. إلا أن الذين ذكروا البطان من أهل اللغة لم يذكروا أنه مبني.
وهذا أشكلُ مسألةٍ في هذه المقدمة وأغربُها، فإذا اطمأننا أن هذه المقدمة لخلف الأحمر، كان حقًّا أن نضم هذا إلى المعجم الكبير الذي يعده المجمع اللغوي بالقاهرة، وأن نزيده في النحو أمثلة المبنيات على الفتح مثل أينَ، وأحدَ عشر، وبعلبكَّ.
وأما البيت الذي نقله الأستاذ المعلق في ورقة "استدراك وتصويب" في آخر هذه المقدمة عن كتاب الإبدال لأبي الطيب وهو:
إِذَا نَاحَتْ حَمَامَةُ آلِ بَدْرٍ
…
جَرَى الدَّمَوَانِ وَابْتَلَّتْ نِعَالُ (3)
(1) ديوان بشار برد، ج 1/ 1، ص 335.
(2)
القالي: كتاب الأمالي، ج 2، ص 435 - 436. وقد قرر أبو علي ذلك في قوله:"وأما حروف الإبدال فيجمعها قولنا: "طال يوم أنجدته، وهذا أنا عملته".
(3)
الحلبي، أبو الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي: كتاب الإبدال، تحقيق عز الدين التنوخي (دمشق: مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 1380/ 1961)، ج 2، ص 503 (بدون نسبة، وفيه: "الدَّمَيَان" عوض "الدموان").
فإن كان بيتًا من شعرٍ آخر، فذلك من تقارب البيتين. وإن كان روايةً في البيت الذي رواه المؤلف، فهو عرِيٌّ عن الشاهد في هذه الرواية. وأيًّا ما كان، فلا ينطبق على مسألة هذه المقدمة.
الشاهد الرابع: قوله في ص 98: "قال الشاعر: كم ليلة بتُّ فيها مغتبطًا"، لا يُعرف قائلُه (1). وهو من بحر المنسرح، دخله زحاف الطي مرتين؛ وهو حذف الساكن الثاني في كلمة "بتُّ" وكلمة "مغتبطًا"، ودخلته علةُ التسبيغ وهو زيادة ساكن في جزء مفعولات فصار مفعولاتن. ولعل كلمة "فيها" محرفة عن "بها"، فيصير المصراع رجزًا من الزحاف ومن العلة (2).
(1) ذكر التنوخي من حفظه إصلاحًا لهذا الجزء من البيت هكذا: "كَمْ لَيْلَةٍ بِتُّ [اللَّيلَ] فِيهَا مُغْتَبِطًا"، ولم يكمله، ولا عزاه. ومع طول البحث والتنقيب لم أجده، وإنما وجدتَ البيت الآتي ولم أعثر له على نسبة:
إِذَا تَمَنَّيْتُ بِتُّ اللَّيْلَ مُغْتَبِطًا
…
إِنَّ المُنَى رَأْسُ أَمْوَالِ المَفَالِيسِ
الماوردي: أدب الدنيا والدين، ص 379؛ اليوسي، الحسن: زهر الأكم في الأمثال والحكم، تحقيق محمد حجي ومحمد الأخضر (الدار البيضاء: دار الثقافة، ط 1، 1401/ 1981)، ج 3، ص 192.
(2)
هذا وللأستاذ عز الدين التنوخي تعقيب على ما كتبه المصنف في هذه النظرة، وقد نشر بعنوان "نظرة على هذه النظرة" في الجزء الثاني من المجلد 39 للمجلة نفسها، فراجعه هناك لترى فيه ضروبًا من آداب المناظرة وأخلاق العلماء ودقة المحققين. وقد جاء في مقدمة التعقيب المذكور ما يلي:"بدأ الأستاذ النحرير نظرته بالثناء على ناشر هذه المقدمة ثناءً يدل على ما جُبل عليه من فضل ونبل، وأشهد أن بحث الأستاذ لجليل، وأني ما رأيت من أمثاله في المشرق والمغرب إلا القليل، وقد مضى على نشري لهذه المقدمة النحوية نحو سنتين لم أسمع فيهما عنها إلا الثناء، ولم أر من اهتمّ بها وشاركني في تقويم نصوصها إلا الناقد الجهبذ ابن عاشور، ولولا اهتمامه هذا لما وجدت بَرْد السرور وثلج الصدور، ولكان طويلًا لخلوّ أبناء عصرنا من العرب ممن يهتم من تراث السلف بأمثال هذه المقدمة الخطيرة". وكانت خاتمته قول التنوخي: "ومع كل ذلك فإني لا أملك إلا أن أدعو الله بأن يجزي الأستاذ العلامة محمد الطاهر ابن عاشور عالم المغرب أحسن ما يجزي به الغُيُر على العلم والأدب ولغة قومهم العرب بمنه وكرمه".