المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الأول: الوحدة الدينية والعرب: - جمهرة مقالات ورسائل الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور - جـ ٤

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌بشار بن برد: حياته وشعره

- ‌مقدمة:

- ‌نسب بشار:

- ‌اسمه وكنيته ولقبه:

- ‌أهل بشار:

- ‌مولده ونشأته ووفاته:

- ‌صفته:

- ‌عمى بشار:

- ‌لباسه:

- ‌خلق بشار:

- ‌بداهة جوابه وملحه:

- ‌مجلس بشار:

- ‌اعتقاد بشار:

- ‌سبب وفاته:

- ‌مكانته لدى الخلفاء والأمراء:

- ‌غرامه وهل هو حقيقة أو تصنع

- ‌سعة علمه بالعربية وتفننه:

- ‌البصرة وقبائل العرب حولها:

- ‌مرتبته من العلم:

- ‌شعر بشار

- ‌نظم شعره:

- ‌نسيب بشار:

- ‌هجاء بشار:

- ‌رجز بشار:

- ‌أقدم شعر بشار:

- ‌رواة بشار وكاتبو شعره:

- ‌توسع بشار في اللغة وقياسه فيها:

- ‌توسعه في العروض وفي الضرورة:

- ‌مكانة شعر بشار من حفظ فصيح اللغة ومستعملها:

- ‌مكان شعر بشار من حفظ التاريخ في الجاهلية والإسلام:

- ‌شهادة الأئمة لبشر بجزالة الشعر وسلامة الذوق:

- ‌اهتمام أهل الصناعة بشعر بشار:

- ‌من نقد بشارا ومن أجاب عنه:

- ‌نقده للشعر والشعراء:

- ‌مكانة بشار من النثر:

- ‌علاقة بشار بإفريقية:

- ‌أعلام شعر بشار:

- ‌ديوان بشار:

- ‌النسخة المستخرجة من هذا الجزء من الديوان:

- ‌[خاتمة: منهج المصنف في تحقيق الديوان]:

- ‌قراطيس من نقد الشعر

- ‌القرطاس الأول:

- ‌القرطاس الثاني:

- ‌القرطاس الثالث:

- ‌القرطاس الرابع:

- ‌طريقة من شعر العرب في توجيه الخطاب إلى المرأة

- ‌السند التونسي في علم متن اللغة

- ‌ابن سيده:

- ‌اتصال السند الأندلسي بتونس:

- ‌المحْوَر الخامِسمُرَاجَعَات وَمُتَابَعَات وَمُتفَرَّقات

- ‌الفَرْع الأَوّلمُرَاجَعَات

- ‌نقد علمي لكتاب "الإسلام وأصول الحكم

- ‌[تقديم]

- ‌الكتاب الأول: الخلافة والإسلام

- ‌الباب الأول: الخلافة وطبيعتها:

- ‌الباب الثاني: في حكم الخلافة:

- ‌الباب الثالث: في الخلافة من الوجهة الاجتماعية:

- ‌الكتاب الثاني: الحكومة والإسلام

- ‌الباب الثاني: الرسالة والحكم:

- ‌الباب الثالث: رسالة لا حكم، دين لا دولة:

- ‌الكتاب الثالث: الخلافة والحكومة في التاريخ

- ‌الباب الأول: الوحدة الدينية والعرب:

- ‌الباب الثاني: الدولة العربية:

- ‌الباب الثالث: الخلافة الإسلامية:

- ‌[خاتمة]

- ‌نظرة في الكتاب المعنون "‌‌مقدمةفي النحو" المنسوب إلى الإمام خلَف الأحمر

- ‌مقدمة

- ‌مؤلف هذه المقدمة:

- ‌هل يعد خلف الأحمر من أئمة النحو؟ وهل يعد من نحاة المذهب البصري أو من نحاة المذهب الكوفي

- ‌وصف هذه المقدمة:

- ‌إيضاح ما يحتاج إليه في المقدمة:

- ‌تفسير الشواهد الشعرية الواردة في هذه المقدمة وهي غير معروفة في شواهد النحو

- ‌نظرة في كتاب "الجامع الكبير" لابن الأثير

- ‌مقارنة وتحليل بين كتاب "المثل السائر" وكتاب "الجامع الكبير

- ‌تُحفةُ المجد الصريح في شرح كتاب الفصيح

- ‌[مقدمة]

- ‌[نسب اللبلي وطرف من حياته ورحلته وأسماء أساتذته وتلاميذه]

- ‌مؤلفاته

- ‌صفة كتاب تحفة المجد الصريح

- ‌كتاب الفصيح وما عليه من الشروح

- ‌هل توجد نسخة أخرى من كتاب تحفة المجد الصريح

- ‌تكملة وتقفية للتعريف بكتاب "تحفة المجد الصريح" وصاحبه وأصله

- ‌تصحيح أخطاء وتحاريف في طبعة جمهرة الأنساب لابن حزم

- ‌الفَرْعُ الثَّانِيمُتَابعَات

- ‌أخطاء الكتاب في العربية: رد على نقد

- ‌تحقيق ترجمة عالم كبير وإصلاح وهْم في تسميته

- ‌نظرات على ترجمة السكاكي

- ‌نسبه:

- ‌اهتمام العلماء بكتاب المفتاح

- ‌نشأة السكاكي الجثمانية والعلمية:

- ‌نحلته ومذهبه

- ‌العصر الذي ألف فيه "المفتاح

- ‌تذييل لترجمة سعد الدين التفتازاني

- ‌الفَرْعُ الثَّالِثمُقَدِّمات كُتُب

- ‌النابغة الذبياني وشعره

- ‌نسبه:

- ‌مكانته في الشعر

- ‌ما عيب به شعره:

- ‌تحكيمه بين الشعراء:

- ‌اتصاله بالنعمان بن المنذر:

- ‌لحاق النابغة بملوك غسان بعد هربه من النعمان بن المنذر:

- ‌انقطاع أخريين النابغة والنعمان، ورجوعه إلى النعمان لما بلغه مرضه:

- ‌شرف النابغة ورفاهية عيشه

- ‌دين النابغة:

- ‌من لقب بالنابغة من الشعراء بعد النابغة الذبياني:

- ‌تنبيه لتكملة ديوان النابغة:

- ‌الواضح في مشكلات شعر المتنبي

- ‌الغرض من هذا الكتاب

- ‌طريقة هذا الكتاب:

- ‌ترتيب الأبيات التي فسرها في هذا الكتاب:

- ‌ترجمة مؤلف كتاب الواضح:

- ‌اسم الكتاب:

- ‌نسخة الكتاب:

- ‌سرقات المتنبي ومشكل معانيه

- ‌من هو ابن بسام صاحب الذخيرة

- ‌غرض هذا الكتاب وطريقته

- ‌مؤلف هذا الكتاب

- ‌صفة نسخة كتاب "سرقات المتنبي ومشكل معانيه" لابن بسام النحوي:

- ‌الفتح ابن خاقان وكتابه "قلائد العقيان

- ‌ترجمة مؤلف "قلائد العقيان

- ‌مشيخته:

- ‌مكانته من الإنشاء والشعر:

- ‌تآليفه:

- ‌أخلاقه وحاله:

- ‌كتاب "قلائد العقيان

- ‌اسم الكتاب:

- ‌حالةُ نسخ كتاب القلائد مخطوطها ومطبوعها:

- ‌النسخ التي أجريت المقابلة بها:

- ‌المطبوعات من "قلائد العقيان

- ‌الفَرْعُ الرَّابعُخُطَب وَرَسَائِل

- ‌خطاب ابن عاشور عند عودته لمشيخة جامع الزيتونة وفروعه عام 1364/ 1945

- ‌خطاب في حفل اختتام السنة الدراسية بجامع الزيتونة

- ‌فضيلة العلم وحظ الأمة التونسية منه:

- ‌النصح للزيتونة هو النصح لمتعلميها:

- ‌كيف كانت العلوم بالزيتونة وكيف يجب أن تكون

- ‌ضبط البرامج:

- ‌عناية ملوك تونس بالعلم:

- ‌شكر الأمة التونسية

- ‌شكر الطلبة الزيتونيين:

- ‌العناية بالفروع الزيتونية:

- ‌العناية بالتعليم الابتدائي:

- ‌دعوة أبوية لشيوخ التدريس:

- ‌النتيجة بعد اطراد العناية:

- ‌الحمد لله .. لنحمد الله

- ‌خطاب في احتفال جمعية الزيتونيين

- ‌خطاب بالفرع الزيتوني بصفاقس

- ‌خطاب في حفل الفرع الزيتوني بسوسة

- ‌خطاب في جامع عقبة خلال زيارة الفرع الزيتوني بالقيروان

- ‌خطاب في الاحتفال السنوي لمكتبة التلميذ الزيتوني

- ‌خطاب في الجلسة العامة للجنة الحي الزيتوني

- ‌خطاب في الذكرى السنوية الأولى لعودته إلى مشيخة الزيتونة

- ‌خطاب في موسم ختم السنة الدراسية

- ‌حوار حول إصلاح التعليم الزيتوني

- ‌[من تقديم محرر المجلة]:

- ‌الرسالة الأولى

- ‌الرسالة الثانية

- ‌الرسالة الثالثة

- ‌الرسالة الرابعة

- ‌الرسالة الخامسة

- ‌ملحق

- ‌رسالتان إلى الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌الرسالة الأولى

- ‌الرسالة الثانية

- ‌رسالة إلى مجمع اللغة العربية بالقاهرة بمناسبة تأبين الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور

- ‌قصيدة في مدح الشيخ محمد النخلي

- ‌دعوة إلى الشيخ محمد الخضر حسين:

- ‌مصادر التحقيق ومراجعه

- ‌أعمال المصنف:

- ‌أ) التأليف:

- ‌ب) التحقيق:

- ‌التفسير والدراسات القرآنية:

- ‌الحديث والسنة:

- ‌علم الكلام والفلسفة:

- ‌الفقه وأصول الفقه:

- ‌اللغة والأدب:

- ‌التاريخ والسير والتراجم والطبقات:

- ‌موسوعات ومعاجم وقواميس:

- ‌المجلات والدوريات:

- ‌خطب ورسائل:

- ‌مراجع متنوعة:

الفصل: ‌الباب الأول: الوحدة الدينية والعرب:

‌الكتاب الثالث: الخلافة والحكومة في التاريخ

‌الباب الأول: الوحدة الدينية والعرب:

قدم مقدمة في أن الإسلام دعوة لخير البشر كله، ورابطة لهم في أقطار الأرض، وأن الله اختار ظهورَه بين العرب لحكمة، وأن أول من اجتمع حوله هم العرب على تخالف شعوبهم. وهي مقدمة صحيحة مسلمة، إلا أنه استنتج منها ما لا يلاقيها فقال في صحائف 83 إلى صحيفة 89:"إن هاته الوحدة العربية لم تكن سياسية، ولا كان فيها معنى من معاني الدولة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغير شيئًا من أساليب الحكم عندهم ولا مما كان لكل قبيلة من نظام إداري وقضائي، ولا عزل واليًا ولا عين قاضيًا، بل ترك لهم كلَّ الشؤون وقال: "أنتم أعلم بها"، وإن ما اشتملت عليه الشريعةُ من أنظمة العقوبات والجيش والبيع والرهن ليس في الحقيقة من أساليب الحكم السياسي ولا من أنظمة الدولة، وهو إذا جمعته لم يبلغ جزءًا يسيرًا من لوازم دولة، وإنما هو شرع ديني خالص لله ولمصلحة البشر، وإن العرب مع دخولهم تحت جامعة الإسلام بقوا دولًا شتى بحسب ما اقتضته حياتُهم بخضوع العرب للنبي خضوعَ عقيدة لا خضوع حكومة. فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم أوشكت أن تنقض تلك الوحدة العربية وارتد أكثر العرب إلا أهل المدينة ومكة والطائف. وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يشير إلى شيء يسميه دولة ومن غير أن يسمي أحدًا يخلفه".

وأقول ليس الحق ما ذكره، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقام للناس أمر دنياهم، إذ المقصود من الدين صلاحُ العاجل والآجل، ولا يتم صلاحُ العاجل إلا بإقامة مَنْ يحمل الناسَ على الصلاح بالرغبة والرهبة. وقد نص القرآن على ولاية الأمر فقال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].

ص: 1786

ولا جَرَم أن دين الإسلام قد شرعه الله شرعًا تدريجيًّا، فابتدأ يدعو الناسَ لأصول الصلاح بتطهير النفس، وذلك بإعلان التوحيد وآداب النفس من العبادات والأمر بالعدل. فلما تهيأت النفوسُ لقبول الشريعة، أخذ التشريعُ ينمو حتى بلغ أوسعَ تفاريعه، فكان في هذا التدرج حكمةٌ إلهية:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [الفرقان: 32].

وإذا علمنا أن الإسلام شرع أوجب على الناس التعامل بأحكامه فغير عوائدَهم، وقمع المعاندين من رؤسائهم، وتركهم مسلوبي السلطة، وعوضهم برؤساء وأمراء وقضاة من متابعيه، وهذا مما لا يرتاب فيه مَنْ له اطلاعٌ على الحديث والسيرة والتاريخ، فقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم أمراءه إلى الجهات التي أسلم أهلها من بلاد العرب، وقرر من قرر من أقيال (1) اليمن على ما بأيديهم حين أسلموا، على أنهم قائمون مقام أمرائه كما فعل مع وائل بن حجر قَيْل حضرموت وجعله رئيس أقيال بلاد اليمن.

وقد قدمنا فيما تقدم من المباحث أن مظاهر الدولة كلها متوفرةٌ في نظام الشريعة الإسلامية، وأعظمُها الحرب والصلح والعهد والأسر وبيت المال والإمارة والقضاء، وسن القوانين والعقوبات إلى أقصاها وهو الإعدام، بحيث لم يغادر شيئًا مما يلزم لإقامة نظام أمة بحسب العصر والقوم، وما ترك من التفاصيل التي لم يدع إليها داعٍ يومئذ إلا وقد أسَّس له أصولًا يمكن استخراجُ تفاصيله منها، كما هو معلوم من علم أصول الفقه، وهو معنى قوله تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، على ما بينه الشاطبي في الموافقات (2).

(1) أقيال، جمع قَيْل، لقب كان يُطلق على الملك من ملوك حمير، ويُجمع كذلك على قُيول.

(2)

قال في أول كتاب الأدلة: "لما انبنت الشريعة على قصد المحافظة على المراتب الثلاث من الضروريات والحاجيات والتحسينيات، وكانت هذه الوجوه مبثوثةً في أبواب الشريعة وأدلتها، =

ص: 1787

علمنا بلا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أسس بيده أصولَ الدولة الإسلامية، وأعلن ذلك بنص القرآن وقد قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [المائدة: 48 - 50].

وكيف يستقيم أن يكون الإسلام شريعةً ثم لا تكون له حكومةٌ تنفذ تلك الشريعةَ وتحمل الراعيَ والرعيةَ على العمل بها؟

فإنه لو وكّل الأمرُ لاختيار الناس لأوشك أن لا يعمل به أحد، وليست الدولةُ إلا سلطانًا تحيا به الشريعة، كما قال أرسطو (1).

= غير مختصة بمحل دون محل، ولا بباب دون باب، ولا بقاعدة دون قاعدة، كان النظر الشرعي فيها أيضًا عامًّا لا يختص بجزئية دون أخرى؛ لأنها كلياتٌ تقضي على كل جزئي تحتها، وسواء علينا أكان جزئيًّا إضافيًّا أم حقيقيًّا؛ إذ ليس فوق هذه الكليات كلِّيٌّ تنتهي إليه، بل هي أصولُ الشريعة، وقد تمت، فلا يصح أن يُفقد بعضُها حتى يُفتقر إلى إثباتها بقياس أو غيره، فهي الكافيةُ في مصالح الخلق عمومًا وخصوصًا؛ لأن الله تعالى قال:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وقال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] ". الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى: الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق عبد الله دراز (بيروت: دار المعرفة، 1416/ 1996)، ج 2، ص 5 - 7.

(1)

أورد ذلك ابنُ خلدون نقلًا عن كتاب "السياسة" المنسوب لأرسطو حيث قال: "العالم بستانٌ سياجُه الدولة، والدولة سلطانٌ تحيا به السنة، السنة سياسة يسوسها الملك، الملك نظام يعضده الجند، الجند أعوان يكفلهم المال، المال رزق تجمعه الرعية، الرعية عبيد يكنفهم العدل، العدل مالوف وبه قوام العالم، العالم بستان". مقدمة ابن خلدون، ص 44.

ص: 1788

لأجل هذا كله لم يتردد أهلُ الحل والعقد في مصر الإسلام - وهو المدينة عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في وجوب المبادرة بإقامة الخليفة عن النبي في تدبير أمر الأمة، مع القطع بأنه لا يخلفه في غير ذلك من التشريع وتبليغ الرسالة. وهذا الخليفة وإن جارينا صاحب الكتاب في أنه لم يعينه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانت تسميتُه بإجماع أهل العلم والدين من أصحاب النبي المهاجرين والأنصار، وذلك الإجماع حجةٌ أعظم من خبر أو خبرين. على أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بإقامة الخليفة من بعده، فقد ورد في صحيح البخاري وغيره عن جبير بن مطعم أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها بأمر فقالت:"أرأيت يا رسولَ الله إن لم أجدك؟ كأنها تعني الموت، فقال لها: إن لم تجديني فائْتِي أبا بكر". (1) وروي في حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يأبى الله والمسلمون غير أبي بكر". (2)

(1) أخرج البخاري عن جبير بن مطعم أنه أخبر ابنه محمد "أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته في شيء، فأمرها بأمر، فقالت: أرأيت يا رسولَ الله إن لم أجدك؟ قال: "إن لم تجديني فائتي أبا بكر"". قال البخاري: "زاد الحميدي، عن إبراهيم بن سعد: كأنها تعني الموت". صحيح البخاري، "كتاب الاعتصام بالكتاب والسنَّة"، الحديث 7360، ص 1266. وانظر كذلك "كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث 3659، ص 614؛ "كتاب الأحكام"، الحديث 7220، ص 1243 - 1244؛ سنن الترمذي، "أبواب المنَاقِب عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم"، الحديث 3685، ص 838. قال الترمذي: "هذا حديث غريب صحيح من هذا الوجه".

(2)

أخرج الحاكم النيسابوري: "أخبرني أحمد بن عبد الله المزني بنيسابور، ومحمد بن العدل، حدثنا إبراهيم بن شريك الأسدي بالكوفة، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا أبو شهاب، عن عمرو بن قيس، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائتني بدواة وكتف أكتب لكم كتابًا لن تضلوا بعده أبدا"، ثم ولانا قفاه، ثم أقبل علينا، فقال:"يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر"". المستدرك على الصحيحين، "كتاب معرفة الصحابة رضي الله تعالى عنهم"، الحديث 6087، ج 3، ص 584. وانظر كذلك: سنن أبي دَاود، "كتاب السنة"، الحديث 4660، ص 734.

ص: 1789