الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخطاء الكتاب في العربية: رد على نقد
(1)
قرأت في جريدة "البصائر" التي تصدر في قسنطينة في صفحة 6 من عدد 84 مقالًا للشيخ أبي يعلى الزواوي (2) عنوانه "إصلاح اللسان"، قصد منه التنبيه على أغلاط لغوية تقع في استعمال بعض الكتاب من أهل العصر.
(1) المجلة الزيتونية، المجلد 2، الجزء 3، شوال 1356/ ديسمبر 1937 (ص 134 - 136).
(2)
هو السعيد بن محمد الشريف بن العربي من قبيلة آيت سيدي محمد الحاج الساكنة في إغيل زكري من ناحية عزازقة بمنطقة القبائل الكبرى أو زواوة، وينسب إلى الأشراف الأدارسة، ولد حوالي عام 1279/ 1862. درس أولًا في قريته فحفظ القرآن الكريم وأتقنه رسمًا وتجويدًا وهو في الثانية عشرة من عمره، والتحق بزاوية الأيلولي ومنها تخرج. من أبرز شيوخه الذين استفاد منهم والده محمد الشريف والحاج أحمد أجذيذ والشيخ محمد السعيد بن زكري - مفتي الجزائر - والشيخ محمد بن بلقاسم البوجليلي. وقد أكثر الشيخ أبو علي الزواوي من التنقل والترحال قبل أن يستقر في الجزائر العاصمة سنة 1920 م. فقد ارتحل إلى تونس وكان بها سنة 1893 م، ثم رحل إلى مصر والشام وفرنسا، وذلك قبل سنة 1901 م. وفي سنة 1912 م كان في دمشق يعمل في القنصلية الفرنسية، وقد عمل بها حتى سنة 1915 م، وفي مدة إقامته هناك نَمَّى معارفه بالأخذ عن علماء الشام وبالعلاقات التي أقامها مع الكتاب والأدباء وعلى رأسهم أمير البيان شكيب أرسلان. ومع بداية الحرب العالمية الأولى اضطُر للخروج من دمشق لاجئًا إلى مصر، لأنه كان معروفًا بمعاداته للحكومة التركية، ومناصرته لأصحاب القضية العربية كما سميت في ذلك العصر، وفي مصر استزاد من العلم بلقاء أهل العلم وأعلام النهضة فيها، وممن جالس وصحب هناك الشيخ محمد الخضر حسين والشيخ طاهر الجزائري ومحمد رشيد رضا. رجع إلى الجزائر سنة 1920 م بعد انتهاء الحرب، فقضي مدة في زواوة، ثم سكن الجزائر العاصمة وتولى إمامة جامع سيدي رمضان بالقصبة بصفة رسمية، ومع كونه من الأئمة الذين رضوا بالوظيفة عند الإدارة الفرنسية فقد تبنى فكر الحركة الإصلاحية السلفية بقوة وحماس كبيرين، وعاش محاربًا لمظاهر الشرك والبدع =
وهذا موضوع مهم، كان المتقدمون من الأدباء وضعوا له عنوان "لحن الخواص"، وكان الخائضون فيه قديمًا من نقاد الشعر ومن النحاة. وقد تضمن كثيرًا منه كتابُ "الموشح" للمرزباني، وكتاب "أدب الكتاب" لابن قتيبة، وكتاب "درة الغواص" للحريري، وبعض مسائل من كتاب "مغني اللبيب" لابن هشام. وطالمَا كان محلُّ الجدال في نوادي المتأدبين مثل مجلس الصاحب ابن عباد والأستاذ ابن العميد (1). بل ربما نبعت به قرائحُ أهل النقد في المجامع العامة، مثلما وقع لابن شبرمة مع ذي الرمة في رحبة الكناسة بالكوفة حين أنشد ذو الرمة قوله:
إِذَا غَيَّرَ النَّأْيُ المُحِبِّينَ لَمْ يَكَدْ
…
رَسِيسُ الهَوَى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ (2)
فأنكر عليه قولَه: "لم يكد"، وقال له:"يا غيلان، أراه قد برح"، أبهته إبهاتًا ألجأه إلى أن غير قوله:"لم يكد" بأن قال: "لم أجد"(3).
= والخرافات وغيرها من أنواع المنكرات. وكانت له بعد ذلك رحلات في طلب العلم والدعوة إلى الله منها ما كان إلى بجاية والبليدة.
(1)
قال الذهبي: "الوزير الكبير أبو الفضل محمد بن الحسين بن محمد الكاتب، وزير الملك ركن الدولة الحسن بن بويه الديلمي. كان عجبًا في الترسل والإنشاء والبلاغة، يضرب به المثل، ويقال له: الجاحظ الثاني. وقيل: بدئت الكتابة بعبد الحميد، وختمت بابن العميد. وقد مدحه المتنبي فأجازه بثلاثة آلاف دينار. وكان مع سعة فنونه لا يدري ما الشرع، وكان متفلسفًا، متهمًا بمذهب الأوائل، وكان إذا تكلم فقيه بحضرته شق عليه ويسكت، ثم يأخذ في شيء آخر. وكان ابن عباد يصحبه ويلزمه، ومن ثم لقب بالصاحب. مات سنة ستين وثلاثمائة فوزر بعده ابنه أبو الفتح علي وعمره اثنتان وعشرون سنة، وكان ذكيًّا، غزير الأدب، تياها، ولقب ذا الكفايتين، وله نظم رائق، ثم عذب وقتل في ربيع الآخر سنة ست وستين وثلاثمائة، بعد أن سمل عضد الدولة عينه الواحدة، وقطع أنفه، وله نظم جيد". سير أعلام النبلاء، ج 16، ص 137 - 138. ولد ابن العميد سنة 300 هـ، وتوفي سنة 360 هـ.
(2)
ديوان ذي الرمة، ص 43. والبيت من قصيدة اسمها:"بكى زوج مي"، وهي من الطويل.
(3)
ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن: تاريخ مدينة دمشق، تحقيق محب الدين أبي سعيد عمر بن غرومة العمري (بيروت: دار الفكر، 1415/ 1995)، ج 48، ص 163.
وعُنِي به المتأخرون من الأدباء المصريين، فألف الشيخ إبراهيم اليازجي (1) كتابه المسمى "لغة الجرائد" في هذا الغرض، وعني الأستاذ العلامة محمد محمود الشنقيطي بالتنبيه على أغلاط لكتاب عصره. على أن الكلفين بهذا الموضوع لم يسلموا من التعجل في كثير مما خطّؤوا فيه، فقد أنكر معدان الفيل (2) على ابن شبرمة تخطئته ذا الرمة، وأنكر على ذي الرمة تغيير بيته، وقال إن أصله عربي صحيح (3). وانتقد الأئمة على الحريري بعضَ ما خطأ فيه الخاصة. وأنا أرى فيما خطأ فيه الشيخ إبراهيم اليازحي كتابَ الجرائد كثيرًا من المجازفة، فكذلك كان شأن الشيخ أبي يعلى الزواوي في حكمه في مقاله هذا.
فقد اشتمل ذلك المقالُ على ذكر أخطاء للكتاب في ثمانية ألفاظ هو محق في أربعة منها، ولطالب الوقوف على تفصيلها أن يطالع جريدة البصائر. ثم موارد انتقاد كلامه فيها:
(1) ولد الشيخ إبراهيم ناصيف اليازجي في بيروت عام 1847. وبدأ نشاطه العملي ومسيرته الأدبية قبل سن العشرين، فعلّم في المدرسة الوطنية للمعلم بطرس البستاني حيث كان يقوم مقام أبيه إذا تغيب، وكذلك درّس في المدرسة البطريركية. وفي 1893 غادر الشيخ إبراهيم بيروت إلى أوروبا التي عاد منها إلى مصر التي أنشأ فيها سنة 1897 مجلة "البيان" التي استمرت سنة واحدة. بعدها أنشأ مجلة "الضياء" التي صدر عددها الأول عام 1898 وظلت تصدر حتى وفاته بسرطان الكبد عام 1906، فنقل رفاته إلى بيروت حيث دفن إلى جانب والده في مقبرة الزيتونة. أما كتاب "لغة الجرائد" الذي ذكره المصنف فيضم سلسلة المقالات التي نشرها اليازجي في مجلته "الضياء"، منتقدًا فيها الأخطاء الشائعة في صحف زمانه، وقد أعادت إصداره دار مارون عبود ببيروت سنة 1984.
(2)
سبق للمصنف أن ترجم له في حاشية ببحث "قراطيس من نقد الشعر".
(3)
الجرجاني: دلائل الإعجاز، ص 274 - 275. هذا وقد أورد المصنف كلامَ عنبسة الفيل بتصرف، كما أن البيت الأول من قصيدة ذي الرمة الحائية التي أنشدها بالكناسة لم يذكره عنبسة حسب ما حكاه الجرجاني، وإنما ذكر الأبيات الثلاثة الآتية:
هِيَ البُرْءُ وَالأَسْقَامُ وَالهَمُّ والمُنَى
…
وَمَوْتُ الهَوَى فِي القَلْبِ مِنِّي المبرِّحُ
وَكَانَ الهَوَى بِالنَّأْيِ يُمْحَى فَيَمَّحِي
…
وحُبكِ عِنْدي يَسْتِجِدُّ وَيَربَحُ
إذا غَيَّرَ النَّأْيُ المُحِبِّينَ لَمْ يكَدْ
…
رَسِيسُ الهَوَى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ
أولها: إطلاقهم اسم السجادة على الزربية، فعده خطأ ومنكرًا، وتعجب من إهمالهم لفظ الزربية مع أنه الوارد في القرآن العظيم، وختم كلامه بأن جعل لفظ السجادة أعجميًّا فارسيًّا. وكلامه في الحكم على استعمالهم لفظ السجادة كله خطأ؛ فإن لفظ السجادة عربية فصيحة، وقد وردت في كتب اللغة المعتبرة، ففي اللسان:"والسجادة الخُمْرَةُ المسجودُ عليها"(1)، وفي الأساس:"وسمعت بعضَ العرب يضمون السين"(2).
وورود الزربية في القرآن لا يقتضي إلا أن يكون لفظُ الزربية أفصح، وذلك لا ينافي فصاحةَ لفظ السجادة. كما أن ورود لفظ السكين في القرآن في قوله تعالى:{وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} [يوسف: 31]، لا يمنع أن يكون لفظُ المدية عربيًّا فصيحًا. وقد ورد في الصحيح عن أبي هريرة أنه قال: ما سمعت السكين إلا من قوله تعالى: {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} وما كنا نقول إلا المدية (3). وأعجب ما في كلام أبي يعلى الزواوي حكمه على لفظ السجادة بأنه أعجمي، ذاهلًا عن اشتقاقها من السجود، وأن مجيئها بوزن اسم الفاعل مجازٌ عقلي، أي: المسجود عليها كقولهم عيشة راضية.
(1) ابن منظور: لسان العرب، "باب الدال - فصل السين المهملة"، ج 3، ص 205.
(2)
الزمخشري: أساس البلاغة، ج 1، ص 438.
(3)
قال البخاري: حدثنا أبو الزناد، عن عبد الرحمن حدثه: أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت: الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل، يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى". قال أبو هريرة: والله إن سمعت بالسكين إلا يومئذ، وما كنا نقول إلا المدية". صحيح البخاري، "كتاب أحاديث الأنبياء"، الحديث 3427، ص 576؛ صحيح مسلم، "كتاب الأقضية"، الحديث 1720، ص 682. واللفظ للبخاري.
ثانيًا: أن الكتاب يستعملون فعل أشعل في موضع أوقد، قال أبو يعلى: "وقد ورد في القرآن أشعل في قوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: 4] ، وليس ذلك بمعنى أوقد، ولم يرد في الشعر اشتعل بل ورد أوقد.
وهذا تضييقُ واسع من أبي يعلى؛ فإن فعل "أشعل" وما تصرف من مادته كله عربي فصيح، وقوله تعالى:{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: 4] استعارةٌ بديعة في تشبيه انتشار البياض في سواد شعر الرأس بالتهاب النار في الفحم، ولولا ذلك لما كان هذا اللفظُ في الآية واقعًا موقعَه البديع من البلاغة، كما بينه علماء البيان، قال في اللسان لما ذكر قوله تعالى:{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} : "وأصله من اشتعال النار". وكذلك إنكاره ورودَ الاشتعال بمعنى الوقود في شعر العرب قصور واضح، فقد قال لبيد في معلقته:
فَتَنَازَعَا سَبِطًا يَطِيرُ ظِلَالُهُ
…
كَدُخَانِ مُشْعَلَةٍ يُشَبُّ ضِرَامُهَا (1)
فالمشعلة هي النار وهو اسم مفعول من أشعل النار بمعنى أوقدها، وقد أشار إلى استعمالي الاشتعال في الحقيقة والمجاز قول أبي بكر بن دريد في مقصورته اللغوية:
وَاشْتَعَلَ المُبْيَضُّ فِي مُسْوَدِّهِ
…
مِثْلَ اشْتِعَالِ النَّارِ فِي جَزْلِ الغَضَا (2)
ثالثها: أنهم يستعملون لفظ الصدفة بمعنى الاتفاق، وقد التمس لهم عذرًا إذا كان بمعنى المصادفة؛ يعني إذا كان وزن الفعلة هنا جائيًا من صادف. وكلامه في هذا متجه من جهة القياس؛ لأن استعمالَ ما هو مشتقٌّ من الثلاثي في غير الثلاثي يتوقف على السماع، فالظاهر أن استعمال الصدفة توسع.
(1) القرشي: جمهرة أشعار العرب، ص 175 - 176. ديوان لبيد، ص 103.
(2)
وهو البيت الثالث من مقصورة ابن دريد المشتملة على أربعة وخمسين بيتًا ومائتين. انظرها كاملة في: ابن هشام اللخمي، محمد بن أحمد: الفوائد المحصورة في شرح المقصورة، تحقيق أحمد عبد الغفار عطار (بيروت: منشورات دار مكتبة الحياة، ط 1، 1400/ 1980)، ص 76 - 78.
وانتقاده على الألفاظ الرابع والخامس، وهي استعمالهم نوايا جمعًا لنية، واستعمالهم البؤساء جمعًا لبائس، واستعمالهم جملة "لحد الآن"، كلام متجه صحيح.
سابعها: أنهم يخطئون في نفي ماضي زال بلا النافية، والصوابُ أن يُنفَى بما النافية. قال: لأن فتئ وانفك وبرح وزال تُقرن بما نفيًا، وبلا دعاء، وبالهمزة استفهامًا، واستدل بقول الألفية:"فتئ وانفك وهذي الأربعة لشِبْهِ نفي أو لنفي متبعه" إلخ (1). وكلامه في هذا اللفظ مختلط وغير محرر؛ فأما حكمه بالخطأ في نفي ماضي زال بلا النافية فهو حكم صحيح، ولكنه لم يحرر تعليله إذ علله بأن زال وأخواته تقرن بلا نفيًا إلخ، وإنما ذلك يصلح تعليلًا لعمل زال وأخواته عمل كان وليس بيت الألفية مَسُوقًا إلا لبيان شرط إعمال زال وأخواته عمل كان.
وكان الحق أن يعلل ذلك بوجوب اتباع استعمال العرب؛ فإن العربَ لا يستعملون الماضي كله منفيًّا بلا النافية إذا لم يتكرر النفيُ إلا والمراد من النفي الدعاء، كقوله تعالى:{فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31)} [القيامة: 31]. وكذلك إذا تكرر النفي في المعنى كقوله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)} [البلد: 11] فإن الاقتحام الذي دل عليه الماضي المنفي بلا يشتمل على عدة أمور قد فسرها قوله تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 13 - 17]، فآل معنى قوله:{فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)} إلى معنى فلا فك رقبة ولا أطعم ولا آمن.
وفيما عدا ذلك لا يستعمل الماضي منفيًّا بلا إلا إذا كان المراد الدعاء دون الخبر، ولذلك كان تخصيص أبي يعلى حكمه بالأفعال الأربعة (زال وأخواته)
(1) ألفية ابن مالك، كان وأخواتها، البيت 145.
فَتِئَ وانْفَكَّ وهَذِي الأرْبَعَة
…
لِشِبْهِ نَفْيٍ أوْ لِنَفْيٍ مُتْبَعَةْ
إجحافًا بحكم الاستعمال، وبخاصة إذا كان خطأ الكتاب في هذا الباب واردًا في جميع الأفعال الماضية. وكلامه في انتقاد قولهم أفت مرادًا به للفت صحيح وجيه.
هذا ما عن لي في مراجعة الشيخ أبي يعلى لقصد تحرير كلامه، وأنا أقدر قدر عنايته بالعربية واهتمامه.