المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السند التونسي في علم متن اللغة - جمهرة مقالات ورسائل الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور - جـ ٤

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌بشار بن برد: حياته وشعره

- ‌مقدمة:

- ‌نسب بشار:

- ‌اسمه وكنيته ولقبه:

- ‌أهل بشار:

- ‌مولده ونشأته ووفاته:

- ‌صفته:

- ‌عمى بشار:

- ‌لباسه:

- ‌خلق بشار:

- ‌بداهة جوابه وملحه:

- ‌مجلس بشار:

- ‌اعتقاد بشار:

- ‌سبب وفاته:

- ‌مكانته لدى الخلفاء والأمراء:

- ‌غرامه وهل هو حقيقة أو تصنع

- ‌سعة علمه بالعربية وتفننه:

- ‌البصرة وقبائل العرب حولها:

- ‌مرتبته من العلم:

- ‌شعر بشار

- ‌نظم شعره:

- ‌نسيب بشار:

- ‌هجاء بشار:

- ‌رجز بشار:

- ‌أقدم شعر بشار:

- ‌رواة بشار وكاتبو شعره:

- ‌توسع بشار في اللغة وقياسه فيها:

- ‌توسعه في العروض وفي الضرورة:

- ‌مكانة شعر بشار من حفظ فصيح اللغة ومستعملها:

- ‌مكان شعر بشار من حفظ التاريخ في الجاهلية والإسلام:

- ‌شهادة الأئمة لبشر بجزالة الشعر وسلامة الذوق:

- ‌اهتمام أهل الصناعة بشعر بشار:

- ‌من نقد بشارا ومن أجاب عنه:

- ‌نقده للشعر والشعراء:

- ‌مكانة بشار من النثر:

- ‌علاقة بشار بإفريقية:

- ‌أعلام شعر بشار:

- ‌ديوان بشار:

- ‌النسخة المستخرجة من هذا الجزء من الديوان:

- ‌[خاتمة: منهج المصنف في تحقيق الديوان]:

- ‌قراطيس من نقد الشعر

- ‌القرطاس الأول:

- ‌القرطاس الثاني:

- ‌القرطاس الثالث:

- ‌القرطاس الرابع:

- ‌طريقة من شعر العرب في توجيه الخطاب إلى المرأة

- ‌السند التونسي في علم متن اللغة

- ‌ابن سيده:

- ‌اتصال السند الأندلسي بتونس:

- ‌المحْوَر الخامِسمُرَاجَعَات وَمُتَابَعَات وَمُتفَرَّقات

- ‌الفَرْع الأَوّلمُرَاجَعَات

- ‌نقد علمي لكتاب "الإسلام وأصول الحكم

- ‌[تقديم]

- ‌الكتاب الأول: الخلافة والإسلام

- ‌الباب الأول: الخلافة وطبيعتها:

- ‌الباب الثاني: في حكم الخلافة:

- ‌الباب الثالث: في الخلافة من الوجهة الاجتماعية:

- ‌الكتاب الثاني: الحكومة والإسلام

- ‌الباب الثاني: الرسالة والحكم:

- ‌الباب الثالث: رسالة لا حكم، دين لا دولة:

- ‌الكتاب الثالث: الخلافة والحكومة في التاريخ

- ‌الباب الأول: الوحدة الدينية والعرب:

- ‌الباب الثاني: الدولة العربية:

- ‌الباب الثالث: الخلافة الإسلامية:

- ‌[خاتمة]

- ‌نظرة في الكتاب المعنون "‌‌مقدمةفي النحو" المنسوب إلى الإمام خلَف الأحمر

- ‌مقدمة

- ‌مؤلف هذه المقدمة:

- ‌هل يعد خلف الأحمر من أئمة النحو؟ وهل يعد من نحاة المذهب البصري أو من نحاة المذهب الكوفي

- ‌وصف هذه المقدمة:

- ‌إيضاح ما يحتاج إليه في المقدمة:

- ‌تفسير الشواهد الشعرية الواردة في هذه المقدمة وهي غير معروفة في شواهد النحو

- ‌نظرة في كتاب "الجامع الكبير" لابن الأثير

- ‌مقارنة وتحليل بين كتاب "المثل السائر" وكتاب "الجامع الكبير

- ‌تُحفةُ المجد الصريح في شرح كتاب الفصيح

- ‌[مقدمة]

- ‌[نسب اللبلي وطرف من حياته ورحلته وأسماء أساتذته وتلاميذه]

- ‌مؤلفاته

- ‌صفة كتاب تحفة المجد الصريح

- ‌كتاب الفصيح وما عليه من الشروح

- ‌هل توجد نسخة أخرى من كتاب تحفة المجد الصريح

- ‌تكملة وتقفية للتعريف بكتاب "تحفة المجد الصريح" وصاحبه وأصله

- ‌تصحيح أخطاء وتحاريف في طبعة جمهرة الأنساب لابن حزم

- ‌الفَرْعُ الثَّانِيمُتَابعَات

- ‌أخطاء الكتاب في العربية: رد على نقد

- ‌تحقيق ترجمة عالم كبير وإصلاح وهْم في تسميته

- ‌نظرات على ترجمة السكاكي

- ‌نسبه:

- ‌اهتمام العلماء بكتاب المفتاح

- ‌نشأة السكاكي الجثمانية والعلمية:

- ‌نحلته ومذهبه

- ‌العصر الذي ألف فيه "المفتاح

- ‌تذييل لترجمة سعد الدين التفتازاني

- ‌الفَرْعُ الثَّالِثمُقَدِّمات كُتُب

- ‌النابغة الذبياني وشعره

- ‌نسبه:

- ‌مكانته في الشعر

- ‌ما عيب به شعره:

- ‌تحكيمه بين الشعراء:

- ‌اتصاله بالنعمان بن المنذر:

- ‌لحاق النابغة بملوك غسان بعد هربه من النعمان بن المنذر:

- ‌انقطاع أخريين النابغة والنعمان، ورجوعه إلى النعمان لما بلغه مرضه:

- ‌شرف النابغة ورفاهية عيشه

- ‌دين النابغة:

- ‌من لقب بالنابغة من الشعراء بعد النابغة الذبياني:

- ‌تنبيه لتكملة ديوان النابغة:

- ‌الواضح في مشكلات شعر المتنبي

- ‌الغرض من هذا الكتاب

- ‌طريقة هذا الكتاب:

- ‌ترتيب الأبيات التي فسرها في هذا الكتاب:

- ‌ترجمة مؤلف كتاب الواضح:

- ‌اسم الكتاب:

- ‌نسخة الكتاب:

- ‌سرقات المتنبي ومشكل معانيه

- ‌من هو ابن بسام صاحب الذخيرة

- ‌غرض هذا الكتاب وطريقته

- ‌مؤلف هذا الكتاب

- ‌صفة نسخة كتاب "سرقات المتنبي ومشكل معانيه" لابن بسام النحوي:

- ‌الفتح ابن خاقان وكتابه "قلائد العقيان

- ‌ترجمة مؤلف "قلائد العقيان

- ‌مشيخته:

- ‌مكانته من الإنشاء والشعر:

- ‌تآليفه:

- ‌أخلاقه وحاله:

- ‌كتاب "قلائد العقيان

- ‌اسم الكتاب:

- ‌حالةُ نسخ كتاب القلائد مخطوطها ومطبوعها:

- ‌النسخ التي أجريت المقابلة بها:

- ‌المطبوعات من "قلائد العقيان

- ‌الفَرْعُ الرَّابعُخُطَب وَرَسَائِل

- ‌خطاب ابن عاشور عند عودته لمشيخة جامع الزيتونة وفروعه عام 1364/ 1945

- ‌خطاب في حفل اختتام السنة الدراسية بجامع الزيتونة

- ‌فضيلة العلم وحظ الأمة التونسية منه:

- ‌النصح للزيتونة هو النصح لمتعلميها:

- ‌كيف كانت العلوم بالزيتونة وكيف يجب أن تكون

- ‌ضبط البرامج:

- ‌عناية ملوك تونس بالعلم:

- ‌شكر الأمة التونسية

- ‌شكر الطلبة الزيتونيين:

- ‌العناية بالفروع الزيتونية:

- ‌العناية بالتعليم الابتدائي:

- ‌دعوة أبوية لشيوخ التدريس:

- ‌النتيجة بعد اطراد العناية:

- ‌الحمد لله .. لنحمد الله

- ‌خطاب في احتفال جمعية الزيتونيين

- ‌خطاب بالفرع الزيتوني بصفاقس

- ‌خطاب في حفل الفرع الزيتوني بسوسة

- ‌خطاب في جامع عقبة خلال زيارة الفرع الزيتوني بالقيروان

- ‌خطاب في الاحتفال السنوي لمكتبة التلميذ الزيتوني

- ‌خطاب في الجلسة العامة للجنة الحي الزيتوني

- ‌خطاب في الذكرى السنوية الأولى لعودته إلى مشيخة الزيتونة

- ‌خطاب في موسم ختم السنة الدراسية

- ‌حوار حول إصلاح التعليم الزيتوني

- ‌[من تقديم محرر المجلة]:

- ‌الرسالة الأولى

- ‌الرسالة الثانية

- ‌الرسالة الثالثة

- ‌الرسالة الرابعة

- ‌الرسالة الخامسة

- ‌ملحق

- ‌رسالتان إلى الشيخ محمد الخضر حسين

- ‌الرسالة الأولى

- ‌الرسالة الثانية

- ‌رسالة إلى مجمع اللغة العربية بالقاهرة بمناسبة تأبين الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور

- ‌قصيدة في مدح الشيخ محمد النخلي

- ‌دعوة إلى الشيخ محمد الخضر حسين:

- ‌مصادر التحقيق ومراجعه

- ‌أعمال المصنف:

- ‌أ) التأليف:

- ‌ب) التحقيق:

- ‌التفسير والدراسات القرآنية:

- ‌الحديث والسنة:

- ‌علم الكلام والفلسفة:

- ‌الفقه وأصول الفقه:

- ‌اللغة والأدب:

- ‌التاريخ والسير والتراجم والطبقات:

- ‌موسوعات ومعاجم وقواميس:

- ‌المجلات والدوريات:

- ‌خطب ورسائل:

- ‌مراجع متنوعة:

الفصل: ‌السند التونسي في علم متن اللغة

‌السند التونسي في علم متن اللغة

(1)

محمد الفاضل ابن عاشور

كان علمُ متن اللغة - الباحث عن ضبط المباني، وتحقيق المعاني، لمفردات اللغة العربية - قد برز بروزَه الكامل من البصرة، إذ صُنِّف فيها أولُ كتاب جامع للغة، مرتَّب على ضبط اختلاف تركب الحروف المؤلفة منها الألفاظ، وهو كتاب "العين". وبغض النظر عما حول كتاب "العين" من احتمالات: أنه للخليل بن أحمد، أو لليث بن نصر أو لهما معًا (2)، فلا شك في أنه وضعٌ بصريٌّ في أصله ومادته، وأن للخليل فيه يدًا، وهي اليد الأولى، إن لم يكن له فيه اليدان كلتاهما.

وسار علمُ متن اللغة، يتبع سير إخوته بقية علوم العربية: القراءات، والأدب، والنحو، والتصريف، والعروض. فأقام بين البصرة والكوفة، يتجاذبانه كما يتجاذبان سائر علوم العربية، حتى شبت علومُ العربية كلها عن ضيق النطاق الحاصر لها بين البصرة والكوفة، وسمت عن نزعة العصبية المفرِّقة بين المصرين، فآوت إلى بغداد في القرن الثالث.

(1) مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ج 19، 1965 (ص 7 - 17). وقد أعيد نشره في: الشيخ محمد الفاضل بن عاشور: ومضات فكر، تقديم محمد الحبيب بن الخوجة (تونس: الدار العربية للكتاب، 1982)، ج 2، ص 196 - 212.

(2)

يراجع في ذلك كتاب المزهر للسيوطي من ص 39 إلى ص 44 ج 1 بولاق.

ص: 1743

وهناك تكاملت الفنون، وتقاربت المذاهب، وتحاكت الأنظار بين المبرد وثعلب (1)، واجتمع العلمان - علم البصرة وعلم الكوفة - في أردان ابن كيسان (2) والأخفش الصغير (3)، وأمثالهما. وهنالك - في بغداد - انفصل علمُ متن اللغة عن سائر علوم العربية، فاستقل به رجالٌ امتازوا فيه، واختصوا به: المفضل بن سلمة (4)، وابن السكيت (5)، وأبو بكر ابن دريد (6)، وابن خالويه (7)، وأبو منصور الأزهري (8)، ووضعوا المصنفات اللغوية السابقة - وخاصة كتاب "العين" - موضع النقد والتمحيص، والإثبات والإسقاط.

وكان القرن الرابع قرنَ انتشار علم متن اللغة - بعد نضجه ببغداد - إلى المشرق وإلى المغرب. اضطلع به رجالٌ بثوه في المشرق، وكانوا مرجعَ الأسانيد المشرقية فيه، مثل الإمام أحمد بن فارس، والصاحب ابن عباد، وآخرون طاروا به إلى المغرب، فكانوا مرجعَ الأسانيد المغربية، وأعظمهم ومقدمهم أبو علي القالي (9).

(1) ترجمتهما في بغية الوعاة ص 11 وص 14 ط السعادة.

(2)

بغية الوعاة ص 8.

(3)

بغية الوعاة ص 238.

(4)

بغية ص 396. - المؤلف. هو أبو طالب المفضل بن سلمة بن عاصم، لغوى، عالم بالأدب، كان من خاصة الفتح بن خاقان وزير المتوكل. من كتبه "البارع" في اللغة، و"الفاخر" في الأمثال، و"ما يحتاج إليه الكاتب" في الإنشاء، و"جماهير القبائل" في الأنساب والتاريخ، و"الاستدراك على العين" في اللغة، و"الملاهي"، و"الطيف"، و"ضياء القلوب" في معاني القرآن، و"الزرع والنبات" و"غاية الأرب في معاني ما يجرى على ألسن العامة من كلام العرب". توفي نحو 290/ 903. - المحقق.

(5)

بغية ص 418.

(6)

بغية ص 30.

(7)

بغية ص 231.

(8)

بغية ص 8.

(9)

ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان وإرشاد الأريب لياقوت ونفح الطيب للمقري ص 84 ج 2 ط الأزهرية.

ص: 1744

أقام أبو علي إسماعيل بن القاسم بن عيذون القالي ببغداد خمسًا وعشرين سنة في صدر القرن الرابع، وتخرج في علوم العربية بأبي بكر ابن دريد، وابن السراج، ونفطويه، والمطرز (غلام ثعلب)، والزجاج، والأخفش، وابن دُرستويه، وأبي بكر ابن الأنباري. وكان تخرجه في خصوص علم اللغة عن أبي بكر ابن دريد، وهو إمامُها وأهلُ الاختصاص بها، وقد علا صيتُه بتآليفه العظيمة، وأعظمها كتاب "الجمهرة".

وفي أوائل الربع الثاني من القرن الرابع سنة 325 هـ خرج أبو علي القالي من بغداد قاصدًا المغرب، فدخل قرطبة عاصمة الدولة الأموية بالأندلس في عهد عبد الرحمن الناصر، لا المنتصر كما توهم ياقوت (1). وأقام هنالك في ظل عناية الناصر ثم ابنه المستنصر وإكرامهما، إلى أن توُفِّيَ بقرطبة سنة 356 هـ.

كانت الخمس والعشرون سنة - أو تزيد - التي قضاها أبو علي في قرطبة مصدرَ علم غزير في اللغة: بما صنف القالي من كتب، وما عقد من المجالس؛ يباهي بعلم ابن دريد وأدبه، ويحدث عن الأخفش والمطرز وابن الأنباري وغيرهم. فكانت كتبُه كلها بغداديةَ الروح، أندلسية الوضع. وأصبحت الرواية في العربية راجعةً إليه، ومعظم التعويل فيها عليه، وغالب الاحتجاج به، وتسلسلت أسانيدُ علم اللغة ورواية الأشعار - في القرون التي تلاحقت بعده - متصلةً به.

وكان الآخذون عن أبي علي أندلسيين كلهم؛ إذ لم يؤخذ عنه ببغداد قبل سفره إلى المغرب، وقد أورد ياقوت أسماء بعض الآخذين عنه. ولكن اثنين اختصَّا بصحبته أولَ مقدمه اختصَاصًا زائدًا، فارتفع بهما قدرُه؛ إذ كان كلٌّ منهما - عند مقدم القالي - في الذروة من العلم.

(1) نفح الطيب ص 84 ج 2 ط الأزهرية.

ص: 1745

1 -

أحدهما القاضي منذر بن سعيد البلوطي (1)، كان قد رحل إلى المشرق، وروى كتاب العين عن ابن ولَّاد (2)، وشارك أبا علي القالي في بعض شيوخه وتساجل معه الآداب، وتطارح وإياه العلوم، وكانت له معه، أولَ مقدمه، القصة المشهورة في موقف الخطبة بين يدي الملك الناصر بقرطبة، عند قبوله وفود الروم، وقد لخصها المقري في نفح الطيب (3)، عن ابن حيان وابن سعيد وابن خلدون.

2 -

والثاني هو أبو بكر الزبيدي، "وكان حينئذ إمامًا في الأدب، ولكن عرف فضل أبي علي فمال إليه، واختص به، واستفاد منه، وأقر له"(4)، حتى أصبح القيِّمَ على علمه، والمرجعَ في الرواية عنه. وسنعود إلى ذكره في قرن الرواة المسندة عنهم كتبُ أبي علي القالي.

وكانت في الأندلس وإفريقية، في ذلك العصر، طبقةٌ من كبار اللغويين والرواة، تكونت كما تكونت طبقةُ اللغويين البغداديين، فيهم من القيروانيين عصابة

(1) ترجمته في نفح الطيب ص 320 ج 1 ط أزهرية.

(2)

هو أبو العباس أحمد بن محمد بن ولاد التميمي، أحد أشهر أئمة النحو في القرن الرابع الهجري، ولد بالفسطاط بمصر، وسمع النحو في صغره من أبيه ومشايخ الفسطاط، ثم رحل إلى بغداد وأخذ عن الزجاج وغيره. ثم عاد إلى مصر، وصار له فيها صيت وشهرة. اشتدت المنافسة بينه وبين أبي جعفر النحاس على رئاسة النحاة بها، وكثر ما جمع بينهما الولاةُ في مجالس المناظرة. من تصانيفه "الانتصار لسيبويه على المبرد" و"المقصور والممدود" وهو مرتب على حروف المعجم. توفي ابن ولَّاد في عام 332 هـ. - المحقق.

(3)

ص 271 ج 1 ط أزهرية.

(4)

قال الحُميدي: "وممن روى عن القالي أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدي النحوي صاحب مختصر كتاب العين، وأخبار النحويين، والواضح في النحو. وكان حينئذ إمامًا في الأدب، ولكن عرف فضل أبي علي فمال إليه، واختص به، واستفاد منه، وأقر له". الحميدي، أبو عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله الأزدي: جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، تحقيق إدارة إحياء التراث (القاهرة: الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1966)، ص 165؛ وقد نقل عنه ذلك الحموي: معجم الأدباء، ج 2، ص 730 - 731. - المحقق.

ص: 1746

زكية، أشهرها أبو عبد الله محمد بن جعفر القزاز، وفيهم من الأندلسيين، - زيادة على الذين ذكرناهما آنفًا - أبو بكر ابن القوطية.

أما القزاز (1) الذي قال عنه ابن رشيق: "إنه فضح المتقدمين، وقطع ألسنةَ المتأخرين"(2)، فله الكتبُ الجليلة، وأعظمها كتاب "الجامع" في اللغة، الذي يقارن بكتاب "التهذيب" للأزهري. ولكن الرواية عنه انقطعت، وكتبه لم تبق طويلًا بعده، وإن ذكر السيوطي (3) أن الاعتناء قد توفر عليها حقبةً من الزمن.

وأما أبو بكر ابن القوطية (4) فقد اشتهر علمه وثقته، وألف الكتب المهمة (5)، سمع الناسُ منه طبقة بعد طبقة. وأعظم ما اشتهر به كتابه "تصاريف الأفعال"،

(1) ترجمته في معجم ياقوت وابن خلكان. - المؤلف. والقزاز هو أبو عبد الله محمد بن جعفر التميمي النحوي، المعروف بالقزاز القيرواني. كان عالمًا بالنحو واللغة، متفننًا في التأليف، من تصانيفه "كتاب الجامع في اللغة". توفي سنة 412 هـ، وقد ناهز عمره التسعين. - المحقق.

(2)

القيرواني، حسين بن رشيق: أنموذج الزمان في شعراء القيروان، تحقيق محمد العروسي المطوي وبشير البكوش (تونس: الدار التونسية للنشر، 1986)، ص 365.

(3)

المزهر ص 45 ج 1 بولاق.

(4)

هو أبو بكر محمد بن عمر بن عبد العزيز بن إبراهيم بن عيسى بن مزاحم، إمام في اللغة والأدب، حافظ لهما، مقدم فيهما على أهل عصره. أصله من إشبيلية، ولد في قرطبة وإليها انتماؤه. ينسب إلى جدته صارة القوطية بنت ملك القوط. تثقف ابن القوطية في إشبيلية وقرطبة، فسمع بالأولى من محمد بن عبد الله القوق، وحسن بن عبد الله الزبيدي، وسعيد بن جابر وغيرهم، وسمع بالثانية من طاهر بن عبد العزيز وابن الوليد الأعرج ومحمد بن عبد الوهاب بن مغيث وغيرهم. كان مطلعًا على أخبار الأندلس، ملمًّا بسير أمرائها، وأحوال فقهائها وشعرائها، فكانت لذلك شهرته في كتابة التاريخ تفوق شهرته في فقه اللغة ورواية الأشعار، وفي مقدمتها كتابه "تاريخ افتتاح الأندلس" الذي يعد مرجعًا رئيسًا لكل من رام اطلاعًا على مبدإ الإسلام في الأندلس أو تصنيفًا فيه. ومن تصانيفه في علوم العربية كتاب "الأفعال" في الصرف، وقد تبعه فيه غيره، وكتاب "المقصور والممدود" و"شرح أدب الكتاب". وتوفي ابن القوطية بقرطبة سنة 367/ 977.

(5)

ترجمته في ياقوت وابن خلكان (محمد بن عمر).

ص: 1747

المشهور بلقب "أفعال ابن القوطية"(1). وقد أدركه أبو علي القالي في قرطبة واجتمع به، وشاركه في التلاميذ والرواة والآخذين. واستمرت منزلةُ ابن القوطية تضارع - على نسبة ما - منزلةَ أبي علي القالي في اشتهار الرواية بكتاب "الأفعال" الذي لم تنقطع روايتُه، وبقيت الأسانيد تتصل به، مثبَتَةً في الفهارس والبرامج. وعندنا من أسماء الذين رووا عن ابن الفوطية كتاب الأفعال اسمان:

1 -

أحدهما ذكر في "كشف الظنون"، هو "أبو عثمان سعيد بن محمد السرقسطي" الملقب "الحمار". ألف كتابًا هذَّب فيه كتابَ ابن القوطية، بإصلاحه، والزيادة عليه، وتغيير ترتيبه. وذكر أنه روى الأصلَ عن مؤلفه، وقد أثبت صاحبُ "كشف الظنون" أولَ الكتاب، مما يقتضي أنه وقف عليه، فلا يبعد أن يكون موجودًا في خزائن إسطنبول.

وعندنا توقفٌ في صحة الاسم الذي ذكره صاحب "كشف الظنون": فقد ترجم ابن بشكوال، في الصلة، لسعيد بن محمد المعافري القرطبي، تلميذ ابن القوطية، وقال:"وبسط (الأفعال) وزاد فيه". (2) فلعل الاسم اشتبه على صاحب "كشف الظنون"؛ لأن الملقب "الحمار" ليس سعيد بن محمد، وإنما هو سعيد بن فتحون (3)، وهو حكيم ليس معدودًا في علماء اللغة، ولذلك لم يترجمه السيوطي في "بغية الوعاة".

2 -

وثاني الاسمين هو القاضي يونس بن مغيث (4)، أخذ عن ابن القوطية، وروى عنه كتاب "الأفعال". ومن طريقه تتصل بابن القوطية الأسانيدُ التي

(1) طبع أولًا في ليدن بعناية الأستاذ [المستشرق الإيطالي ميكلنجلو] جويدي سنة 1894، وأعيد طبعه بمصر سنة 1952.

(2)

رقم 474 ص 212 ط مجريط.

(3)

رسالة ابن حزم في فضل علماء الأندلس نفح الطيب ج 2 ص 123 ط الأزهرية.

(4)

ترجمته في الصلة لابن بشكوال.

ص: 1748

تضمنتها الفهارس المغربية، مثل برنامج ابن أبي الأحوص (1)، فهو يروي كتابَ "الأفعال" عن ابن بقي، عن أبي عبد الله بن عبد الله، عن محمد بن الفرج، عن القاضي يونس بن مغيث، عن ابن القوطية. ومنذ القرن السادس بدأ الناسُ ينصرفون عن كتاب ابن القوطية إلى كتاب "الأفعال" لابن القطاع الصقلي المصري.

وبهذا يتبين أن السند اللغوي بالمغرب، بعد أن انقطع عن السلاسل المغربية الصرفة: قيروانية وأندلسية، ابتدأ مزدوج الأصل: بين مغربي أصيل، هو ابن القوطية، ومشرقي وافد، هو أبو علي القالي، ثم انحدر مغربيًّا صرفًا من الطريقين: طريق ابن القوطية، الذي ذكرنا أسانيده، وهو ضيق الانتشار مقصورٌ على كتاب "الأفعال"، وطريق أبي علي القالي - الذي هو الأوسع والأجمع - ويقوم على أربعة: هم أبو بكر الزبيدي، وابن القزاز (2)، وابن أبي الحباب (3) وابن أبان (4).

فأبو بكر الزبيدي - وهو محمد بن الحسن بن عبد الله الزبيدي (5) - من الأئمة في اللغة العربية، ألف في اللغة وفي النحو. قال ياقوت:"بلغني أن أهل المغرب يتنافسون في كتبه". (6) روى عن أبي علي القالي، واختص به، وعنه أخذ كتاب "العين" للخليل، وكتاب "الجمهرة" لابن دريد. واعتنى بفحص كتاب "العين"

(1) ترجمته في فهرس الفهارس للعلامة الكتاني، ص 100 ج 1.

(2)

اسمه سعيد ترجمته في الصلة. هو الإمام المحدث الثقة، شيخ اللغة، أبو عثمان سعيد بن عثمان بن سعيد، ابن القزاز، البربري، الأندلسي، القرطبي، اللغوي، تلميذ أبي علي القالي. ولد سنة 315 هـ. حدث عن قاسم بن أصبغ، ووهب بن مسرة، ومحمد بن عبد الله بن أبي دليم، ومحمد بن عيسى بن رفاعة، وسعيد بن جابر، ومحمد بن محمد بن عبد السلام الخشني. وحدث عنه أبو عمر بن عبد البر وجماعة، وكان أحد الثقات. مات في وقعة الأندلس في ربيع الأول سنة 400 هـ. - المحقق.

(3)

الصلة رقم 33.

(4)

الصلة رقم 4 ط مجريط.

(5)

ترجمته في معجم ياقوت وفي ابن خلكان.

(6)

الحموي: معجم الأدباء، ج 6، ص 2519. - المحقق.

ص: 1749

وتمحيصه، وألف في ذلك كتاب "مختصر العين"(1)، وكتاب "استدراك الغلط الواقع في كتاب العين". وقد أورد الإمام السيوطي في "المزهر"(2) خطبة كتاب "الاستدراك"، وأورد - نقلًا عن كتاب الزبيدي - غالبَ ما ذكر أنه صَحَّف فيه صاحبُ كتاب "العين"(3).

وأصبحت كتب الزبيدي عند أهل المغرب بالمنزلة التي قال ياقوت إنها بلغته عنهم من الاعتناء والإقبال، فاجتمعت عنده أسانيدُ اللغة في القرن الخامس وما بعده، وانحدرت عنه تفاريعها، فاتصلت بها الروايات، واتصلت من طريقها بأبي علي القالي بواسطة ابن الإفليلي. وهو الوزير أبو القاسم إبراهيم بن محمد الإفليلي القرطبي المتوفَّى سنة 441 (4)، روى عن أبي بكر الزبيدي كتاب الأمالي لأبي علي القالي، وروى كتب الزبيدي كلها عنه. وعنه تروى في الفهارس عن أبي القاسم ابن بقي، عن شريح بن محمد، عن أبي مروان ابن سراج، وعن أبي علي عمر بن محمد عن أبي بكر ابن الجد، عن ابن أبي الأحوص عن الأعلم: عن ابن الإفليلي.

وروى ابن الإفليلي عن أبي علي القالي من الطرق الأخرى غير طريق أبي بكر الزبيدي، رواياتٍ متصلة بالأسانيد: ذكرها ابن بشكوال، ووردت في الفهارس والبرامج، وهي روايته عن أحمد بن أبان (5) وعن أبي عمر أحمد بن عبد العزيز بن أبي الحباب. وكذلك ثبتت في فهرس ابن أبي الأحوص روايةُ ابن الإفليلي كتابَ ألفاظ ابن السكيت عن ابن أبان عن أبي علي القالي عن المطرز عن ثعلب عن ابن السكيت.

(1) منه نسختان مخطوطتان بمكتبة جامع الزيتونة الأعظم بتونس إحداهما أندلسية كتبت بالجزيرة الخضراء سنة 701 ومنه نسخة بخزانة الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب.

(2)

ص 40 ج 1 بولاق.

(3)

193 ج 2 بولاق.

(4)

ترجمة ابن بشكوال 195 وياقوت وابن خلكان.

(5)

ابن بشكوال 4 ط كديرة.

ص: 1750

وثبتت كذلك في مشيخة ابن حبيش مع رواياتٍ أخرى: حسبما يحدث ابن جابر الوادياشي، عن القاضي ابن الغماز التونسي، عن الحافظ الكلاعي، عن ابن حبيش، عن ابن مكي، عن أبي مروان ابن سراج، عن ابن الإفليلي (1). وثبتت في فهرس ابن أبي الأحوص أيضًا روايةُ ابن أبي الحباب عن أبي علي شعر أبي تمام، لكنها ليست من طريق ابن الإفليلي (2).

وفي فهرس ابن بشكوال - نقلًا عن القطعة منه التي بخطه بمكتبتنا العاشورية - سوق سند موصول بالقراءة، متقن السياق، عن ابن أبي الحباب، عن أبي علي من غير طريق ابن الإفليلي:"قرأت عليه (عبد الرحيم بن قاسم الحجاري) كتاب الألفاظ ليعقوب، وحدثني به عن الأستاذ اللغوي أبي الوليد مالك بن عبد الله العتبي، قراءة منه عليه، قال حدثني به أبو مروان حيان بن خلف بن حيان صاحب الأدب والتاريخ، قراءة مني عليه، قال حدثني أبو عمر أحمد بن عبد العزيز بن أبي الحباب، قراءة مني عليه، عن أبي علي البغدادي: قال بدأنا بقراءة هذا الكتاب على أبي بكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وحدثنا به عن أبيه، عن أبي محمد عبد الله بن محمد بن رستم مستملي يعقوب عن يعقوب".

واستمر سندُ ابن الإفليلي في علم متن اللغة غالبًا متسلسلًا في الأندلس، والمرجعَ في الرواية بالمغرب كله إليه، إلى آخر القرن الخامس. وأغلب الرواية عن ابن الإفليلي إنما هي روايةُ عبد الملك بن سراج الذي قال فيه ابن بشكوال:"وكانت الرحلة في وقته إليه، ومدارُ أصحاب الآداب واللغات عليه". (3) ومن طريق

(1) فهرس ابن جابر مخطوط الأسكوريال.

(2)

إجازة الشيخ عبد القادر الفاسي المطبوعة بتونس ضمن سند الشيخ عمر ابن الشيخ سنة 1325.

(3)

ابن بشكوال: الصلة، تحقيق إبراهيم الأبياري (القاهرة: دار الكتاب المصري/ بيروت: دار الكتاب اللبناني، ط 1، 1410/ 1989)، ج 2، ص 531. - المحقق.

ص: 1751