الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال بشار: "ما قالت امرأة قطُّ شعرًا إلا وظهر الضعفُ فيه، قيل له: والخنساء؟ قال: تلك التي غلبت الفحول". (1) ورأيتُ في مجموعة عتيقة - يظهر أنها من منتخبات أبي القاسم الأصفهاني صاحب كتاب "الواضح في شرح مشكل المتنبي"(2) - أن بشارًا سئل عن الفرزدق وجرير والأخطل، فقال:"لم يكن الأخطل مثل جرير والفرزدق، ولكنّ ربيعةَ تعصّبتْ له وأفرطتْ فيه، وكان جرير يُحسِن ضُروبًا من الشعر لا يحسنها الفرزدق، فجرير خيرٌ منه".
مكانة بشار من النثر:
لم يكن انقطاع بشار إلى الشعر وإجادته فيه بالذي يقصر به عن سمو المنزلة في الترسل والخطابة. قال الجاحظ في البيان: "ومن خطباء الأمصار وشعرائهم والمولدين منهم بشار"، "وكان شاعرًا راجزًا، وسَجَّاعًا خطيبًا، وصاحبَ منثور ومزدوج، وله رسائل معروفة"، وهو من المطبوعين (3). ومن فقراته الفائقة ما ذكره
(1) البغدادي: خزانة الأدب، ج 1، ص 414. طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، 1998 م. وينسب القول نفسه لجرير والفرزدق، وفي كتاب الأغاني، ج. وسئل لجرير: "من أشعر الناس؟ قال: أنا لولا الخنساء. قيل: بم فضَلَتْك؟ قال: بقولها:
إِنَّ الزَّمَان وَمَا يَفْنَى لَهُ عَجَبٌ
…
أَبْقَى لَنَا ذَنَبًا وَاسْتُؤْصِلَ الرَّأْسَ
إِنَّ الجَدِيدَيْنِ فِي طُول اخْتِلَافِهِمَا
…
لَا يَفْسُدَانِ وَلَكِنْ يَفْسُدُ النَّاسُ
البغدادي: خزانة الأدب، ج 1، ص 435.
(2)
وقد حققه المصنف وصدر عن الدار التونسية للنشر سنة 1968 بعنوان الواضح في مشكلات شعر المتنبي (ويليه كتاب سرقات المتنبي ومشكل معانيه لابن بسام النحوي)، ثم نشرته نشرًا مشتركًا دار السلام بالقاهرة ودار سحنون بتونس سنة 1430/ 2009. أما المنتخبات التي أشار إليها فلا نعلم عن مصيرها شيئًا، ولعل الله يقيض لها من ينفض الغبار عنها ويخرجها للناس.
(3)
الجاحظ: البيان والتبيين، ج 1/ 1، ص 42 - 44. وقد قال الجاحظ بعد أن أورد أبياتًا من أرجوزة بشار المذكورة:"والمطبوعون على الشعر من المولدين بشار العقيلي، والسيد الحميري، وأبو العتاهية، وابن أبي عيينة"، ثم قال بعد أن ذكر يحيى بن نوفل وسلمًا الخاسر وخلف بن خليفة وعبد الحميد اللاحقي:"وبشارٌ أطبَعُهم كلِّهم". المصدر نفسه، ص 44.
صاحب "معاهد التنصيص" في ترجمة ابن الرومي: أن بشارًا مدح المهدي بقصيدة، فحرمه الجائزة، فقيل لبشار:"فقيل له: حَرَمك أميرُ المؤمنين، فقال: والله لقد مدحتُه بشعر لو مُدح به الدهرُ ما خُشي صَرفُه على أحد، ولكنني كذَبْتُ في العمل فكُذِبتُ في الأمل"(1).
وقال الأصمعي: " [قلتُ لبشار: يا أبا معاذ]، إن الناس يعجَبون من أبياتك في المشورة، فقال لي: يا أبا سعيد، إن المُشاوِرَ بين صوابٍ يفوز بثمرته، أو خطأ يُشَارَكُ في مكروهه، فقلتُ له: أنت والله في قولك هذا أشعرُ منك في شعرك". (2)
(1) العباسي، عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن أحمد: شرح شواهد التلخيص المسمى معاهد التنصيص، وبهامشه بدائع الفوائد لعلي بن ظافر الأزدي (مصر: المطبعة البهية المصرية، 1304)، ج 1، ص 40 - 41. وروى الأصفهاني الحكاية نفسها بلفظ:"مدح بشارٌ المهديَّ فلم يعطه شيئًا، فقيل له: لم يستجد شعرك، فقال: والله لقد قلتُ شعرًا لو قيل في الدهر لم يُخشَ صرفُه على أحد، ولكنَّا نكذِب في القول فنُكْذَبُ في الأمل". لأصفهاني: كتاب الأغافي، ج 3، ص 216 (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج 1/ 3، ص 696 (نشرة الحسين).
(2)
الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج 3، ص 158 و 214 (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج 1/ 3، ص 656 و 695 (نشرة الحسين). وأورده الوطواط بلفظ:"المشاور بين إحدى الحسنيين أما صواب فيفوز بثمرته أو خطأ يشارك في مكروهه". غرر الخصائص، ص 439. ومما قاله بشار في الشورى:
سِرَاجٌ لِعَيْنِ المُسْتَضِيءِ وَتَارَةً
…
يَكُونُ ظَلَامًا لِلْعَدُوِّ المُزَاحِمِ
إِذَا بَلَغَ الرَّأْيُ المَشورَةَ فَاسْتَعِنْ
…
بِرَأْيِ لَبِيبٍ أَوْ نَصِيحَةِ حَازِمِ
وَلَا تَجْعَلِ الشُّورَى عَلَيْكَ غَضَاضَةً
…
فَإِنَّ الخَوَافِي قُوَّةٌ لِلْقَوَادِمِ
وَمَا خَيْرُ كَفٍّ أَمَسَكَ الغِلُّ أُخْتَهَا
…
وَمَا خَيْرُ سَيْفٍ لَمْ يُؤّيَّدْ بِقَائِمِ
الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج 3، ص 157 (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج 1/ 3، ص 656 (نشرة القاهرة)؛ الوطواط: غرر الخصائص، ص 123. ولم يذكر الوطواط البيت الأول، كما جاء البيت الثاني عنده برواية مختلفة على النحو الآتي:
إِذَا بَلَغَ الرَّأْيُ المشورَةَ فَاسْتَنِرْ
…
بِرَأْيِ نَصِيحِ أَوْ نَصَاحَةِ حَازِمِ
والأبيات من قصيدة من خمسة وعشرين بيتًا قالها بشار في أي مسلم الخراساني. ديوان بشار بن برد، ج 2/ 4، ص 189 - 194.
وفي تاريخ بغداد للحافظ البغدادي في ترجمة بشار أنه دخل على المهدي يعزيه على البانوقة، فقال له:"يا ابنَ مَعدِنِ الملك، وثمرة العلم، إنما الخلقُ للخالق، وإنما الشكرُ للمنعم، ولا بُدَّ مما هو كائن، كتابُ الله عِظتُنا، ورسول الله أُسوتنا، فأية عِظَةٍ بعد كتاب الله، وأية أسوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات فما أحسن الموت بعده". (1)
ومن سجعه في كتاب غرر الخصائص الواضحة: "وقال بشار: لقد عشتُ في زمانٍ وأدركتُ أقوامًا لو اختفلتِ الدنيا ما تجمَّلْتُ إلا بهم، وأنا الآن فِي زمانٍ ما أرى فيه عاقلًا حصيفًا، ولا فاتكًا ظريفًا (2)، ولا ناسكًا عفيفًا، ولا جوادًا شريفًا، ولا خادمًا نظيفًا، ولا جليسًا خفيفًا، ولا مَنْ يساوي على الخبرة رغيفًا، وأنشد:
فَمَا النَّاسُ بِالنَّاسِ الَّذِينَ عَرَفْتُهُمْ
…
وَلَا الدَّارُ بِالدَّارِ الَّتِي كُنْتُ أَعْرِفُ" (3)
وحسبك من مكانته في النثر أنه مع كونه أعمى لم يستغن الأمراء عن جعله في زمرة الكتاب، ذكر ابن رشيق في كتاب العمدة في الباب الأول أن بشارًا كان من كتاب الأزِمَّة (4)، وقد تقدم ذلك في ذكرِ مكانته لدى الأمراء.
(1) الخطيب البغدادي: تاريخ مدينة السلام، ج 7، ص 616. وقد جاء اسم ابنة المهدي فيه البانوجة بدل البانوقة.
(2)
لفظ "ظريفًا" زيادة من نسخة الكتاب المطبوعة لم يوردها المصنف.
(3)
الوطواط: غرر الخصائص، ص 211 - 212؛ في نسخة الكتاب المطبوعة:"عهدتهم" بدل: "عرفتهم". والبيت لهُدبة بن خشرم (شاعر فصيح من بادية الحجاز توفي سنة 50/ 670، ترجم له أبو الفرج ولم يذكر هذا البيت فيما ذكر من شعره. الأغاني، ج 7/ 21، ص 665 - 677)، وهو من قصيدة مطلعها كما أنشده الميداني في معرض حديثه عن المثل القائل:"تسمع بالمعيدي خير من أن تراه":
ظَنَنْتُ بِهِ خَيْرًا فَقَصَّرَ دُونَهُ
…
فَيَا رُبَّ مَظْنُونٍ بِهِ الخَيْرُ يُخْلِفُ
الميداني: مجمع الأمثال، ج 1، ص 131.
(4)
القيرواني: العمدة، ج 1، ص 19. وأزمة: جمع زِمام.