الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومع مكانة كتاب "المفتاح" وصعوبته، لم يحظ بنسخة مخطوطة صحيحة إلا نادرًا، ولم يحظ بطبعة علمية تناسبه، إنما طُبع طبعة واحدة بمطبعة التقدم بالقاهرة سنة 1348 لا تكاد تغني المطالع، فليت همةَ رجال الأدب بمصر تتوجه إلى طبعه طبعة علمية (1).
نشأة السكاكي الجثمانية والعلمية:
ذكر ياقوت في "معجم الأدباء" أنه ولد سنة 554 هـ (أربع وخمسين وخمسمائة)، وأنه من أهل خوارزم، قال:"وهو اليوم حيٌّ ببلده"(2). ولما كانت وفاته 626 هـ (ست وعشرين وستمائة) يكون قد عُمِّر اثنين وسبعين سنة أو ما يقاربها. وقد نوّه السكاكيُّ في مواضع كثيرة من كتابه بشيخه الحاتمي تنويهًا دلّ على أن تعويلَه في تلقي العربية كان على الحاتمي، فمن هو هذا الحاتمي؟ ذلك ما أعيانا البحثُ عنه بمراجعة مظانِّ من كتب تراجم الأدباء وبخاصة معجم ياقوت، وكتاب ابن الأنباري، والبغية، والوافي للصفدي، ومن كتب النحو المظنون بها التعرض إلى ذكر آراء في النحو انفرد بها، وبمراجعة شروح المفتاح الموجودة لدينا، وهي شروح الشيرازي، والتفتازاني، والسيد الشريف، والكاشي، والكاتبي، وابن كمال باشا، فلم نظفر فيه بأكثر مما سأذكره:
(1) وفعلًا نهض بعضُ المهتمين للعناية بالكتاب، حيث نشره أكرم عثمان يوسف في العراق سنة 1402/ 1982، ونشره في بيروت نعيم زرزور سنة 1403/ 1983 وعبد الحميد هنداوي سنة 1420/ 2000 (عند نفس الناشر)، إلا أن هذه النشرات الثلاث من الصعب القول بأنها ترقى إلى ما رجاه المصنف من تحقيقه تحقيقًا علميًّا يليق به على الرغم مما بذله أصحابها من جهود محمودة في إخراج النص، وليس ههنا مقام البيان لوجوه الخلل ومظاهر القصور فيها.
(2)
الحموي: معجم الأدباء، ج 6، ص 2846 (الترجمة 1255).
الحاتمي هذا يُلقب شرف الدين، حسبما قاله العلامةُ سعد الدين التفتازاني في شرحه للقسم الثالث من المفتاح قبيل الفن الأول من القانون الأول. ويظهرُ أنه من تلامذة عبد القاهر الجرجاني من قول سعد الدين في ذلك الموضع:"أورد على دعواه شاهديْ عدلٍ من كلام شيخه شرف الدين الحاتمي، وشيخ الكل عبد القاهر الجرجاني"(1).
وقد كان الحاتمي من أصحاب الرأي في النحو والصرف، وأذكر أني رأيتُ في مواضع من المفتاح إسنادَ آراء له في العربية، منها - فيما أذكره - أنه كان يرى أن اللام الداخلة على فاعل أفعال المدح هي لتعريف العهد لا للجنس، فليراجع (2). وذكر أنه زاد في تقسيم الاشتقاق إلى صغيرٍ وكبيرٍ قسمًا ثالثًا سماه الاشتقاقَ الأكبر، فقال:"وههنا نوعٌ ثالثٌ من الاشتقاق كان يسميه شيخُنا الحاتميُّ رحمة الله عليه الاشتقاق الأكبر، وهو أن يتجاوزَ على ما احتملته أخواتُ تلك الطائفة من الحروف نوعًا ومخرجًا، وقد عرفت الأنواع والمخارج [على ما نبهناك]، وأنه نوع لم أر أحدًا من سحرة هذا الفن - وقليلٌ ما هم - حام حوله على وجهه إلا هو". (3)
كما كان الحاتميُّ من أئمة فنون البلاغة وأصحاب الذوق فيها، قال في المفتاح: "وكان شيخُنا الحاتمي - ذلك الإمام الذي لن تسمح بمثله الأدوار، ما دار الفلك الدوّار، [تغمده الله برضوانه]- يحيلنا بحسن كثير من محسنات الكلام إذا راجعناه
(1) التفتازاني: شرح القسم الثالث من المفتاح، ص 60. يقول الميساوي: وقد أعياني أنا أيضًا البحثُ عن ترجمة شرف الدين الحاتمي هذا فما ظفرت بشيء.
(2)
وذلك قول السكاكي: "وقد كان شيخُنا الإمام الحاتميُّ رحمه الله يجوز في هذه اللام كونَها للعهد، وتحقيقُ القول فيه وظيفةٌ بيانية نذكرُه في علم المعاني". مفتاح العلوم، ص 143 (نشرة هنداوي).
(3)
المصدر نفسه، ص 49. هذا وقد جاء في جميع نشرات الكتاب التي بين يدي (نشرة أكرم عثمان: ص 113، ونشرة نعيم زرزور: ص 15) كلمة "سحرة"، ولا يبدو لاستعمالها هنا وجهٌ مناسبة، وربما هي تصحيفٌ للفظة "مَهَرة" فهي أسعدُ بالمعنى والمقام.