الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نظرة في كتاب "الجامع الكبير" لابن الأثير
(1)
كنتُ في مدة خلت مُعْجَبًا بكتابَيْ ضياء الدين (2) ابن الأثير: كتاب "المثل السائر"، وكتاب "الجامع الكبير" الذي توجد منه نسخةٌ وحيدةٌ احتوت عليها مكتبتُنا، ثم طويتُها ووليتُ وجهي شطرَ غيرها، وما كنتُ أحسب أنه طيٌّ كطيِّ صحائف يزيد بن الطثرية (3) الذي يقول:
صَحَائِفُ عِنْدِي لِلْعِتَابِ طَوَيْتُهَا
…
وَسَتُنْشَرُ يَوْمًا وَالْعِتَابُ يَطُولُ (4)
(1) مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد 36، 1381/ 1961 (العدد 4، ص 672 - 677).
(2)
من العجيب أن الدكتور عبد الحميد هنداوي - محقق كتاب "الجامع الكبير" في نشرته الجديدة - على الرغم من نسبته الكتاب إلى ضياء الدين نصر الله بن محمد بن الأثير في الدراسة التي قدم بها له (ص 29)، إلا أنه وقع في تناقض غير مفهوم، حيث جاء في صفحة الغلاف وتحت عنوان الكتاب العبارة الآتية:"الراجح نسبته لعز الدين بن الأثير". وقد تكرر الخطأ نفسه داخل الكتاب (ص 120)، ولكن بلفظة "المرجح" بدل "الراجح"! ولو أنه اطلع على ما كتبه المصنف في هذه المراجعة وما كتبه الأستاذ عز الدين التنوخي في المجلة نفسها (العدد الرابع من المجلد الخامس والثلاثين، 1380/ 1960، ص 666 - 669)، لسلم من هذا التردد والتناقض الذي مرده العجلة وقلة الأناة.
(3)
هو يزيد بن سلمة بن سمرة، أبو المكشوح، ابن الطثرية. والطثرية أمه، وكانت من طثر في اليمن. شاعر أموي من بني قشير بن كعب، كان شاعرًا غزلًا، وأديبًا مجيدا. عرف ابن الطثرية بحسن خلقه وحلاوة منطقه وحديثه، وكان ذا مال وشجاعة، وذا منزلة كبيرة عند قومه. قتل يوم الفلج في موقعة لبني حنيفة من نواحي اليمامة في عام 127/ 744.
(4)
هذا البيت مما ينسب إلى ابن الطثرية وإلى غيره، وهو البيت قبل الأخير في مقطوعة من ستة عشر بيتًا من بحر الطويل، انظر تخريجًا مفصلًا لها في: شعر يزيد بن الطثرية، صنعة حاتم صالح الضامن (بغداد: مكتبة أسعد، 1973)، ص 86 - 90.
ومضت السِّنُون حتى وردت إِليَّ منذ أشهر نسخةٌ من "الجامع الكبير" بمطبعة المجمع العلمي العراقي في سنة 1375 هـ؛ بتحقيق وتعليق الأستاذين الدكتورين مصطفى جواد وحميد سعيد (1). فقدرتُ قدرَ الأستاذين في حسن اختيارهما، وشكرتُ صنيعَهما من إبراز هذا العِلْقِ النفيس، مع التصدير البديع، والتعاليق القيمة، وما تبعها من الفهارس. فما أخذتُ في المطالعة حتى فاجأتني أخطاءٌ وتحريفات، وسقوطُ كلمات أو سطور، وطمعتُ أن أُحصيَها وأقابلها على النسخة المخطوطة، وأبعث بذلك إلى الأستاذين الناشرين لينشراه تبعًا لفهرست الخطأ والصواب التي في المطبوعة.
ولكن اعترض دون ذلك ضيقُ الوقت وتعددُ الأشغال إلى أن طلعت علينا "مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق" في ربيع الآخر المنصرم (2)، فإذا بها مقالٌ قَيِّمٌ للأستاذ عز الدين التنوخي - عضو المجمع العلمي العربي - لنقد النسخة التي أخرجها الأستاذان، خَتَمه باقتراح طبع الكتاب طبعة ثانية. وأنا أشاطره على ما أبداه من التصويب والاقتراح، وأشاركه بوجوب إعادة طبع الكتاب بعد التحصيل
(1) الصواب جميل سعيد. والدكتور مصطفى جواد (1906 - 1969)، عالم لغوي ومؤرخ عراقي من أصل تركماني، وهو أحد أهم علماء العربية في القرن العشرين. كتب الكثير من الأبحاث والكتب عن اللغة العربية وتحديثها وتبسيطها. وكان له برنامج مهم في التلفزيون العراقي بعنوان "قل ولا تقل". شغل منصب المشرف على الأساتذة الخصوصيين الذين أشرفوا على تدريس وتثقيف الملك فيصل الثاني ملك العراق. من مؤلفاته كتاب "في التراث اللغوي" وكتاب "دليل خارطة بغداد المفصل" الذي اشترك معه في تأليفه الدكتور أحمد سوسة (مطبعة المجمع العلمي العراقي، 1958 م). من اللطائف التي تروى عنه ركوبه إحدى سيارات الأجرة في بغداد، وفي الطريق شغل السائق المذياع فأذيع برنامجه "قل ولا تقل"، فضجر السائق وأغلق المذياع وقال باللهجة العراقية العامية:"أسكت كواد"، فطلب مصطفى جواد من السائق التوقف، ونزل من السيارة وهمس في أذنه:"قل قواد ولا تقل كواد". فسارع السائق للاعتذار، وقبل مصطفى جواد اعتذاره وضحك. كان ذا فكاهة، مع طيبة قلب، ويروي عنه البغداديون الكثير من النوادر. أما شريكه في تحقيق "الجامع الكبير" الدكتور جميل سعيد فلم أعثر له على ترجمة.
(2)
مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد 35، 1380/ 1960 (العدد 4، ص 666 - 669).