الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكملة وتقفية للتعريف بكتاب "تحفة المجد الصريح" وصاحبه وأصله
(1)
فاتني أن أذكر في المقال المنشور في الجزء 3 من المجلد 37 من مجلة المجمع العلمي العربي عن كتاب "تحفة المجد الصريح"، ما يتعلق بشرح الفصيح المختصر للبلي الذي ذكره مترجموه في عد تآليفه إذ اتفقوا على أن له شرحين على الفصيح هما "تحفة المجد الصريح" وشرح آخر، فاقتصر في "بغية الوعاة" وفي "كشف الظنون" على هذا المقدار. وزاد ابن جابر إيضاحًا بعد أن ذكر "تحفة المجد الصريح"، فقال:"واختصره في مجلد"(2)، ولم يتعرضوا لتسمية هذا الشرح المختصر.
وقد وقع في تفسير القرآن للشيخ محمد بن عرفة التونسي الذي قيده تلميذه الشيخ الأُبي (3) التونسي من دروسه، فقال في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى
(1) مجلة المجمع العلمي العربي، المجلد 37، الجزء 4، 1382/ 1962 (ص 692 - 695).
(2)
الوادي آشي التونسي، شمس الدين محمد بن جابر: برنامج بن جابر الوادي آشي، تحقيق محمد الحبيب الهيلة (مكة المكرمة: مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى، 1401/ 1981)، ص 58.
(3)
هناك نشرتان لتفسير ابن عرفة، واحدة بعناية حسن المناعي وصدرت سنة 1986 م في جزءين عن مركز البحوث بالكلية الزيتونية بتونس، والأخرى بعناية جلال الأسيوطي صدرت سنة 2008 في أربعة مجلدات عن دار الكتب العلمية في بيروت. وقد وهم الأسيوطي بل أساء القراءة إذ ادعى أنه اعتمد في إعداد نشرته على "أصل مخطوط وهو بخط ابن عرفة نفسه"، مضيفًا أنه استعان "بثلاث نسخ أخرى لتلاميذ ابن عرفة، ولكن الواضح منها أنها منقولة من هذا التفسير أو هذه النسخة التي اعتمدنا عليها وقد اختصرها تلاميذه إلى حد كبير". (ج 1، ص 4). ولو أن هذا "المحقق" تجنب التسرع في الحكم وأصاخ بعقله لما يقرأ لما وقع في سوء الفهم هذا، إذ تواجهنا منذ بدء الكتاب مثل هذه العبارات:"فقيل لابن عرفة: كيف يُشترط الحفظ في هذا وهو ناقل للتفسير فقط"، و"قيل لابن عرفة: بل نقول إنه فرض عين"، و"قلتُ: وأجاب ابن عرفة بأن ذلك. . ."، (ص 28) و"أجاب ابن عرفة عن الإشكال. . ." (ص 29)، ولا يُعقل إذا كانت هذه النسخة =
آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)} من سورة آل عمران (33)، وتكلم على أن التفضيل إنما يكون بين المتجانسين، ثم قال - أي ابن عرفة -:"وقد حكى شيخُنا الفقيه أبو عبد الله محمد بن الحُباب: إن الأعدل أبا جعفر أحمد بن يوسف اللبلي الفهري سأله: ما الأحسن شرحه المجمل أو المقرب لابن عصفور؟ " قال: "فما تخلصتُ منه إلا أني قلت له: ذلك (أي المقرب) تأليف مستقل، وهذا (أي المجمل) شرح، فهذا تأليف، وهذا تأليف"، أي فهذا جنسٌ من التأليف وذلك جنسٌ مغايرٌ له، فلا تتيسر الموازنةُ بينهما (1). قلت: ولعمري لو قال إن أحدهما في فن والآخر في فن آخر لكان أجملَ تخلصًا وأوجهَ عذرًا؛ لأن العلوم تتمايز بتمايز الموضوعات.
وإنما جزمتُ بأن مراده بالمجمل هو شرحه الآخر على الفصيح لقول ابن الحباب: "هذا شرح"، ولا يُعرف من تأليف اللبلي ما هو شرحٌ على كتاب غير شرحيه على الفصيح.
على أنه ليس يبعد أن يكون قولُ ابن جابر: "واختصره في مجلد" تحريفًا عن "واختصره في المجمل"، فتأمل. وعسى أن تكون النسخة التي في مكتبة روضة خيري بمصر نسخة من كتاب المجمل في شرح الفصيح، فيجتمع شتاته ويُسر به أهلُ الأدب ورواته.
= بخط ابن عرفة نفسه أن يستخدم مثل هذه العبارات في الحديث عن نفسه. وإنما الواضح الذي ينادي على الملأ هو أن الذي دوَّن تفسير ابن عرفة هو غير المفسِّر، وهم بعض خواص تلاميذه، وهم التونسي محمد بن خلفة بن عمر (وهو أكبر أصحاب ابن عرفة وأخصهم به، توفي سنة 827 هـ)، وأحمد بن محمد بن أحمد البسيلي (المتوفى سنة 830 هـ)، والمغربي أبو القاسم السلاوي.
(1)
ليست الآية المذكورة من جملة الآيات التي شملها تفسير ابن عرفة حسب النشرة التي أصدرتها دار الكتب العلمية ببيروت سنة 2008، والتي تمكنت من الاطلاع عليها، وهي من "تحقيق" جلال الأسيوطي. ولم أطلع على نشرة حسن المناعي الصادرة بتونس للتأكد مما إذا كانت تشتمل على هذه الآية.
وأما كتاب "بغية الآمال" لأبي جعفر اللبلي الوارد ذكره في عداد تآليفه، فهو كتاب مختصر سماه مؤلفه "بغية الآمال في معرفة الأسماء والأفعال" أوله:"الحمد لله الذي ابتدع بقدرته كل شيء، وأتقن بحكمته وعلمه كل جماد وحي". (1)[و] قال: "إن جماعة من أعيان الأدباء [وطائفة من سادات الفضلاء] وردت علي مكاتباتهم [وتكاثرت لدي رغباتهم] في أن أصنف لهم مجموعًا في معرفة النطق بجميع مستقبلات الأفعال". (2) وقسمه إلى قسمين: القسم الأول في الثلاثي وفيه خمسة أبواب، والقسم الثاني في المزيدات وفيه مقدمة وثلاثة فصول. وختم الكتاب بفصلين في أحكام مشتركة بين الأفعال السابقة: الأول في معرفة النطق بالفعل المبني للمفعول، والثاني في كيفية النطق بحروف المضارعة، قال في آخره:"وبينت ذلك كله بيانًا كافيًا، وشرحته [بحمد الله] شرحًا وافيًا لم أُسبق إليه، وبترتيب لم أُزاحَمْ عليه". (3)
وقال في ديباجته: "ولما فرغت من تصنيف [الكتاب وتصحيحه، وتهذيبه وتحريره وتنقيحه]، طرزته باسم مَن جعله الله وارث علوم الكتاب والسنة، [وإمام الأئمة]. . . مفتي البلاد المصرية والعراقية والشام شيخنا عز الدين بن عبد السلام"(4)(هو الإمام الجليل عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي الشافعي الملقب عز الدين المتوفَّى بمصر سنة 660 هـ). ويظهر أن اللبلي ألفه أيام إقامته بمصر، وقد نقل فيه عن كتابه "تحفة المجد الصريح" الذي ألفه ببلاده.
وتوجد نسخةٌ تامة من "بغية الآمال" بالمكتبة الصادقية بتونس، بخط نسخي عتيق، يظهر أنه مما كتب في أواسط القرن الثامن الهجري بالبلاد المصرية، إلا الورقة الأولى منها فبخط غير عتيق وهي غير مؤرخة.
(1) اللبلي: بغية الآمال في معرفة مستقبلات الأفعال، ص 25.
(2)
المصدر نفسه، ص 25. وما بين حاصرتين من كلام اللبلي، ولم يورده المصنف.
(3)
المصدر نفسه، ص 104. وما بين حاصرتين من كلام اللبلي، ولم يورده المصنف.
(4)
المصدر نفسه، ص 26 - 27. وقد استغرق كلام اللبلي على شيخه العز ابن عبد السلام أكثر من سبعة أسطر. ما بين حاصرتين من كلام اللبلي، ولم يورده المصنف.
هذا، وإتمامًا للفائدة المتعلقة بكتاب الفصيح أقول: إن شرح أحمد بن محمد بن هشام اللخمي على الفصيح الذي عددناه في شروح الفصيح توجد نسخة منه بالمكتبة الأحمدية بجامع الزيتونة بتونس (1)، بخط تونسي مضبوط صحيح الشكل في ست وأربعين ورقة من قطع الربع، نسخت سنة 1005 هـ بتونس.
وأيضًا قد نظم الفصيحَ وأشار إلى ما رأى في تفسيره منه النحويُّ الشاعر مالك بن عبد الرحمن المعروف بابن المرحَّل المالقي الأندلسي المتوفَّى سنة 699 هـ. قال في البغية: "وله نظم في الفصيح". قلت: ولم يُعرفه صاحب كشف الظنون، وهو أُرجوزة في ألف وزهاء ثلاثمائة بيت، أولها:
حَمْدُ الإِلَهِ وَاجِبٌ لِذَاتِهِ
…
(هنا أثر قطع ذهب بالمصراع الثاني)(2)
قال فيه:
أَنْ أَنْظِمَ الفَصِيحَ فِي سُلُوكِ
…
مِنْ رَجَزٍ مُهَذَّبٍ مَسْبُوكِ
وَبَعْضَ مَا لَا بُدَّ مِنْ تَفْسِيرِهِ
…
وَشَرْحَهِ وَالقَوْلَ فِي تَقْدِيرِهِ (3)
وسماها "الموطَأة" إذ قال في آخرها يتحدث عن نفسه:
هَذَّبَ فِيهَا قَوْلَهُ وَوَطَّأَهْ
…
لأَجْلِ ذَا لَقَّبَهَا المُوَطَّأَهْ (4)
(1) قلت: وقد حقق الدكتور مهدي عبيد جاسم شرحَ ابن هشام لكتاب الفصيح وصدرت طبعته الأولى عن دائرة الآثار والتراث التابعة لوزارة الثقافة والإعلام بالعراق سنة 1409/ 1988 في 416 صفحة.
(2)
وهو قوله: "وَشُكْرُهُ عَلَى عُلَا هِبَاتِهِ". انظر متن هذا النظم في: ابن المرحل المالقي الأندلسي، مالك بن عبد الرحمن: متن موطأة الفصيح، تحقيق عبد الله بن محمد سفيان الحكمي (سلسلة المتون العلمية المختارة، دون ذكر لاسم الناشر، ولا لمكان ولا تاريخ، ومحققه عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بالرياض)، ص 1 - 188.
(3)
المصدر نفسه، ص 1 - 2.
(4)
المصدر نفسه، ص 187.
وباعتبار ما زاده من التفسير والشرح يصح أن يُعد في شروح الفصيح، زيادة على عده في منظومات الفصيح التي ذكر صاحب كشف الظنون شيئًا منها. [و] توجد نسخة من هذه الأُرجوزة بالمكتبة الأحمدية بجامع الزيتونة في خطين تونسيين.