الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطاب في حفل اختتام السنة الدراسية بجامع الزيتونة
(1)
إلى الله أرفع أطيبَ المحامد وأعلاها على أن رفع قيمة العلم وأغلاها، وما منح أهله من النعم وأولاها. وإلى رسوله محمد أتوجه بأفضل الصلوات وأملاها، المرسل بشريعة مرَّ عليها الدهر فما أبلاها، وزادها من الليالي جدة فأوضحها وأجلاها، وآله وصحبه وكل من اقتدى بتلك الفئة وتلاها، وأنقذ الأمة من كل ما غرها ودلاها.
فضيلة العلم وحظ الأمة التونسية منه:
أما بعد، فإن ما تقرر عند العقلاء من فضيلة العلم ونباهة محله، والشرف الباذخ لحملته وأهله، يغني عن الإطناب في إبلاغه فقد وعاه السامعون، وحسبنا آية {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)} [العنكبوت: 43].
وإن شرفَ الأشياء يقتضي صرفَ الاهتمام إليها ودوام العناية بحفظها ونمائها، فلذلك كان من سعادة الأمم أن تنصرف عنايةُ قادتها وكبرائها إلى البحث عن وسائل ترقية العلوم، وتهذيب أساليب التعليم، وتوفير عدد المتعلمين، والترغيب في الإقبال على طلب العلم.
(1) المجلة الزيتونية، المجلد 6، العددان 2 و 3، 1364/ 1945 (ص 363 - 369). أُلقي هذا الخطاب بجامع الزيتونة في حفل انتهاء السنة الدراسية، والراجح أن ذلك كان في شهر رجب 1364/ يونيو 1945.
ولم تزل هممُ ذوي الكمال منصرفةً إلى تيسير سبيله، وإذاقة الظامئ إليه صافي سلسبيله، بشتى وسائل التيسير: من تقريب المسائل، وتوقير الأوقات، وإراحة البال من المشوشات، ونقض السدود الحائلة دون السير في ذلك السبيل، وتربية الشراهة على التحصيل.
وبمقدار اعتناء الأمة بالتدبر والتفكر في هذه الوسائل وتقريبها لأبنائها، يتوسم المتوسمون منها تأهلَها للارتقاء وتشام غيوث من برق عزمها إذا لاح متألقًا. ولم يكن حظُّ الأمة التونسية في هذا المضمار من بين الأمم منقوصًا، فقد سايرت في ذلك تطورَ العصور تمهيدًا وإكمالًا، ونشطت في أحوال أورثت تكاسلًا وإقبالا.
فمعهدُها هذا الجليل بأصله وفروعه ومدارسه المبثوثة في الحاضرة والإيالة قد كان ميدانًا لهذا السباق، وقديمًا جرت فيه جيادُه جريَ انتظام وانتساق. فطلعت في أفقه شموسٌ وأهلة، وفي شواهد التاريخ الإسلامي على ذلك كثير من الأدلة؛ إذ لم يزل تأرز إليه علوم الشريعة وعلوم اللغة العربية، فكان وجهةَ الأولين لحفظ قوانين الشريعة أصولًا وأحكامًا، وغذاء حياة العربية كتابة وكلامًا. من أجل ذلك كان النصحُ لهذا المعهد حقًّا على كل مسلم؛ لأنه يجمع مواضع النصيحة التي تضمنها قول النبي صلى الله عليه وسلم:"الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". (1)
(1) عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة"، قال تميم:"قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"". 1 وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم كرر قوله: "الدين النصيحة" ثلاثًا. صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث 55، ص 44؛ سنن أبي داود، "كتاب الأدب"، الحديث 4944، ص 774. سنن الترمذي، "كتاب البر والصلة"، الحديث 1925، ص 472؛ سنن النسائي، "كتاب البيعة"، الأحاديث 4203 - 4206، ص 684 - 685. وانظر تخريجه بجميع طرقه وألفاظه في: الأصفهاني، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق: المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم، تحقيق محمد حسن إسماعيل الشافعي (بيروت: دار الكتب العلمية، بدون تاريخ)، الأحاديث 192 - 198، ج 1، ص 142 - 144؛ المروزي، محمد بن نصر: كتاب تعظيم قدر الصلاة، تحقيق عبد الرحمن بن عبد الجبار الفِرَيْوائي (المدينة المنورة: مكتبة الدار، ط 1، 1406)، ج 2، ص 681 - 691.